2012/07/04
البيان
اتفق عدد من كتاب ومخرجي المسرح على أن جسد المسرح الكوميدي يحتضر، وأن عام 2011 قد يشهد أنفاسه الأخيرة، مشيرين في الوقت إلى الحالة المتردية التي يبدو عليها المسرح الخاص عموما والذي أصبح لا يقدم إلا عددًا محدودًا من المسرحيات، وقد اختلفت آراؤهم حول أسباب ذلك التراجع وعلاجه.. فقد رأى البعض أن عزوف النجوم والمنتجين وكذا انصراف رجال الأعمال عن دعم المسرح وراء تراجع المسرح الخاص، بينما رأى البعض الآخر أن نجوم الكوميديا وراء ذلك بسبب استهلاكهم للضحك والإفيهات المبتذلة ما جعل الجمهور يفضل المقهى على المسرح.. تفاصيل أكثر حول حال المسرح الخاص في 2011 وتوقعات المسرحيين له، تضمها السطور القادمة..
في البداية، يشير الكاتب المسرحي المعروف لينين الرملي أنه كان من أوائل من توقعوا سقوط المسرح الخاص، وبالتحديد منذ عام 1998، لافتا أن هذا المسرح بنهاية 2010 قد حصل على «صفر» ودخل مرحلة الاحتضار دون أي أمل في إنقاذه..
وبسؤاله عن أسباب ذلك الانهيار، أكد أن الأسباب كثيرة لعل أولها قلة المسارح الكبيرة وغلو أسعار استئجارها وكذا عدم وجود فكرة المسارح الصغيرة المتعارف عليها بأمريكا ودول أوروبا التي لا تتعدى المائة مقعد فقط، وكذا لأن المسرح الخاص يلزمه دعاية وخاصة المسرح التلفزيوني وهي عالية التكلفة رغم أنها تعد الوسيلة الوحيدة لجذب الجمهور.
ويتابع الرملي استعراض الأسباب قائلا: إن النجوم انصرفوا إلى التليفزيون والسينما، حيث ينتهي التصوير في أيام محدودة، وأصبح هذا المسرح يعمل عليه ممثلون معروفون، والفرق كبير فلا يزال النجم يجذب الجمهور لدفع تذكرة المسرح التي تعتبر باهظة على ميزانيته.
ضعف النصوص
أما عن النصوص، فيشير الرملي أن النصوص المسرحية أصبحت ضعيفة، ولذا يقوم المنتجون بالتكملة بالديكورات المبهجة التي تمثل عبئاً جديدا على ميزانية العمل وخاصة أن تلك الديكورات والرقصات وكذا الإضاءة تصل تكلفتها إلى ملايين الجنيهات؛ مما يصعب الأمر أكثر على المنتجين، فالكاتب هو عماد المسرح، وما يحدث الآن هو أننا وضعنا العربة أمام الحصان فيأتي النجم أولا ثم يقوم «ترزية النصوص» بوضع مجموعة من النكات المستهلكة والمبتذلة دون نص حقيقي أو ممثل يكون صالحًا للدور، فالنصوص تحولت إلى نكات متصلة يجدها النجم مع استخفاف ظله وتحول الأمر إلى «سبوبة».
وأضاف أنه مع غياب المسرح الخاص غاب أيضاً «المسرح الفكري» الذي كنا نقدمه أنا والفنان محمد صبحي، هذا المسرح الذي يطلق عليه البعض «المسرح السياسي»، ولكنه مسرح فكري يقتحم ويناقش جميع الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وقد خرج من عباءته فنانون ونجوم كبار كالفنانة عبلة كامل ومنى زكي ومصطفى شعبان وفتحي عبدالوهاب.
ويرى لينين الرملي أن الحل هو تكاتف رجال الأعمال مع الدولة من أجل إنصاف ذلك المسرح؛ مثل تجربة «نجيب ساويرس» الذي خصص جائزة لسيناريو المسرح لتشجيع الكتَّاب، مؤكدا ضرورة العمل على جذب الجمهور الذي أصبح يهمل المسرح ويفضل القهوة كمنتدى وتسلية له.
القطاع العام أفضل
ويشير المخرج الكبير حسن عبد السلام، إلى أن مسرح الدولة سد الفراغ الذي تركه المسرح الخاص لدى الجماهير التي عزفت عنه بسبب الهزل والنصوص التي بدون قوام، واتجهت إلى مسرح الدولة الذي يقدم تجربة رائدة من خلال الفنان رياض الخولي -رئيس البيت الفني- وخطة طموحة ذات مضمون تهم الإنسان المصري وتعالج قضاياه، فقد قام الفنان رياض الخولي بعرض 4 مسرحيات على المسرح القومي والمسرح الحديث والمسرح الكوميدي ومسرح الطليعة خلال شهر يناير، والخطة تستهدف الوصول إلى شهر يونيه القادم بتقديم العديد من الأعمال المسرحية التي تناسب جمهور مصر وتثري الحركة المسرحية.
وأضاف أنه يستثني من القطاع الخاص مسرح الفنان عادل إمام والفنان محمد صبحي اللذين يقدمان مسرحا له فكر ومضمون، وكذلك مسرح جلال الشرقاوي المهموم بالمواطن المصري وأعبائه رغم خلافه مع فاروق حسني.
إفيهات جنسية ورقص مبتذل
بينما رأى الكاتب المسرحي أسامة عبد الفتاح، أن المسرح الخاص قد استهلك نفسه بالابتذال والضحك غير المبرر من خلال الإفيهات الجنسية والرقص المبتذل والاعتماد على كوميديا «الترفيه»، وكلها أمور بعيدة تماما عن المسرح الكوميدي الذي يعتمد في الأساس على الفكرة، حتى «النكتة» تكون قائمة على مفاجأة، أما الجمهور فأصبح يتوقع ما سيقدمه النجم، فالمسرح الخاص تحول إلى تابوهات بعينها ونجوم مستهلكة.
وأضاف أن جسد المسرح الخاص مريض يحتاج لاكتشاف الداء والبحث عن أفكار جديدة تعتمد على كوميديا الموقف والالتزام بالنص، وهناك أمثلة ونماذج شابة مختلفة ناجحة مثل عمل قهوة سادة للفنان خالد جلال فهو محاكاة لعمل فني بطريقة ساخرة، ولذا يجب اكتشاف وجوه جديدة والاعتماد على طلبة وخريجي فنون مسرحية، وعمل ورش عمل لهم من أجل إيجاد حلول لإنقاذ المسرح الذي أصبح يعاني من عقم الأفكار.
واستطرد قائلا: إن هناك البعض الذي استطاع أن يخرج من تلك التابوهات كالفنان عادل إمام الذي طور نفسه وأصبح يخاطب الشباب من خلال أفكار جديدة، كما أن مؤلف القطاع الخاص الآن له تركيبة خاصة فبعض منهم يلعب على سوء الفهم والآخر على الإفيهات الجنسية التي اعتاد عليها نجوم الكوميديا.
الضحك على المشاهدين
ويتفق معه الكاتب المسرحي والروائي أبو المعاطي أبو النجا قائلا: إن المسرح الخاص هو مسرح تجاري في المقام الأول يهتم بالربح، ولذا يبحث عن الضحك بأي وسيلة ويتبع الكتَّاب الآن أسلوب «الزغزة» للمشاهدين أو التعليق على حدث يشغل بالهم.
ويرى أبو النجا، أن ما حدث للمسرح الخاص من تدور هو نتيجة طبيعية لتطبيق لسياسات الخصخصة على مجالات الفنون، وهو ما أصاب الموسيقى والسينما وغيرها من المجالات الفنية. ويتفق أبو النجا مع الكاتب لينين الرملي في تكاتف رجال الأعمال وجمعيات التنمية الاجتماعية مع مسرح الدولة؛ لإعادة النهوض بالمسرح الخاص وعمل جوائز تشجيعية لنصوصه الجيدة.
التشويق وتعديل لائحة المسرح
بينما يرى المخرج المسرحي محمد موسى، أن مسرح الدولة يشهد ازدهارًا في الوقت الذي يموت فيه المسرح الخاص لاحتواء الأخير على مفاهيم وعناصر يفتقدها المسرح الذي اعتمد على نموذج «علي الكسار» وإسماعيل يس حتى هبط إلى الدرجة السفلي وأصبح بدون محتوى.
ويطالب موسى بتعديل لائحة المسرح في مجملها والاهتمام بالنهوض بالمسارح وصيانتها وتخصيص ميزانية لها وكذا إعادة الروح للفرق المسرحية من جديد والعمل على تطوير تقنيات خشبة المسرح غير المواكبة للعصر، وكذا تطوير تقنيات الممثل ثم الاهتمام بالتسويق الجيد للأعمال لتحقيق مكاسب مالية.