2012/07/04
بالنسبة للكثيرين ما زال مفهوم «فيلم سينما» أقرب إلى تصوّر «سهرة تلفزيونية».
هرّبنا أشرطة الفيلم إلى بيروت.
تعامل مندوب النقابة، معنا، بطريقة غير مهذبة.
مؤسسة السينما رفضت عرض الفيلم مع انه أعجب مديرها.
لم أتوقع أن يفوز الفيلم بهذا الكم من الجوائز والتنويهات.
بصراحة ما زلنا في سورية بعيدين عن أجواء السينما كصناعة.
أنا أعترف بوجود بعض المشاكل في نص "1/2 ملغ نيكوتين".
فقط في سورية تجد الإعلان تهمة.
في سورية لا يوجد أية جهة أو شخصية اعتبارية أو حتى مشبوهة يمكن أن تقدّم نصّك المهم أو التافه لها.
خاص بوسطة - علي وجيه
فجأة سمع الجميع بفوز فيلم سوري من إنتاج القطاع الخاص يحمل اسم "1/2 ملغ نيكوتين" بثلاث جوائز في مهرجان باري السينمائي في إيطاليا العام الفائت، ليتذكروا أنّ عليهم الاحتفال به الآن، رغم أن البعض كان قد رفضه قبل أكثر من عامين لأسباب غير معلومة، ومرّ الفيلم بجملة طويلة من المشاكل أثناء إنجازه.
هكذا عُرض الفيلم في سينما الشام، وتتالت مشاركاته في المهرجانات والملتقيات الدولية، بسعي من مؤلفه ومخرجه الشاب محمد عبد العزيز، الذي قدّم في الفيلم جرعة عالية من الغنى البصري والنيكوتين السينمائي.
محمد عبد العزيز يتحدث عن الهمّ الشخصي والعام في حوار شامل مع «بوسطة».
نبدأ بفيلم "1/2 ملغ نيكوتين" الذي فاز بـ 3 جوائز في مهرجان باري بإيطاليا، وعُرض مؤخراً في سينما الشام (عرض خاص) ومهرجان دبي السينمائي، حدّثنا عن هذا المشروع منذ بدء الكتابة وصولاً إلى الإنتاج والعرض؟
بدأتُ بكتابة الفيلم في بدايات عام 2000 تقريباً انطلاقاً من صورة في ذهني رافقتني لوقت طويل؛ عجوز محاطة بالتفاح في أرض ديار بيت عربي. أنهيت النص وأعدتُ صياغته في 2005، وبدأنا التصوير في نهاية 2006.
شركة الشرق للإنتاج والتوزيع الفني (أفلام نبيل طعمة) كان لديها مشروع لإنتاج أفلام سورية، وهي مشكورة على شجاعتها وتصدّيها لإنتاج فيلم ذي طبيعة فكرية وثقافية، تعلم سلفاً أنّ ليس من ورائه عائد مادي مجز. والحق يُقال إنها لم تتدخل في عملي كمخرج أو في اختيار الممثلين كما يحصل عادةً، ما وفّر لي مناخاً من الحرية لأنجز الفيلم وفق رؤيتي. لم تكن عندي معرفة مسبقة بصاحب الشركة د. نبيل طعمة أو مديرها المخرج عماد سيف الدين الذي وقف إلى جانبي كثيراً، وتمّ اختيار النص لإنتاجه من قبل لجنة برئاسة المخرج محمد ملص.
طبعاً، ظهرت عدّة مشاكل منها عدم وجود تقاليد سينمائية مهنية، فبالنسبة للكثيرين ما زال مفهوم «فيلم سينما» أقرب إلى تصوّر «سهرة تلفزيونية»، ما أدّى إلى بعض الصعوبات في (اللوكيشن). كما انحصر عدد أيام التصوير بـ 17 يوماً، منها 4 أيام أوقفتنا فيها نقابة الفنانين بعد تصوير مشهد أو اثنين، وبالتالي لم تتجاوز فترة التصوير 15 يوماً، وقبلها شهر واحد من التحضيرات. لن أصف الظروف التي عملنا فيها بالصعبة، ولكن يمكن القول إنها لم تكن مثالية أبداً.
انتهى التصوير ليقع الفيلم في مشكلة المونتاج بسبب وجود جهازين HD فقط لدى القطاع الخاص، ولا أدري كيف تواصلت الجهات مع بعضها بعد إنجاز أول 10 دقائق، ليأتي الرفض بمنحنا الأجهزة لاستكمال المونتاج، وبالتالي لم يعد هناك مكان لمنتجة الفيلم في سورية. هنا اتصلت بجورج كولجا في لبنان الذي فتح لي بيته وشركته دون مساومة، فهرّبنا الأشرطة إلى بيروت، ومنتجنا العمل خلال وقت قياسي هو 20 يوماً حتى لا نكون ضيوفاً ثقلاء على الرجل، مع أن فيلماً روائياً طويلاً كهذا (97 دقيقة) يحتاج لـ 40 يوماً ليخرج بالمستوى المطلوب. هكذا حوصرنا بمدة المونتاج كما حصل أثناء التصوير.
لماذا أوقفتكم نقابة الفنانين عن التصوير أكثر من مرة؟
هذه كانت أكبر مشكلة واجهت الفيلم بحجّة الأشخاص غير المسجلين بالنقابة، خاصةً في اليوم الذي جاء فيه مندوب النقابة إلى (اللوكيشن) بصحبة الشرطة المسلحة لإيقاف التصوير، وتعاملوا معنا بطريقة غير مهذبة، فكان يمكن أن يطلبوا منا مراجعة النقابة في نهاية اليوم بدلاً من الأسلوب غير الحضاري الذي انتهى مع رحيل النقيب السابق.
اختيارك للتصوير بكاميرا HD كان لأسباب إنتاجية كونها أقل تكلفة، وليس من باب التجريب..
هذا صحيح، فأي مخرج يتمنى التصوير بالكاميرا السينمائية 35 ملم، ولكن يبقى الـ HD خياراً لا بأس به، ويمكن أن يحاكي السينما نوعاً ما إذا ما استخدم بشكل صحيح، وتمت معالجة الألوان وتصحيحها بأسلوب مناسب.
بقي الشريط حبيس العلب أكثر من عامين بعد إتمامه، لماذا؟
الشركة كانت متحمسة كثيراً للفيلم بعد إتمامه، وقدّمته وقتها إلى المؤسسة العامة للسينما للمشاركة بمهرجان دمشق السينمائي، ليأتي الرد برفض الفيلم دون إبداء الأسباب كتابياً. فقط ذُكِرت الأسباب شفهياً ولن أخوض فيها الآن. الغريب في الأمر أنّ مدير المؤسسة محمد الأحمد أحبّ العمل كثيراً، وقد جلست معه وكان مرحّباً للغاية، وقام بتحويل الفيلم للجنة المشاهدة التي رفضته لأسباب معينة خاصة بها ربما نذكرها لاحقاً.
هنا أحبِطَت الشركة صراحةً، وظنّت أن هناك مشكلة في الفيلم نفسه منعته من المشاركة في مهرجان بلده، حتى أنّ مشروعها السينمائي توقف لاحقاً، فهي شركة إنتاج تلفزيوني أصلاً. بقي الفيلم نائماً حتى شارك في مهرجان باري السينمائي في إيطاليا، ونال فيه ثلاث جوائز هي أفضل فيلم متكامل وأفضل ملابس وأفضل ديكور، بالإضافة إلى تنويه من لجنة التحكيم بالنص والتصوير. وهو الأمر الذي فاجأني صراحةً، فلم أتوقع أن يفوز الفيلم بهذا الكم من الجوائز والتنويهات نظراً لقوة الأفلام المشاركة في المهرجان، فمعظمها مصوّر بكاميرا سينمائية، وينتمي لدول عريقة بصناعة الأفلام، حتى أنّ بعضها كان مرشحاً للأوسكار، ولكن يبدو أنهم أحبّوا الفيلم السوري فمنحوه هذه الجوائز. يمكن القول بعدها إنّ الفيلم عاش من جديد، فتتالت العروض والمشاركات.
أين عُرض الفيلم بعد مهرجان باري؟ وأين سيعرض مستقبلاً؟
بعد مهرجان باري جاء العرض الخاص في سينما الشام، ثم في مهرجان دبي السينمائي ضمن تظاهرة (الليالي العربية)، ثم ذهب إلى (ملتقى الثلاثاء الثقافي) في الكويت، وهو ملتقى هام جداً.
في نيسان القادم سيُعرَض في مهرجان جنيف بسويسرا، ثم في مهرجان «ليل» للسينما المستقلة بفرنسا، بعدها ينتقل لمهرجان سينما القارات الثلاث في ميلانو بإيطاليا، قبل أن يذهب إلى مهرجان الفيلم العربي في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية. هذه المشاركات المؤكّدة حتى الآن.
على ذكر المهرجانات، تؤكّد دائماً أن عروض المهرجانات أهم من العروض الجماهيرية، في الوقت الذي نسمع فيه الكثير من المطالبات بسينما جماهيرية أكثر بساطة وشعبية..
جمهور المهرجانات أفضل من جمهور الصالة العادية بالتأكيد، كما أن معظم المهرجانات يحضرها المهتمون بشراء وتسويق وإنتاج العمل السينمائي، وبالتالي يحظى الفيلم بفرص أفضل للانتشار، لأن شركات التوزيع تكون حاضرة وجاهزة. حتى من الناحية المادية، يمكن أن توفر المهرجانات عائداً أفضل من العرض الجماهيري إذا كان الفيلم جيداً، سواءً من جهة قيم الجوائز أو من جهة التعاقد مع شركات التوزيع.
ولكن أليس من المطلوب أيضاً التوجه للجمهور العادي، خصوصاً في بلد مفتقر للسينما الجماهيرية مثل سورية؟
أي مخرج يتمنى أن يُشاهَد فيلمه على المستوى الجماهيري. ولكن بصراحة ما زلنا في سورية بعيدين عن أجواء السينما كصناعة، فيمكن أن تكون الصالة (كومبليه) أول خمسة عروض مثلاً، ثم يقتصر عدد الحضور على عشرة أشخاص في الحفلة الواحدة، وبالتالي من الصعب أن يُخاطَر بفيلم من هذا النوع جماهيرياً، لأنه أصلاً لا يحتوي على عناصر أو (توابل) شبّاك التذاكر.
بعد إنجاز «1/2 ملغ نيكويتن»، شاركتَ بفيلم قصير بعنوان "ظلال النساء المنسيات" في إطار منح دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008، حدّثنا عن ظروف هذا العمل ومصيره الآن؟
الفيلم أنتجته أمانة العاصمة وعُرضَ مع غيره من أفلام المنح. وحسب بنود العقد أصبح الفيلم ملكي، فالمخرج هو الشخص الوحيد الذي لا يتقاضى أجراً على الفيلم، مقابل الحصول على كامل حقوق الملكية بعد عرضه. قريباً سيشارك الفيلم في سبعة مهرجانات حول العالم، أتمنى أن يكون منافساً جيداً فيها.
نلاحظ في أفلامك غنى لونياً واضحاً وتنوعاً كبيراً في العناصر والدلالات البصرية مثل أوراق الشجر، أحذية، ثمار طبيعية... هل هي لغة سينمائية معينة تحاول تمييز نفسك بها؟
هي إكسسوارت من ضمن عناصر ولغة العمل، لها علاقة برموز الحالة الدرامية وأبعاد الشخصيات، فهي ليست لجمالية الصورة فقط. بائع الأحذية الصغير في "1/2 ملغ نيكوتين" لا تتعدى أحلامه تلميع كل أحذية العالم، وبالتالي كان المشهد الذي رأيناه فيه محاطاً بعدد كبير من الأحذية طبيعياً. الأمر نفسه قد ينسحب على الخضرجي مثلاً أو أية شخصية أخرى.
ولكنك تحب الترتيب كثيراً، فكل شيء في المشهد لديك مصفوف بعناية فائقة كأنك رسمته بالمسطرة الهندسية..
هذا له علاقة بعدة أمور منها شخصيتي، فكثيراً ما كنت أستيقظ ليلاً لأعدل رزمة (ديفيديات) موضوعة فوق بعضها على الطاولة. ومنها حبّي للرسم وموضوع الكتل والفراغات وتوزيعها. بالنهاية هي لغة أو أبجدية أقدّمها بأسلوبي الخاص، ولكنّها ليست قاعدة.
كثيرون تمنّوا عليك الخروج عن سينما المؤلف بعدما وجدوا في نص "1/2 ملغ نيكوتين" بعض المشاكل..
أنا أعترف بوجود بعض المشاكل في نص "1/2 ملغ نيكوتين"، فهو أول تجاربي في كتابة الأفلام ولا يخلو من بعض الهنات. ولكن من ناحية أخرى، هل يمكن أن تسمّي لي كاتباً متخصصاً بالعمل السينمائي في سورية؟ لدينا كتّاب نصوص تلفزيونية موهوبين، ويمكن أن يبدعوا نصوصاً جميلة للسينما، ولكن هل تجد بينهم أحد مستعد للتخلي عن نص تلفزيوني بالملايين مقابل التفرغ لفيلم سينمائي لن يدر عليه نفس المردود؟ هذا سؤال مشروع مقابل سؤالك عن سينما المؤلف.
مع احترامي للجيل القديم، فقد فشل في صنع فيلم سوري حقيقي أو تأسيس صناعة سينما في سورية، بدليل الوضع الذي نعيشه الآن.
تحدّث البعض عن النزعة (الكليباتية) في أفلامك كونك تخرج (كليبات) أيضاً، كيف ترى هذه الانتقادات؟
هذا الأمر لا يتداول إلا في الصحافة السورية للأسف. (الفيديو كليب) فن مستقل له آلياته وأساليبه، استفدت منه تقنياً فقط، لأنني أثناء عملي في (الكليبات) استخدمت أحدث التقنيات في التصوير والعمليات الفنية. ما عدا ذلك فالسينما و(الكليب) أمران منفصلان تماماً.
أهم المخرجين السينمائيين في العالم عملوا في (الكليبات) والإعلانات. فيلليني أخرج إعلانات معكرونة في عز مجده السينمائي. سكورسيزي وإمير كوستاريتسا ودافيد فينشر مخرج فيلم Fight Club، كلهم أخرجوا (كليبات) واستفادوا من التقنيات الحديثة فيها. فقط في سورية تجدها تهمة، لأن الصورة لدينا ما زالت ضعيفة في السينما والتلفزيون، فهي أقوى في الشعر والفن التشكيلي. اقرأ قصائد الماغوط وتأمل لوحات فاتح المدرس، ستجد فيها غنى بصرياً لا مثيل له في كثير من الأفلام السورية.
مشكلة أي فيلم سوري جديد أنه يُعامل كالمهدي المنتظر، فالكل يريده مثالياً ومستوفياً لكل عيوب ومشاكل السينما في سورية.
لديك نص بعنوان "الكائنات التي أحرقت الجنة" تدور أحداثه في منطقة بكر هي الشمال السوري، هل يمكن أن تحدّثنا عن هذا المشروع؟
هو نص تدور أحداثه بالكامل في المثلث الحدودي بين سورية والعراق وتركيا، وهي منطقة بكر فعلاً وفيها مناخات سينمائية مغرية جداً على الرغم من صغر مساحتها، فهي نموذج للتنوع الثقافي الذي يميّز الهوية السورية. ستظهر كل عناصر المنطقة في الفيلم، من خلال حدوتة تبدأ أحداثها عام 1990 الذي شهد توجيه ضربة قاسية للمنطقة وللسينما مع بداية انتشار الفضائيات التلفزيونية. سنرى ثنائية السينما والتلفزيون بشكل واضح ولكن غير مباشر بالتأكيد.
هل يمكن أن تخاطر شركات الإنتاج بتبنّي نص كهذا يتحدث عن منطقة لم يتطرق لها أحد من قبل؟ بمعنى آخر، كيف ستؤمّن تمويلاً للفيلم؟
هناك حديث مع جهات عربية وصناديق لدعم السينما من أجل هذا المشروع. لم يتأكد شيء حتى الآن، فما زلنا في طور النقاش. المشكلة في سورية أنه لا يوجد أية جهة أو شخصية اعتبارية أو حتى مشبوهة يمكن أن
تقدّم نصّك المهم أو التافه لها. هذا غريب حقاً.
على ذكر جهات الإنتاج، هناك مطالبات الآن بإحداث صندوق وطني لدعم السينما للمساهمة في تمويل الأفلام، هل أنت مع هذه الفكرة؟
هذا يمكن أن يكون جزءاً من الحل، شريطة أن يستوعب هذا الصندوق كل الأجيال والتيارات السينمائية من دون أي خلفيات أو أبعاد، وإلا ستكون خطوة في الهواء لا طائل منها. يمكن للدولة أن تحدث هذا الصندوق كتكفير عن ذنبها بقتل وتهميش السينما عن غير قصد سابقاً، والحكومة محترفة بابتكار الضرائب وفرضها، فإذا ما أضافت 10 قروش إلى فاتورة الكهرباء أو 10 قروش ضريبة على الدخان، سيكون الصندوق منتعشاً وقادراً على تأدية المطلوب منه.
أنا أرى أن شركات القطاع الخاص هي الحل، ويمكن للدولة أن تمنح هذه الشركات قروضاً ميسّرة بدون فوائد لعمل الأفلام، على أن تسدد الشركات من أرباحها، وبالتالي نتفادى الحلول الرسمية التي يمكن أن تثير التساؤلات والشكوك.
البعض يطالب بإلغاء المؤسسة العامة للسينما نهائياً أو إعادة هيكلتها على الأقل، كيف ترى المؤسسة واقتراحات إصلاحها أو إلغائها؟
لا يمكن إنكار إنجازات المؤسسة العامة للسينما وما فعلته من أجل السينما السورية وتقديم الثقافة السورية للعالم، ولا أظنّ أن مشكلتها في الإدارة كما يسوّق البعض في الصحافة مؤخراً، وأنا واثق أن الواقع سيكون مختلفاً لو أنّ محمد الأحمد كان مديراً لشركة ذات ميزانية منطقية ومناسبة للعمل السينمائي، ففي النهاية ميزانية المؤسسة لا تتجاوز ميزانية مشهد واحد في فيلم عالمي. أعتقد أنّ على القائمين في المؤسسة إعادة حساباتهم وطريقة تفكيرهم بحيث يكون عندهم مشروع واضح فعلاً، وأن يراهنوا على الشباب، لأنه يوماً ما سيُحاسَبون تاريخياً على ما فعلوه بالسينما السورية كونهم الجهة الوحيدة في البلاد حالياً، والمؤسسة تبقى بيتنا في النهاية رغم كل شيء.
لننظر مثلاً إلى تجربة جريدة "شرفات الشام" الصادرة عن وزارة الثقافة. هي من أنجح التجارب الحكومية لأن القائمين عليها لديهم همّ ثقافي فعلاً، والكادر من الشباب الموهوب صاحب النَفَس المختلف، فما المانع أن نأخذ هذه التجربة كنموذج للعمل الحكومي؟
علينا أن نستغل النقاط الإيجابية التي تصبّ في صالحنا، فما زال هناك وقت لاستدراك التقصير، وما زالت صناعة الفيلم السينمائي في سورية رخيصة للغاية بالمقارنة مع دول العالم.
في نفس السنة التي عُرض فيها «1/2 ملغ نيكوتين» رأينا بعض التجارب الأخرى من إنتاج القطاع الخاص مثل إنتاجات الأستاذ هيثم حقي (شركة ريل فيلمز) لصالح قناة أوربت، والشراكة بين المؤسسة العامة للسينما وشركة (سوريا الدولية) في فيلم "مرة أخرى" لجود سعيد، هل يمكن أن نتفاءل ببوادر ما لعودة سينما القطاع الخاص إلى سورية ولو بشكل محدود؟
لا أظنّ ذلك للأسف. حتى الآن لا يوجد ما يبشّر حتى ببدايات أو بوادر، فأفلام الأستاذ هيثم مصنّعة لصالح القناة حصراً ولها معايير معينة، وبالتالي ليست هي التجربة القادرة على تحريض الإنتاج الخاص في سورية مع اعترافنا بأهميتها، لأن هامش الربح والخسارة في السينما ما زال مجهولاً بالنسبة للمنتج السوري على عكس الدراما، وبالتالي نحن بحاجة إلى تجارب ناجحة جماهيرياً ومالياً حتى يُصاب الآخرون بالعدوى كما حصل في الدراما.
بالنسبة لشركة (سورية الدولية) المشكورة طبعاً على هذه الخطوة، ما زال نشاطها السينمائي مجهولاً لنا حقيقةً، فلم تعلن الشركة عن مشروع ما، ولم تبيّن إذا ما كانت ستكتفي بفيلم "مرة أخرى"، ولم نسمع عن مخرجين تقدّموا بمشاريع معينة للشركة. بالتالي ليست لدينا معطيات كافية للوصول إلى نتائج بهذا الشأن. وعلى العموم، لا تستطيع (سورية الدولية) بمفردها أن تفعل كل شيء، مع إقرارنا بإمكاناتها وقدرتها على فعل الكثير من أجل السينما في سورية.
ختاماً، هل هناك أي مشروع تحضّر له حالياً؟
هناك مشروع جديد مع شركة (الشرق) في 2010 يحمل عنواناً مبدئياً "الملائكة خلف الباب السابع" من تأليفي، قد نبدأ به مع نهاية الربيع ولكنه ما زال في طور الكلام. وهناك أفكار ومشاريع أخرى نتكلم عنها عندما يحصل اتفاق بشأنها.
كلمة أخيرة لموقع «بوسطة»..
أتمنى أن تستمروا في تسليط الضوء على السينمائيين السوريين، وأن تعوّلوا عليهم. شكراً لكم.