2013/05/29
آنا عزيز الخضر – الثورة
يعتبر النقاد المسرح فن عابر للزمن بامتياز، فهو فن مركب بطبيعته ، و أكثر مكوناته التي تؤهله لذلك هو النص المسرحي الحي ،حيث مجرياته وأحداثه وعلاقاته قادرة على امتلاك خلودها ،
خلودها الذي لم يأت من فراغ ،فالنص المسرحي هو المكون الأساسي ،الذي يمكنه حمل المقومات المناسبة ،التي تؤهله بدءاً من الحوار إلى الصراع والمقولة والمضمون ،كي يحقق الراهنية والحيوية والحياتية ، والامتلاك لمقدرة المحاكاة والتفاعل،والقرب من مشاكل الناس وهمومهم ،و يحصل هذا ،عندما يناقش ويتعمق ،وينسج عالما دراميا قادرا على التقاط الإبعاد الاجتماعية والسياسية والإنسانية ،مع الإلمام بكل الدقائق القادرة على بلورة المعادل الدرامي لكل ذالك ، ثم تضمينه الدلالات الأكثر عمقا ،وكله في إطار تصوير الواقع ، وهذا النص الوحيد القادر على امتلاك معطيات تخاطب الناس ، لذلك يكون في مقدمة الاختيار والتناول ،كي ينتقل من عرض مسرحي إلى آخر، ليتم تقديمه عبر رؤى إبداعية ،تتمحور جميعها حول ذلك النص ـ الدراما الأدبيةـ الحاملة للمضمون،و الذي يتشارك مع مكونات أخرى، تخوله أكثر فأكثر تقديم الذات الاجتماعية ،بكل تناقضاتها وجروحها وأحلامها المشروعة ،بالرغم من كل شيء ،إلى جانب أن تحمل تلك المكونات ، امكانية التشكيل للجمالية المسرحية المشروطة بالتوظيف لكل العناصر المتجددة ،التي اجتمعت عند ذالك المضمون ،ثم التأثيث لبناء عرض مسرحي ذي سمات مجتمعية و علاقات دالة على الكوامن كما تجلياتها ومظاهرها ،فتناسب كل الأوقات ،ويكون النص بالتالي قبلة المبدعين،من هنا لايخلو مهرجان مسرحي عربي من حضور عروض مسرحية ،تعتمد على نصوص مسرحية لمبدعين سوريين ..مثلا( جثة على الرصيف) نص مسرحي للكاتب و المبدع العربي السوري سعد الله ونوس ،لا يغيب عن المشهد المسرحي على مستوى الوطن العربي،مثله مثل الكثيرين من المبدعين المسرحين السوريين ،مثل الكاتب ممدوح عدوان ) ،( الدكتور ـ رياض عصمت ) وغيرهم ، فأحيانا يتم مسرحة نص جثة على الرصيف ، عبر عرض مسرحي في مهرجان الشباب في مصر،كان آخرها عرضاً من إعداد وإخراج (عبد الله المعادي ) ،و أحيان أخرى في مهرجان الشارقة، كما في مهرجان بغداد للمسرح ، و أخيرا كان ، في مهرجان الشباب في الأردن ، من إعداد و إخراج (محمد الجيزاوي) و قد بقي نصه دوما محورا للعروض الجادة، التي تمس و تهتم بحياة المواطن العربي، تتحدث عن همومه ،وتعري واقعه ، و تدافع لرفع الظلم عن كاهله ،وقد وجد هؤلاء المبدعين ضالتهم فيه ، كونه يتحدث بشكل عام عن الكرامة الإنسانية والصراع الاجتماعي والطبقي ، كما الحرمان والفقر ،حيث التصوير للواقع العربي المر المتردي في غالبية البلدان ،فعندما يموت احد الصديقين ،و تبقى جثته على الرصيف ،يتخوف الشرطي من وجودها، و يطلب من الصديق ،أن يأخذها بعيدا ،تخوفا من صاحب القصر، و أثناء النقاش يأتي من يريد شراء الجثة، هنا تتكشف أشياء كثيرة ،و تتبلور المواجهة بين الطرفين، والاختلاف والفوارق، و تبرز مهمة ذاك النص في التعمق بقضايا الواقع ،و منح الكثير من المبدعين القراءة الخاصة للنص بأشكال مختلفة، ليبرز خلوده و غناه كي يعمل عليه مبدعون كثر مثلما كان ،هذا النص محوراً لإعادته مرات عدة على صالات المسرح السوري ،و عبر أشكال فنية عديدة ،منها كان عبر شكل مسرح (الشارع التفاعلي) الذي ذهب إلى الناس ،و تم تقديمه بهذا الشكل الفني الجديد على الجمهور السوري ،وقد اختار المخرج أسامة حلال وقتها مكان العرض في نفق(فارس الخوري ) للمشاة ،فكان قريبا من الناس ،على الصعد كافة ،وعلى الأخص في حضور الشخصيات ،التي أرادها صناع العمل متماهية مع النماذج المحيطة بها ،في حياتها وهمومها ،دون التخلي عن قدرتها في التصوير لمعاناة، تتجاوز المحلية إلى أماكن أخرى من العالم العربي، ، و منها أيضا ما قدم على مسرح دار الأوبرا،أيضا من إخراج الفنان (أسامة حلال) حيث تم تقديم النص عبر رؤية جديدة مختلفة بعد أكثر من عشر سنوات، عرض يقدم قراءة جديدة لكثير من الأفكار، التي تخللت السطور، ليقدم آفاقا مختلفة ،لذاك النص الحي الذي يمتلك دراما مسرحية وإنسانية ،تتضمن آليات من الصراعات والعلاقات ، التي تفضح عطبها وسلبياتها ،كما أرضيتها العامة وبيئتها،ليقدم العرض بمجمله لوحة إنسانية غنية حول مأساة إنسانية تتعلق بالظرف العام للإنسان في ظل حضور صراعات متنوعة تبدأ من الشارع المحيط به ،وتنتهي بذاته والمصاغة أصلا بتأثير تلك البيئة التي تظلم إنسانها إلى حد يشعر فيها،بالتماهي مابين الموت والحياة،و على قدم المساواة ،إذ تتحرك الجثة بشكل تلقائي ،من دون أن يلتفت إليها احد ،وكان الأمر طبيعيا ،ليتساوى الصديق مع جثة رفيقه في الحضور والتأثير ،لأنه تأتي شخصية من موقع اجتماعي و طبقي آخر ،تحاول الاعتداء على حرمتها وأخذها من دون أن يستطيع الصديق فعل أي شيء،فتتصاعد الأحاسيس وتتعمق أكثر فأكثر بفظاعة العجز الإنساني ،تجاه قضايا محسومة سلفا ،فكيف يكون الحال في قضايا أخرى،حيث تظهر بكل وضوح ،وتستصرخ الوعي للانتباه إلى بشاعة الحالة ككل ،ثم ضرورة الكفر بتلك الشروط مهما كانت ،التي ترسخ لهذه الملامح المقيتة،رغم حضور الكوميديا ،حيث قدم العرض بطريقة ،أكدت غنى نص (جثة على الرصيف) وامتلاكه الفضاء الإنساني كما الدرامي الواسع ،والذي ينطلق لغناه بحرية مطلقة عبر كل الأمكنة والأزمنة،وهذا النص هو واحد من العشرات من النصوص السورية،التي يعتمدها المسرحيون العرب في عروضهم والأمثلة أكثر من أن تعد لمبدعين سوريين .