2012/07/04
عفراء محمد - تشرين دراما
مسلسل «باب الحديد» و«باب المقام» و«خان الحرير» و«الوردة الحمراء» وغيرها من الأعمال الدرامية التي أنتجت في مدينة حلب، لاقت حضوراً جماهيرياً
كبيراً، إضافة إلى أن أوائل المسلسلات الدرامية التي عُرضت على شاشة التلفزيون السوري مثل «نهاية رجل شجاع» كان قد شارك فيها أبطال ونجوم من حلب.
غير أن المتابع للأعمال الدرامية الحديثة يلاحظ غياب الفنان الحلبي عنها باستثناء عدد قليل منهم كالفنان القدير «عمر حجو»، وإن صدف ووجد الفنان
الحلبي في عمل ما «فإنه يُهمَّش ويعامل ككومبارس» على حد تعبير الفنان هلال دملخي، الأمر الذي جعل حالة من التشاؤم والحزن تنزل بفناني حلب بعد «أن بلغ السيل الزبى» وتمَّ إقصاء العديد منهم عن ساحة الدراما السورية واقتصارها على نجوم «دمشقيين» كما وصفهم العديد من نجوم حلب ممن التقت
بهم «دراما تشرين». وقد وصل الأمر إلى درجة مطالبة فناني حلب بإيجاد لجنة خاصة لإنتاج أعمال درامية في البيئة الحلبية.
حتى هذا الوقت لا تزال حلب مغيَّبة عن المشهد الدرامي برغم الإرث الفني الكبير الذي تتمتع به. وقد دفع هذا التغييب العديد من أولئك الفنانين إلى
الاتجاه إلى المسرح من أجل التنفيس عن طاقاتهم التمثيلية المكبوتة والتي لا تجد من يأخذ بيدها. لكن ومع ذلك لم يستطع الفنان الحلبي تحقيق
النجومية من خلال المسرح لعدة أسباب منها انصراف الجمهور عن المسرح وضعف القدرة المادية التي لا تسمح بإنتاج أكثر من مسرحيتين في العام
وغيرها من الأسباب التي معظمها ساهمت في إقصاء هذا النجم أو ذاك وميله لأعمال أخرى كالتجارة لعلَّها تسد رمق الحياة.
شركات الإنتاج في دمشق
تستحق حلب أن تعود مجدداً للساحة الدرامية كونها سبق وأثبتت حضورها وقدرتها الإبداعية في أكثر من عمل في عقد التسعينيات. في حين أن البعض
من فناني حلب يرى أن تركز شركات الإنتاج في دمشق هو السبب فيما وصلت إليه حال النجم الحلبي - التوجه العام للإنتاج الدرامي يتركز في دمشق-
كما أن حلب تعاني من ضعف التسويق, وكذلك الفنان الحلبي لا يملك إقامة دائمة في دمشق كي يكلف بالمشاركة في أعمال هناك على حد تعبير الممثلة «سندس ماوردي».
غير أن الفنانة القديرة «هدى ركبي» ترى أن المشكلة ليست في تحمل تكاليف الإقامة وغيرها بل هناك أسباب أخرى لأنه من الطبيعي أن يكون هناك فرق
في الأسعار عندما نمثل في دمشق أو يتم استقدامنا من حلب، ولا يمكن للفنان أن يتحمل تكاليف الإقامة، لذا هذا الأمر مفروغ منه عند الجميع فالمشكلة
عكس ذلك «على حد تعبيرها. ويوافق البعض من نجوم حلب على أن المشكلة لا تتعلق بالأجور وإنما بأمزجة المخرجين».
مسلسل حلبي دون حلبيين
الفنان الحلبي له قصة مع الدراما فالعمل الذي يأتي إلى حلب يستعين بكادر من خارجها، برغم أنه في أي دولة عربية لا يعمل كادر ما من دون ترخيص»
على حد تعبير النجمة «سوسن علي» وتضيف «يتم اعتماد البعض ممن ليس لهم علاقة بالتمثيل فقط لأن فلاناً من الناس رشَّحه برغم غياب الموهبة،
وكل ذلك على حساب الفنان الحلبي الذي هضم حقه». ويرى المخرج «إيليا قجميني» أن مشكلة الممثل الحلبي تناقش في العديد من الاجتماعات التي
تتداولها نقابة الفنانين في حلب فبعد أن أنتج في فترة من الفترات عملان دراميان في حلب توقف هذا الشيء لدرجة أن المشاركة الحلبية في الأعمال
الدمشقية لم تعد موجودة وإذا وجدت تكون مشاركة ثانوية لا تبرز النجم بل تبقيه على حاله. ويوافق «قجميني» الرأي الفنان «غسان دهبي» الذي يُبدي
انزعاجه من استقدام نجوم دمشقيين إلى عمل يمثل في البيئة الحلبية وباللهجة الحلبية المحلية، إذ برأيه حتى لو شارك الممثل الحلبي فإنه يُهمَّش
إعلامياً ودرامياً.. «يصور حالياً مسلسل «المنعطف» في مدينة حلب و في أي خبر يذكر عن هذا العمل يتم تهميش فناني حلب المشاركين ووضعهم تحت
خانة «وآخرين» على حد تعبير «دهبي» ويضيف «هناك أسماء لا تقل أهمية عن نجوم دمشق ومع ذلك يُهضم حقها، ربما بسبب الإعلام الذي يساهم في
صناعة النجم وكذلك بسبب المخرج الذي يختار على كيفه» ويضرب «دهبي» مثلاً عن أحد المشاهد التي قدمها في مسلسل «الزير سالم» حيث «ركزت
الكاميرا على حصاني أكثر من وجهي، في حين أن ممثلين آخرين كانت الكاميرا ترصد أدق التفاصيل والحركات التي يقومون بها، وعندما تأخذ الكاميرا لقطة
عامة للنجم فمن غير الممكن إثبات وجوده إلا إذا أعطي دوراً أساسياً». ومن جهة أخرى يرى الفنان «هلال دملخي» «أن الدراما السورية محتكرة من قبل
وجوه معينة تتاح لها فرصة المشاركة في أكثر من عمل، برغم أنها وجوه أصبحت مستهلكة بالنسبة للبعض من الناس إلا أنه يوجد إصرار على مشاركتها
في أكثر من عمل على حساب نجوم آخرين» على حد تعبير «دملخي». يضاف إلى ذلك حسب رأي الفنان «غسان دهبي» أن الفنان الحلبي قُدم بشكل
جيد من خلال «خان الحرير» و«الثريا» و«ربيع بلا زهور» وهذه الأعمال قدمها القطاع الخاص وجزء منها قدمها التلفزيون السوري، غير أن الأخير قدم أعمالاً
عن البيئة الحلبية من دون المستوى المطلوب، الأمر الذي جعل الفنان الحلبي يُغيَّب كما يقول ويضيف: حتى إنَّ الأعلام ساهم في ذلك، إذ إنه منذ
أسبوعين نُشر في إحدى الجرائد الحكومية موضوع عن الدراما السورية وتمَّ تغييب الأعمال الحلبية والنجم الحلبي أيضاً. ويخشى «دهبي» من وقوع الدراما
السورية في فخ الدراما المصرية من خلال اعتمادها على النجم الأوحد, إذ إن هناك نجوماً يشاركون في أكثر من ثلاثة أعمال سنوياً, وتكرار وجه الممثل في
أكثر من عمل يجعله يفقد مصداقيته. وبرأي «دهبي» أنه ليس فقط النجم الحلبي مغيَّب بل إن نجوم المحافظات أيضاً الأخرى يعانون من الشيء ذاته. ويتساءل البعض من نجوم حلب عن أسباب إقصاء النجم الحلبي عن الدراما السورية بحجة أن الفنان الحلبي غير معروف أو مشهور.
منذ فترة قليلة دعيت للمشاركة بسبعة مشاهد من مسلسل «المنعطف» للمخرج عبد الغني بلاط, وقد قال لي بأنه لا يعرف نجوم حلب هكذا تبدأ حديثها
الفنانة «ماكدة مور»، التي اشتهرت بدور «أم عبدو» في مسلسل «البيوت أسرار» وتضيف: هذه إهانة لفناني حلب بعد مسيرة مكللة بالنجاح عمرها
خمسة وثلاثون عاماً شارك خلالها النجم الحلبي في تأسيس التلفزيون والدراما السورية. وترى ماكدة أنها تتعرَّض لإهانة عندما يعرض عليها سبعة مشاهد
بعدما مثلت في أعمال كانت لا تقل عن مئتي مشهد, «هل يعقل بعد المسيرة الفنية اللامعة لفناني حلب أن يقبلوا بأدوار هامشية وكأنهم مجرد كومبارس» كما تقول «مور» والتي ترفض مقولة أن أي عمل درامي سوري كي يروَّج له لا بدَّ من الاستعانة بفناني دمشق. هذه المقولة ابتدعها أشخاص
معينون لأغراض مادية وشخصية، لماذا لا يُدعى فنانو حلب إلى دمشق للتمثيل، بينما يُستقدم فنانو دمشق إلى حلب ويؤدُّون أدواراً بلهجة لا يتقبَّلها الحلبي، وهنا لا يقال إن تكاليف الفنان الدمشقي مرتفعة من إقامة وغيرها، في حين أن الفنان الحلبي توصد الأبواب أمامه بحجة تكاليف السفر والإقامة.
وترى «مور» أنَّ البعض.... يخاف من أن يسحب الفنان الحلبي البساط من تحت أقدام الآخرين؛ فهو في مكان العمل بكامل الجهوزية من قراءة النص وحفظه
وتأديته بطريقة مميزة، بخلاف آخرين يأتون للعمل ويحفظون النص هناك.
قدرات معطلة
ويرى الفنان «غسان مكانسي» أنَّه وبرغم مساعدة نجوم حلب للمخرجين الذين يرغبون بإنتاج عمل في حلب، غير أن هؤلاء يقومون بتجاهل الفنان الحلبي
عندما تتحقَّق أمنياتهم ويستعيضون عنه بنجوم دمشقيين- للمخرج علاقة فيما وصلت إليه حال نجوم حلب، وقد جعلنا ذلك مغمورين ودفَعَنا إلى البحث عن
لقمة عيشنا في أعمال أخرى غير الفن، يوجد فرق في التعامل مع النجم الحلبي من خلال الأجور فهو لا يقبض ربع مايتقاضاه الفنان الدمشقي كما يقول «مكانسي». وفي السياق ذاته يضيف الفنان «رضوان سالم»، رئيس مكتب الدراما في نقابة فناني حلب أنَّ نجوم حلب موجودون غير أنهم تحوَّلوا الآن إلى
متسكعين بسبب عدم تفريغ طاقاتهم الفنية، بمعنى أننا نعاني من بطالة حقيقية. وما زاد الطين بلَّة هو أنَّ نقابة الفنانين في الفترة الماضية لم تستطع أن
تقدِّم أيَّ شيءٍ للفنَّان الحلبي وتحوَّلت إلى نقابة لجباية الأموال.ويرى سالم أنَّ حلب تحوَّلت إلى مختبر لبعض المخرجين الذي انفردوا في اختيار شخصيات
العمل على مزاجهم، ما جعل الأعمال الحلبية التي ظهرت مؤخراً باهتة.من جهة أخرى, يرى البعض من النقاد أنَّ المعنيين بالدراما السورية لم يتنبهوا إلى
قدرة اللهجة الحلبية على تسويق الأعمال وقبولها في المحافظات السورية. إذ ساهمت الدراما المصرية في تسويق اللهجة الصعيدية والاسكندرانية
وجميعنا نعرف مدناً مصرية لم نزرها سابقاً بل شاهدناها في مسلسلات مصرية على حد تعبير الناقد الفني «ناجي شامي», ويضيف حبذا لو تقوم الدراما
السورية بخطوات مماثلة كما فعلت في «ضيعة ضايعة» و«باب المقام». وتسوِّق لمحافظاتها.