2012/07/04
السفير / نديم جرجورة تتيح المهرجانات السينمائية الغربية، أساساً، فرصة التعرّف إلى ممثلين جدد، يُقدّمون أداءً باهراً في أفلام، قد تكون الأولى لهم. تتيح لقاء بأناس مدهشين. يُقال إن الدور الأول فرصة للممثل لإظهار براعته. الحماسة تدفعه إلى هذه البراعة. تجعله متألّقاً. الحماسة. الرغبة في إثبات الذات. العفوية التي تتيح له التصرّف بحرية كبيرة، وبتحرّر واضح من قواعد وتقنيات. هذا ينطبق على الهواة، أو على اللاممثلين. الممثلون المحترفون متعِبون، غالباً. احترافهم واختباراتهم الجمّة تقف حائلاً دون العفوية. هذا أمرٌ آخر محتاج إلى نقاش مختلف. الممثل غير المحترف، أو اللاممثل، مدهش بعفويته وبساطته. بتصرّفه العادي والسلس. لا يتصنّع أداء. لا يُبالغ في سلوك. يحافظ على هدوئه. يريد الظهور، لكن الأنانية والتعجّرف لا يزالان غائبين. الدور الأول مثير. إنه بطاقة دخول إلى قلوب المُشاهدين، وإلى عالم الصناعة السينمائية. الدخول الأول مغاير تماماً عن الدخول الثاني، إن لم يكن نقيضه. المنتج والمخرج محتاجان إلى مسائل لا ينتبه إليها المشاهدون، أو لا يكترثون لها. للنقاد موقفٌ ثالث. هذه مسائل طبيعية جداً. لكل طرف حساباته ورغباته وأهدافه. ولمن يُقدّم دوراً أول أيضاً. لعلّ المهرجانات السينمائية الغربية ليست المكان الوحيد لاكتشاف «مواهب الأداء الاحترافي» لمبتدئين. لكنها تتيح فرصة المُشاهدة الأولى لأفلام حديثة الإنتاج، لم تُعرض سابقاً. هذا يعني مسألتين اثنتين: متعة مشاهدة الجديد، فور الانتهاء من تحقيقه. ومتعة التعرّف إلى أسماء ووجوه، قد يكون لها مستقبلٌ ما. حتى إذا لم تعثر هذه الأسماء والوجوه على مستقبل ما، فإن إطلالتها هذه مناسبة لتقديم الذات أمام عشرات المئات من النقّاد والصحافيين والمُشاهدين، في اللحظات الأولى اللاحقة لولادة هذا الصنيع. في الدورة الأخيرة (أيار 2009) لمهرجان «كان»، بدا الممثل الفرنسي طاهر رحيم اكتشافاً حقيقياً. أدّى شخصية سجين ضعيف ووحيد بات محوراً أساسياً في توازنات ونزاعات وتبدّلات. جاك أوديار قدّمه إلى الجمهور السينمائي في «نبي». الأيام الأولى من الدورة الستين للـ «برليناله» تحوّلت إلى مناسبة للتعرّف إلى ممثل روماني هاو يُدعى جورج بيستريانو. في التاسعة عشرة من عمره. عاشقٌ للموسيقى. لكن نصيحة صديق دفعته إلى متابعة دروس في التمثيل. «إذا أردتُ أن أصفّر، فسأصفّر» لفلوران سربان فيلمه الأول. أداؤه شخصية شاب سجين يُعاني مأزق علاقته المرتبكة بعائلته الممزّقة، بديع. الوصف لا يعكس حقيقة الأمر. بدا، في جزء من السياق الدرامي، هادئاً ووديعاً. خمسة عشر يوماً فقط تفصله عن إطلاق سراحه. لكن حضور والدته وتسلّط أحد زملائه بدّلاه كلّياً. أراد حماية شقيقه الصغير. أراد حبّا مفقوداً. أراد حرية داخلية. أراد سلاماً ذاتياً. أداؤه مدهش. قدرته على كشف الانفعالات مشوّق. بساطته. تواضعه. تقديمه الشخصية وعيشه مسارها وتحوّلاتها، امر مثير للمتعة البصرية وللتساؤل عن مصير الممثل فيه. لكن، ماذا بعد الدور الأول؟