2012/07/04
ميساء نعامة – الوطن السورية
بين العرس القرن في بريطانية ومقتل أسامة بن لادن والفوضى العارمة في الوطن العربي هناك قاسم مشترك ألا وهو الإعلام، بوصفه العمود الفقري للأحداث التي تعصف بالعالم، فقد أراد الغرب المتحضر أن يجذب أنظار العالم إلى ما يجري في بريطانيا من عرس ملكي أطلق عليه عرس القرن أو عرس الموسم وهذه ليست المرة الأولى لمثل هذا «الشو» حيث سبق أن شاهد العالم عرس ديانا كما شاهد وفاتها «بالشو» ذاته، بالمقابل جرى تعتيم إعلامي محكم على آلية مقتل الليدي ديانا
واليوم المشهد نفسه يتكرر فقد حصل تعتيم كامل على القمع الذي حصل قبل الاستعراض للعرس الملكي البريطاني وأثنائه، وبعده، كما جرى التعتيم على الثورات داخل أوروبا التي تطالب بحاجات ملحة منها تخفيض ساعات العمل ومنها زيادة الرواتب ومنها تقليل نسبة الضرائب على الأفراد إلى غير ذلك من المطالب المحقة التي ينادي بها مواطنو الغرب المتحضر، لكن الشو الإعلامي انزاح بقدرة المتحكمين بالميديا الغربية عن مشاهدة هذه التظاهرات التي قمعها الغرب بالغازات المسيلة للدموع تارة وبالضرب والتنكيل تارة أخرى وبالسجن تارات.
والحدث الأبرز هذه الأيام هو مقتل بن لادن وتداعيات مقتله على العالم الإسلامي كأحد الطرق التي تحارب بها أميركا الإرهاب الإسلامي حسب المصطلح المصدر إلينا «إسلامو فوبيا»، وبالمقابل هذا النصر الأميركي سيرفع أسهم الرئيس أوباما بحملته الانتخابية التي أصبحت على الأبواب.
أما الفوضى التي اختارتها لنا أميركا ودول الغرب ومعها الصهيونية العالمية فقد سخرت لها ماكينة إعلامية كاملة متكاملة على مستوى الداخل العربي والخارج الأوروبي وبهذا الإعلام تكسب أميركا وشركاؤها الرأي العام العربي والعالمي لشرعية تدخلها المباشر وغير المباشر في وطننا العربي.
في عودة إلى أسبوع العرس البريطاني، رحمنا اللـه سبحانه وتعالى من رؤية شيخ الفتنة كما اصطلح تسميته من السواد الأكبر من المواطنين السوريين، وسماع خطبته العصماء التي حرض من خلالها على القتل والتخريب والاقتتال الطائفي، وقد تناهى إلى مسامعي أن سبب الغياب القسري هو حضور سماحة الشيخ «التقي» مراسم عقد قران الأمير وليام وكيت ميدلتون، أو قد يكون اعتذر عن الخطبة ربما لكي يتمكن من مشاهدة حية عبر التلفزيون «ومالوا؟» لا أحد ضده في هذه المسألة لكن أن يتحفنا بخطبة تسعى إلى تفتيت المجتمع السوري عبر الفتنة الإعلامية التي تحمل ما تحمله من تهيئة لحرب أهلية بين أفراد المجتمع السوري هذا ما نرفضه جملة وتفصيلا، وكم نتمنى أن تستمر الأعراس في ربوع الغرب لكي لا نشاهد بشاعة ما يصدر لنا من فتنة دينية عبر رمز فقد مصداقيته أمام الرأي العام السوري على الأقل.
على ذكر عرس القرن الذي أفردت له الفضائيات العربية والأجنبية العرض المباشر لمراسمه، لدرجة أن قناة الجزيرة شعرت بالغيظ لأنها لم تتمكن خلال عرض مراسم العرس أن تلاحق صور اليوتيوب المصنعة في غرفها السوداء وتلاحق شهود العيان من الغرف المجاورة لاستديو النقل المباشر، التي تخدم التضخيم والتهويل والتزوير الإعلامي بحق سورية.
المتابع لمشاهد البذخ الكبير لعرس القرن الذي شاهدته من باب الفضول لمملكة تصدر لنا الديمقراطية مع حليفتها الأميركية، يرصد الديمقراطية بالصوت والصورة أولاً: كنيسة ويستمنستر التي تمنع على العموم من الشعب البريطاني دخولها، رغم ضخامتها واتساع مساحتها وعراقة تاريخها، لأنها مخصصة للعائلة المالكة فقط على اعتبار أن عموم البريطانيين هم من الرعاع.
أما المشهد الآخر لثقافة الديمقراطية البريطانية فهو الحالة الأمنية التي فرضت على لندن العاصمة البريطانية، فلنتابع ما قالته الضابطة الاستخبارية، كريستن جونز المسؤولة عن أمن عرس القرن: إن «أي مجرمين سيحاولون إعاقة الزفاف سواء بشكل احتجاجات أو ما إلى ذلك، سيواجهون رداً قوياً وحاسماً».
كما كشفت الشرطة البريطانية، عن أنها قامت باعتقال 55 شخصاً بتهم مختلفة في العاصمة لندن، وذلك في إطار الإجراءات الأمنية التي اتخذتها شرطة لندن للحفاظ على الأمن في يوم زفاف الأمير وليام وعروسه كاترين ميدلتون.
اذا في عودة إلى كلام الشرطية كرستين نجدها تخاطب من يختلف مع البذخ والترف الملكي المحصل من الضرائب المفروضة على الشعب البريطاني بالمجرمين، وهم من البريطانيين وليسوا من الجاليات الأخرى وبالتأكيد ليسوا من العرب أو المسلمين لأن التسمية أو المصطلح الذي كان سيطلق عليهم مختلف فهؤلاء بحسب الترتيب الغربي يصنفون بالإرهابيين.
عند مشاهدة وقراءة هذه الوقائع والخطط الأمنية المتبعة من أجل العرس البريطاني وأعمال القمع والعنف المتبعة لتفريق المتظاهرين، تراءى لي المشهد الآخر في الضفة المقابلة أي في الشرق العربي على وجه التحديد.
لقد حول الغرب الوطن العربي إلى مجموعة براكين وقودها الإعلام والسلاح واستباق الإعلام على السلاح كحالة تمهيدية للتغطية على التمرد المسلح، ثم الوصول إلى تدويل القضايا العربية بطريقة دراماتيكية محسوبة الخطوات، ومن يعود إلى صفحات التاريخ الصفراء منها وأقصد العمق التاريخي والأبيض أي التاريخ القريب يلاحظ أن الأساليب واحدة والخطط واحدة والمختلف هنا هو الأدوات المستعملة، والمشكلة الحقيقية أن الغرب لا يريدون رغم الشعارات الطنانة أن يتناسوا دورهم الاستعماري عبر الاستعمار المباشر أو الانتداب أو غيره من أشكال الاستعمار المباشر وغير المباشر التي قرأنا عنها في كتب التاريخ.
نعود إلى الغرب وكيف يحللون لأنفسهم ما يمنعونه على الآخرين، وهذه حالة غريبة فعلاً العرب ساهم فيها إلى حد كبير عبر التقصير الإعلامي أو عبر تسخير الإعلام العربي لخدمة مصالح الغرب في وطننا العربي، أو عبر الثقافة السطحية التي نستقيها من الإعلام نفسه أو من خلال تصدير الثقافة السطحية نفسها التي قوامها طرفا قطبين متنافري الانفلات المعياري القيمي والأخلاقي عبر الثقافة الجنسية والإباحية أو عبر التطرف الديني الذي يعتمد في جوهره على الاجتهادات والفتاوى الدينية والبعيدة عن الشريعة بوثيقتها القرآن الكريم.
هذا باختصار دور الميديا الإعلامية وقواعد اللعب من خلالها فهل يدرك المثقف العربي قبل غيره ما يراد لوطننا؟