2013/05/29
علاء الدين العالم – تشرين
تكلمنا سابقاً أنه يجب على المسلسلات الكوميدية في الموسم الحالي التفوق على ما كانت قد وصلت إليه أعمال كوميدية من تميز في المواسم الدرامية السابقة منها على سبيل المثال «ضيعة ضايعة، الخربة».
إن نجاح هذه الأعمال وتفوقها على صعيد المضمون والصورة وضع شروطاً عدة كان على أعمال الكوميديا لهذا العام تحقيقها، وهي انطلاق هذه الكوميديا من واقع الحال السوري، ومواكبة هذه الأعمال للتطورات التي حدثت في سورية على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومحاكاتها الشارع السوري في ظل هذه التطورات, هذا من ناحية المضمون الفكري، أما على الصعيد البصري فعلى هذه الأعمال خلق أشكال كاريكاتورية تنطلق من الواقع وتعادل ما قدم في أعمال كوميدية متميزة، ناهيك بأن الرهان الأكبر الذي يتمثل أمام «كوميديا 2012» هو قدرتها على كسر الحواجز الرقابية والإفلات من مقص الرقيب.
أبو جانتي...التفوق على الذات
لكل عمل فني مقياس يقاس عليه هذا العمل، فمن غير المنطقي أن تحكم على عمل ما وتقيّمه من دون أن تلتفت إلى المقياس الذي ستعتمده في تقييم هذا العمل، ولو بحثنا عن وحدة القياس التي علينا اعتمادها لقياس مدى جودة «أبو جانتي2» تأليف حازم سليمان وسامر المصري ومن إخراج عمار رضوان، لتصدى لنا الجزء الأول من «أبو جانتي» تأليف رازي وردة وسامر المصري وإخراج زهير قنوع والذي امتاز بجرعة تهريجية عالية، ناهيك بثغرات النص وخلوه من أي مقولة فكرية, بالقياس مع الجزء الأول استطاع «أبو جانتي 2» التفوق على ذاته من خلال تخفيف جرعة التهريج في العمل إذ اقتصر التهريج على شخصية «عماد، اندريه سكاف» إضافة إلى أن النص حمل القليل من المقولات الفكرية خلاف الجزء الأول الذي خلا منها، ومن هذه المقولات تأكيد «أبو جانتي 2» على ضرورة الحوار بين أبناء البلد الواحد وهذا ما ظهر في مشهد الشابين السوريين اللذين يتعاركان لركوب سيارة «أبو جانتي» ويدخل بينهما «أبو جانتي» ليحل الخلاف بينهما وليؤكد على ضرورة حل الخلاف الداخلي بين أبناء البلد الواحد من خلال الحوار الخالي من العنف... إن مقولات كهذه على الرغم من ندرتها في الجزء الثاني وتقديمها بشكل سطحي لم تظهر في «أبو جانتي 1»، وبذلك يكون «أبو جانتي 2» قد تفوق على ذاته من خلال تجديد أدوات الكوميديا والتقليل من جرعة التهريج في العمل لكن هذا لا ينفي أن «أبو جانتي 2» عجز في الكثير من حلقاته عن مقاربة الواقع السوري ولاسيما انتقال «أبو جانتي» إلى مدينة دبي التي أصبحت الحاضن المكاني لحكاية «أبو جانتي» في جزئه الثاني، إضافة إلى عجز «أبو جانتي 2» عن صنع كاركتر كوميدي جديد عن الجزء الأول، يرفد العمل ويزيد من جرعة الكوميديا فيه.
سيت كاز....... الغلو في التهريج
إن كاركتر شخصية «أبو ليلى» في مسلسل أبو جانتي الجزء الأول التي أداها الفنان أيمن رضا، كان خير مثال على الكركترات التهريجية الكوميدية التي نالت شعبية لا نظير لها.. إن هذا النجاح كان الدافع لإنتاج مسلسل «سيت كاز» تأليف وإخراج زهير قنوع والذي قام على كاركتر شخصية «أبو ليلى»، هذا النجاح المسبق لهذه الشخصية لم يمنح «سيت كاز» نجاحاً مستقلاً حيث كانت ثغرات العمل أكبر من «أبو ليلى»، فعلى صعيد الكوميديا اعتمد صناع العمل على المغالاة في التهريج هذا التهريج الذي وصل حد الابتذال في أداء بعض فناني العمل منهم على سبيل المثال «رواد عليو» التي ظهر أداؤها مبالغاً فيه... أما على صعيد النص فنجد ان «سيت كاز» خلا من أي مقولة فكرية وانطلق من السخرية والمبالغة بها كمعادل للكوميديا... من ناحية الصورة فان المخرج زهير قنوع عجز في «سيت كاز» عن صنع صورة مميزة قادرة على التقاط حساسيات الكوميديا وتبريزها بالكادر التلفزيوني. لهذه الأسباب وغيرها كان «سيت كاز» بمنزلة القاتل لشخصية «أبو ليلى»، هذه الشخصية التي استهلكت لفرط استعمالها بهذا الشكل المبتذل في العمل.
بقعة ضوء......جرأة فات أوانها
لو قارنا «بقعة ضوء9»، إخراج عامر فهد، بآخر أجزاء من هذه السلسلة، ولاسيما «بقعة ضوء 8»، لوجدنا أن صناع العمل تفوقوا على ذاتهم ولاسيما أن مخرج هذين الجزأين هو واحد وهو المخرج عامر فهد، إذ استطاع «بقعة ضوء 9» أن يتلافى الأخطاء والعثرات التي تعثرت بها الأجزاء الأخيرة من السلسلة منها على سبيل المثال لا الحصر، تكرار اللوحات والابتعاد عن الواقع السوري والوقوع في فخ التهريج، وبذلك كان «بقعة ضوء 9» خير مثال على المسلسل الكوميدي الذي انطلق من الواقع السوري وحاكى بلوحاته (ولو بشكل خجول) تطورات الشارع السوري في ظل الأحداث التي عصفت به على جميع الصعد، وتمكن «بقعة ضوء 9» من خلق كاركترات كوميدية قادرة على صنع كوميديا سوداء منها على سبيل المثال «عالم التنفيس، جمال العلي» في لوحة «التنفيس» كتابة حازم سليمان، أيضا تمكن المخرج عامر فهد من تجاوز ما صنعه في «بقعة ضوء 8 » عن طريق شغله في «بقعة ضوء 9» على خلق صورة بصرية قادرة على التعبير عن الأفكار الكوميدية، ومن ذلك فقرة «غداً نرتقي» التي تجمع عاملي مطبعة هما «عابد فهد، محمد حداقي»، ويمرر العمل عن طريق فقرة «غداً نرتقي» الكثير من الحوارات التي تعكس حالة الشارع السوري اليوم، أيضاً تدل فقرة «غدا نرتقي» على تطور عمل المخرج عامر فهد باختياره للمطبعة كمكان للحدث وتشميل الأوراق المطبوعة وآلات الطباعة مع توضيح صوتها في الكادر التلفزيوني, لكن الجدير بالإشارة في «بقعة ضوء9» أنها تميزت بجرأة غير مسبوقة في هذه السلسلة من خلال بعض اللوحات، لكن هذه الجرأة لم تتناسب وواقع الحال السوري، بمعنى أنه لو رأينا جرعة الجرأة التي شاهدناها هذا الموسم في «بقعة ضوء 9» قبل سنتين أو ثلاث من اليوم، ولاسيما قبل صدور أعمال جريئة للغاية مثل «ضيعة ضايعة والخربة» لكان تقييم الجرأة في «بقعة ضوء9» قد اختلف، ولكانت هذه الجرأة قد حققت مفاجأة للمشاهدين بشكل مختلف، الذين استقبلوا هذه الجرأة بشكل عادي ولم يعدوها جرأة في بعض الأحيان, فكانت جرأة «بقعة ضوء 9» جرأة فات أوانها.
نخلص من قراءة هذه الأعمال الكوميدية إلى أن كوميديا 2012، قائمة في معظمها على أعمال سالفة، لكن منها من تجاوز ذاته بشكل خجول مثل «أبو جانتي 2» ومنها من قتل الشخصية التي قام عليها بسبب رداءته مثل «سيت كاز»، ومنها من تفوق على نفسه بامتياز كـ«بقعة ضوء 9»، أما بقية الأعمال الكوميدية مثل «بناتي وحياتي» لفادي غازي و«رومانتيكا» لشادي دويعر ومهند قطيش فهي تحتاج لقراءات أخرى.