2013/05/29

المغنية التي كانت تنقصها اللحية..! عن استثمار السلطة الجمالية في توجيه الجمهور
المغنية التي كانت تنقصها اللحية..! عن استثمار السلطة الجمالية في توجيه الجمهور

فائزة داود – تشرين


يمتلك الفنان بشكل عام والممثل والمغني بشكل خاص سلطة جمالية تأسر قلوب عامة الشعب خاصة منهم الأطفال والمراهقين، وهذه السلطة كما هو معروف تبدو كأنها تأخذ طابعاً عالمياً لا يخلو من المبالغة أحياناً، إذ نجد نجوم الغناء والتمثيل يتمتعون بشعبية تفوق بكثير شعبية رجال السياسة والأدب وحتى الرياضة. ولذلك فإن أعضاء إحدى المؤسسات الإنسانية لم يستغربوا رغبة ذلك الطفل المريض في رؤية نجمه التلفزيوني المفضل.

ومن أجل توضيح الفكرة أكثر لا بد من الخوض قليلاً في تفاصيل الحادثة التي ذكرها أحد أعضاء تلك المؤسسة الخيرية الناشطة على مستوى الوطن السوري.

أمنيات مستحيلة!

قام أعضاء مؤسسة خيرية بزيارة إلى مشفى للأطفال يضم في أحد أقسامه حالات مرضٍ ميئوس من شفائها، وأثناء القيام بتلك الزيارة طلب أحد الأعضاء من الأطفال المرضى أن يتمنى كل واحدٍ منهم أمنية أو أكثر، وذلك بعد أن وعد أعضاء تلك المؤسسة مضيفيهم من المرضى الصغار بأن يحققوا لهم كلَّ ما يتمنون، واختلفت أمنيات الأطفال باختلاف حاجاتهم ورغباتهم، فمنهم من تمنى أن يتناول وجبة غذائية قال إنه يحبها والمستشفى لم تقدمها له طوال فترة وجوده فيها، وآخرون طلبوا ثياباً جديدة وأحذية، وهناك من تمنى الخروج من المستشفى ليومٍ واحد في رحلةٍ سياحية إلى مناطق تقع خارج دمشق، فيما أعلن طفل واحد فقط عن أمنيته في رؤية أحد نجوم الدراما السورية المعروفين جداً .

بالطبع حصل أولئك الصغار على كل ما تمنوه، وبما يخص الطفل الذي كان كل يوم يجلس في سريره بانتظار إطلالة نجمه المفضل فإن أفراد المؤسسة الخيرية تواصلوا منذ اليوم الأول مع ذلك النجم الفضائي ونقلوا إليه أمنية الطفل المريض، فرفض الذهاب إلى المستشفى بحجة أن برنامجه اليومي لا يسمح له بممارسة نشاطات اجتماعية لا علاقة لها بعمله، وحين اقترح أحد الأعضاء على الممثل أن يأتي له بالطفل المريض إلى مكان العمل كي يراه ويلتقط معه صورة فوتوغرافية تكون بمنزلة تذكار يسعد الطفل كان رد الممثل: مشغول ولا وقت عندي أضيعه لفزلكات كهذه.

إطلالة المشغول

لن نقول إن الطفل مازال ينتظر إطلالة ذلك النجم المشغول دائماً بإبداعاته الدرامية، ذلك لأن الحقيقة الدرامية تقول إن الطفل فارق الحياة قبل أن تتحقق أمنيته الصغيرة والتي لم تكن لتكلف ذلك الممثل إلا وقفة عاجلة إلى جانب الطفل مع ابتسامة حانية يفتعلها كما لو أنه يفتعل ابتسامة يتطلبها دور أو ظهور له في مسلسل تلفزيوني، وربما تمرير كفه المباركةً على رأس ذلك الطفل الخالي من الشعر.

لن نقول إن ابتسامة ذلك الممثل كانت ستشفي الطفل من مرضه غير القابل للشفاء أصلاً، كما أن كفه المباركة لن تحدَّ من آلام مرضه الرهيبة، لكنَّ هذا النجم الذي يضيء حضوره شاشات الدراما العربية، وفي الوقت ذاته يرفض أن يضيء وجه طفلٍ مريض بفرحةٍ صغيرة، يدفعنا لأن نطرح تساؤلاً يتعلق بدور الفن في المجتمع. ولاسيما أن من المسلم به أن المقولة الإنسانية أو الفكرية يقوم الفنان الدرامي بايصالها إلى المشاهدين على اعتبار أن الفنان الذي يتمتع في عيون جمهور المشاهدين بسلطة جمالية مطلقة هو قادر في الوقت ذاته على إيصال ما يشاء المؤلف الدرامي من المقولات ليس عبر الدراما التلفزيونية أو من خلال الفن السايع فقط بل كذلك كسلوك يومي معيش.

فرحة صغيرة

وبعيداً عما أوصله هذا الفنان عبر الأعمال الدرامية إلى الجمهور العربي بشكلٍ عام والسوري بشكلٍ خاص وتجاوزاً لقراره برفض تقديم فرحة صغيرة لطفلٍ مريض على اعتبارها فزلكة لا وقت عنده للقيام بها وذلك وفق وجهة نظره الدرامية، فإن هذا الفنان القدوة وفق ما كان يراه بعض المشاهدين وبعد أن استقر في إحدى دول الخليج الغازية صار لديه الوقت الكافي ليخرج من جلده الدرامي فيطل علينا على شاشات بعض الفضائيات الغاز دولار ويُنظِّرْ علينا في السياسة والفتنة والقتل وذلك حين يعلن أنه يرى في الاقتتال مخاضاً على طريق الحرية والديمقراطية، فيما مغنية أخرى وبعد أن زعقت حتى أرهقتنا بصوتها الناشز تستثمر زعيقها الآن في السياسة ومن خلال شاشات الفضائيات ذاتها بوصفها هذه المرة آمر عمليات تطالب بقتل بعض النسيج السوري، ويذكرنا زعيقها التحريضي بنبرة مفتيِّ الخراب العربي على اختلاف سحناتهم وتنوع خطاباتهم وفيما يخص (اللوك) فإن اللحية هي كل ما كانت تحتاجه المغنية في تلك الإطلالة. بمعنى آخر لقد استغل بعض الفنانين السوريين من مغنين وممثلين سلطتهم الجمالية المؤثرة على الجمهور السوري خاصة منه الأطفال والمراهقين وذلك حين اشتغل هؤلاء في فضائيات الغاز دولار بما أمرهم به أمراء الحرب الذين يقتاتون على استمرار القتل والخراب في كل بقاع الأرض، وبذلك أثبت من جعلهم بعض الجمهور السوري قدوته وتالياً موجهه أنهم في التراجيديا السورية ما هم إلا كومبارس رخيص تم تدريبه على أيدي مصاصي الدماء السورية.

وهنا لا بد من التساؤل عن ماهية سلطتهم الحالية على الجمهور، ترى هل ما زالت جمالية مؤثرة أم إنها بهتت وفقدت كل ما له علاقة بالتأثير الجمالي؟.

أمام بشاعة هؤلاء، لانستطيع إلا أن نرفع القبعة لـ «ملكة تدمر» الرائعة رغده..