2013/05/29
ماهر منصور – السفير
تطيح الفضائيات العربية أعراف مهنة الصحافة، وتدخل المنافسة على برامج النجوم الحواريّة، بطريقة تجار الجملة في سوق الخضار. صارت الفضائيات أسيرة للإعلان، وإن اقتضى ذلك تخلّيها عن نجومها من الإعلاميين، لمصلحة نجوم من مهن أخرى. وهذا ما يحصل حالياً، إذ تتمّ إزاحة المقدمين المحترفين، لمصلحة مقدّمين هواة، من نجوم الدراما أو الغناء. ترضي الفضائية المعلن، فيما يخرج هو بتصريحات، توحي بأنّه قادم لتغيير وجه الإعلام العربي، لدرجة كدنا نصدّق أنّه لم يكن هناك إعلام وإعلاميون، قبل أن يدخل نجوم الدراما والغناء عالم البرامج التلفزيونيّة.
حتى فترة قريبة، كان ظهور الممثلين على كرسي المقدم التلفزيوني أمراً نادراً، أو حالةً خاصة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، حين قدم الفنان دريد لحام البرنامج الحواري الانتقادي "على مسؤوليتي" على شاشة "أم بي سي"، استمدّ مشروعيته كمقدّم، من مسرحياته مع الراحل محمد الماغوط وأفلامه "الحدود" و"شقائق النعمان"، إذ أنّ خطاب البرنامج لم يشذّ عموماً عن مضمون تلك الأعمال. لاحقاً، أطلّ أيمن زيدان مقدماً برنامج "لقاء الأجيال"، جنباً إلى جنب مع ولده الراحل نوّار، كثنائي عائلي إلى جانب ثنائيات عائلية أخرى، في حوار أشبه بجلسة الأصدقاء. وحين قام زيدان وبعده نور الشريف بتقديم برنامج المسابقات "وزنك ذهب"، لم يكن الأمر يتطلب أكثر من حضور شخصية بكاريزما آسرة، تنافس كاريزما الإعلامي جورج قرداحي في برامج المسابقات.
لكنّ تعدّي نجوم الدراما والغناء على مهنة التقديم، تحوّل إلى طفرة. وإن كنا اكتشفنا خلال الموسم الماضي موضة تقديم برامج حوارية/ غنائيّة من قبل بعض نجمات الغناء، فإنّ عدد تلك البرامج ازداد ازديادا ملحوظا، بدافع غيرة النجمات من بعضهن البعض ربما، وليس بدافع نجاحهن كمقدّمات. حتى بتنا ننتظر في المقبل من الأيام أن يصير لكلّ مغنية برنامج حواري/ غنائي، يندرج في قائمة مشاريعها الفنيّة، كأي ألبوم، أو كليب. المثير للاستهجان وربما السخرية، أننا بلغنا اليوم مرحلة باتت فيها بعض نجمات الغناء يتعفّفن عن تقديم البرامج، وقد سمعنا مؤخراً تصريحاً لنجمة غناء لبنانية، كشفت فيه أنها رفضت أكثر من عرض من فضائيات مهمة لتقديم برامج على شاشاتها.
وما كادت تهدأ ثورة المغنيات/ المقدمات، حتى تنبّهت الفضائيات لإمكانيّة الاستعانة بنجوم الدراما المصريّة في التقديم، على نحو يوحي بأنّه على الزملاء الإعلاميين توضيب حقائبهم، والبحث عن مهنة أخرى... فخلال أقلّ من ثلاثة أشهر، شاهدنا محمد هنيدي مقدماً برنامج "لحظة شكّ" على شاشة "روتانا مصريّة"، وهاني رمزي مقدماً برنامج "الليلة مع هاني" على شاشة "أم بي سي مصر"، ومحمد كريم مقدماً برنامج "ذا فويس" على شاشة "أم بي سي"... وفي هذا الوقت، يعقد الفنان نور الشريف جلسات عمل مع إحدى القنوات الفضائية لتقديم برنامج حواري، يستضيف من خلاله شخصيات فنية وأخرى عامة. كما تعاقد الفنان هشام سليم مع قناة "الشعب"، لتقديم برنامج حواري سياسي، في حين سيطلّ المغني تامر حسني في برنامج حواري فنّي على شاشة "أم بي سي مصر". كما طرح اسم الممثلة هند صبري، بديلةً للزميلة وفاء الكيلاني في برنامج "نورت"، وقد خرجت صبري تنفي الخبر، بحجّة أنّها "لن تقدم على أي تجربة تقديم تلفزيوني، ما لم تكن صاحبة فكرة البرنامج الخاصة والحصرية".
تهافت الفضائيات على استقطاب نجوم الدراما كمقدّمي برامج، من شأنه أن يجعل مهنة التقديم مهنةً بلا مهنيين.. كأنّه ما من مواصفات أو خبرات تخوّل أحدهم أو إحداهنّ الجلوس على مقعد المذيع، سوى أن تكون معروفاً بين الناس، رغم أنّ مهنة التقديم تتطلّب غالباً دراسة أكاديميّة، ودورات تدريبيّة مكثّفة ليكون الشخص جاهزاً لإدارة حوار. بكلّ الأحوال، فإنّ ما خرج علينا من برامج يديرها نجوم الدراما والغناء، يثبت أنّ معظم البرامج تحوّل إلى جلسات ثرثرة، قد تتخللها في أحسن أحوالها وصلة غنائية، أو مشهد ستاند آب كوميدي.
المشكلة أن تلك البرامج كلفت الملايين، من دون نتيجة، خصوصاً أنّ أجر المقّدم/ النجم، قد يزيد عن أجور جميع المقدّمين على شاشة الفضائية التي أطلّ عليها... طبعاً نتكلم هنا عن النتائج الفنية، فحجم الإعلانات يتكفل بسد بقية الإنتاج وربما أكثر.