2012/07/04
مصطفى علوش - تشرين
يقول (بهجت) أحد شخصيات مسرحية الميراث، تأليف- ممدوح عدوان إخراج محمود خضور موجهاً حديثه لأخته هناء وزوجته هدى: (هذا هو عالم الذئاب الذي حدثتكما عنه، يموت الإنسان فلا يخطر لأخته، أو زوجته، أو لأحد أن يتطلع إلى وجهه.. يا إلهي، لم أكن أتصور الحياة بهذه القسوة).
عرض (الميراث) بدأ على خشبة القباني يوم 27-3 – 2011 بصالة غير ممتلئة بالحضور، وكما هو واضح من حديث بهجت الذي لعب دوره الفنان المسرحي يوسف المقبل، فإن العرض يتحدث عن قسوة الحياة، يتحدث عن الوحش البشري المترسب في داخل الإنسان.
هذا الوحش الذي يجعل الإنسان أقسى حتى من الوحش هنا يمكن أن نتذكر ايريك فروم وهو يقول في كتابه تشريح التدميرية البشرية: (تاريخ الإنسان سجل للتدميرية والقساوة غير العاديتين، ويبدو أن العدوان البشري يتجاوز كثيراً عدوان أسلاف الإنسان من الحيوانات، والإنسان خلافاً لجل الحيوانات قاتل حقيقي)، ويمكن أن نستدل على هذا العدوان الذي يتحدث عنه بهجت من خلال موته الأول في العرض، حيث بدأت الأخت والزوجة بالبحث عن الأشياء الثمينة في البيت قبل أن تبرد الجثة، طبعاً سيعود بهجت للحياة لأن ما أصابه كان نوبة إغماء فقط، هنا تنكشف الوجوه الحقيقية للشخصيات الثلاث (هناء الأخت لعبت الدور ريم درويش، الزوجة هدى، لعبت الدور لمى الشمندي) وجوه ملطخة بالطمع والعدوان.
حيث نكتشف من خلال الحوار أن بهجت كان (قواداً) لأخته وزوجته السابقة وسر ثروته يعود لممارسته تلك، وهناء الأخت تعود بعد 15 عاماً من الغياب لبيت أخيها بهجت والسبب معرفتها أن بهجت مصاب بمرض خبيث واحتمال موته قائم بأي لحظة،تعود لتحصل ما تستطيع من الميراث المحتمل بعد موت بهجت، الزوجة هي الأخرى تسعى لتثبيت بيع البيت والمزرعة التي وعدها الزوج بهما، ورغم أن الزوج مازال على قيد الحياة، فإن الصراع يدور بين المرأتين لتقاسم الميراث، تصاعد الحدث من خلال الحوار يكشف الوجوه الذئبية لهذه الشخصيات، وجوه ملطخة بالطمع والشر والعدوان الذي يظهر جلياً في المشهد الأخير حيث يموت الزوج وهو يطلب من المرأتين دواءه، يموت أمام عيونهما، يتركانه يموت، هنا يصل فعلهما إلى حد الجريمة.
قصة الخيانة
إضافة إلى قصة الطمع والعدوان هناك قصة الخيانة التي يناقشها العرض من خلال حيوات الشخصيات الثلاث، فثمة خيانة أكبر من تلك الخيانات الجسدية، إنها خيانة القيم، خيانة قيم الإنسانية ذاتها من خلال تقاسم ثروة رجل مازال على قيد الحياة.
على صعيد التمثيل، شاهدنا يوسف المقبل الذي يتمتع بحس مسرحي شاهدناه وهو يعيش شخصية بهجت بعيداً عن أية زيادات أو بهرجات، المقبل من الممثلين القلائل الذين يتفاعلون بود وحب مع الخشبة المسرحية، ريم درويش، تمكنت من إظهار مدى الذئبية التي تتضمنها شخصية الأخت (هناء)، أما لمى الشمندي فاشتغلت على إظهار كل التناقضات التي عاشتها شخصية (هدى )، وحرصت الشمندي على إظهار الانفعالات المختلفة التي عاشتها الشخصية . المخرج خضور الذي اختصر بعض العبارات من الحوار بقي وفياً إلى روح ممدوح عدوان المسرحية، بقي وفياً إلى رائحة المسرح وهو يقول ويحارب ويعري تلك المساحات الوحشية من النفس البشرية.
وضمن فريق العمل الفني: (ديكور وإعلان – زهير العربي، إضاءة، نصر الله سفر، إعداد موسيقا – نزيه أسعد، ملابس، ربيع الحسين، مكياج – هناء برماوي، إضاءة – بسام حميدي ،صوت، شادي ريا، مدير منصة أحمد السماحي، مخرج مساعد، كميل أبو صعب)
(الميراث) ووجوه ثلاثة وصلت إلى أقصى العدوان في حياتها، وميراث صرفه بهجت في حياته انتقاماً من تلك الرحمة والإنسانية التي لم يجدها في حياته.
مرة أخرى يعيش المسرح لحظته الفنية فيعرّي تلك النفس المتوحشة، يعرّي بغاية إظهار الجانب الآخر الذي لم يظهر، جانب الإنسان.