2012/07/04
سامر محمد اسماعيل - السفير
يحقق برنامج «حكم العدالة» الإذاعي هذه النسبة العالية من الاستماع على مدى سنوات طويلة، عبر أثير إذاعة دمشق. لكن السيئ ألا نراجع أسباب الشعبية التي حققها البرنامج على أسس نقدية بعيدا عن ذائقة الجمهور بمعناها العمومي الاستهلاكي. فليس من المعقول أن نصنف هذا الولع بإعادة تمثيل الجريمة على أنه ضربٌ من الطرافة والحدوتة البريئة، خاصةً عندما تأخذ هذه الحكاية الجنائية معنى درامياً يخاطب الأذن ويجعلها في حالة من الترقب الدائم لحدوث الكارثة، الجريمة التي تُبث مستفيدة من سجلات القضاء السوري لتقديم التطهير الاستباقي الردعي للجريمة، حيث يوجه «حكم العدالة» حلقاته المليئة بالصراخ والعويل والمكائد للنيل من مجرمين افتراضيين، ربما فكروا بالسرقة أو الاعتداء أو السلب!
على كل حال ليست الجريمة هي وحدها ما يدفع هائل اليوسفي لكتابة أسبوعياتها، بل هي الرغبة الواضحة في التأديب السمعي للمتلقي، وجعله مثالاً محتملاً لعين العدالة الساهرة. ولذا علينا أن نصدق جماعة «أبو لمبة» الجالسة في أحد مقاهي أرباب السوابق والعاطلين من العمل، تخطط لسرقة المنزل الفارغ من قاطنيه! حيث يُفاجأ المجرم بعودة أحد سكانه من السفر، لتقع عندها الواقعة بعد صراع بين الجاني والمغدور، فيقتل الحرامي صاحب البيت ويسرق «التلفزيون والفيديو والغسالة الكهربائية وبعض من التحف وقطع الحليّ النسائي»، وبعد ذلك تلقي الشرطة القبض على كامل أفراد العصابة لتنتهي الحكاية بجلسة النطق بالحكم وسماع أقوال الشهود. وقد تتعقد الحبكة الإذاعية أحياناً لنسمع بقصة مختلفة ومن العيار الثقيل. فهذه المرة الحكاية تدور بين شاب عاطل من العمل يغرر بإحدى الصبايا الحسان، وبعد لقاء أو اثنين في كافتيريا للعشاق يقنع الشاب (الذئب البشري) الفتاة (الحمل) بالذهاب معه إلى شقة بيت خالته المسافرة في الخليج، على أنها ستكون بيت الزوجية المنتَظر. وما إن تصبح الحسناء داخل البيت حتى يقوم الشاب باغتصابها، وهنا لدى المستمع احتمالان: فإما أن تحمل البنت وتطالب الشاب الوفاء بوعده والزواج منها. (تنتهي القصة هنا بذبح الفتاة من قبل أبيها أو أخيها الثائر على الشرف المهدور)، أو يقوم المُغتصِب بقتل الفتاة بعد رشة من توابل المخرج «محمد عنقا»، عبر عبارات الاسترحام والرجاء «للضحية»، أو تُحرق جثتها لإخفاء معالم الجريمة والبصمات. كل ذلك يجري على أثير «إذاعة دمشق» التي تتمتع بمكانتها وبتاريخها العريقين، من غير أي مراعاة لذوق المستمع وعقله.
هل من المفروض أن نذعن لكل هذه الجرائم فقط، لأن «الأستاذ» اليوسفي يريد أن يلعب على أعصابنا؟ وأن يستثمر سجلات قضاياه في صيغة إذاعية بائسة لا تقدم سوى المزيد من السيناريوهات المكررة لجرائم تتعاقب على أثير «هنا دمشق» طيلة هذه السنين؟
المشكلة الأساسية ليست في برنامج إذاعي اختار النكهة البوليسية لشد مستمعيه، بل في تجديد شباب هذا البرنامج ونقله إلى الدراما السورية عبر أعمال عدة كان أبرزها «وجه العدالة» و«حكم العدالة»، ومؤخراً مسلسل «كشف الأقنعة» ليثابر كتّاب ومخرجون أفذاذ في صياغة «شطحات» جنائية تقدم نسخاً بصرية من جرائم شرف واغتصاب وسلب وسرقة وسِفاح القربى، خرجت جميعها من رحم «حكم العدالة» الإذاعي.