2013/05/29

المخرج سمير حسين :ضُخت رؤوس أموال في صناعة الدراما السورية لغايات سيئة ... «حائرات» يواكب مجريات الأحداث التي نعيشها حالياً
المخرج سمير حسين :ضُخت رؤوس أموال في صناعة الدراما السورية لغايات سيئة ... «حائرات» يواكب مجريات الأحداث التي نعيشها حالياً


فؤاد مسعد – الثورة

بعد مجموعة من الأعمال الهامة يكمل المخرج سمير حسين مشروعه في محاكاة الوجع الإنساني وملامسة قضايا الناس بصدق ورقي من خلال تصديه لإخراج مسلسل اجتماعي جديد يعتبر باكورة إنتاجات المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي يحمل عنوان (حائرات) تأليف أسامة كوكش ،

يتناول فيه حياة الإنسان السوري العادي الذي يعيش الأزمة حالياً بكل تجلياتها ومفرزاتها ، فيرصد تداعياتها وانعكاسها عليه من خلال مجموعة من الخطوط الدرامية الشائقة التي تدور حول مجموعة نساء من أعمار مختلفة وأوضاع اجتماعية متنوعة .. فما هي الخطوط الرئيسية للعمل ؟ وما الصعوبات التي واجهها أثناء التحضيرات ؟ وما أوجاع الدراما السورية برأيه ؟.. للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها كان لنا هذا اللقاء مع المخرج سمير حسين :‏‏

هل واجهت صعوبة في اختيار الممثلين ؟‏‏

واجهنا عدة صعوبات في اختيار الممثلين لأسباب مرتبطة بالأحداث الحالية ، فهناك عدد من الفنانين سافروا خارج البلد أو عادوا إلى محافظاتهم ، وباتت الاختيارات محصورة ومحددة إلى حد ما بالأسماء المتوفرة ، لكني أرى أنه ضمن المعطيات التي تمر بها البلد هي مسألة إيجابية أن هناك أشخاصاً مازالوا موجودين ويعملون بالظروف التي نعمل فيها كلنا .‏‏

هناك أعمال تحاول التقاط اسم نجم لتضيفه إلى قائمتها بينما في عملك هناك العديد من النجوم ، فما الذي يضيفه وجودهم ؟ أهو للتسويق أم لحضورهم وأدائهم .. ؟‏‏

كمخرج أنا خارج إطار ما يسمى التسويق والتوزيع الذي كان يعاني أصلاً من صعوبات كبيرة حتى قبل الأزمة عندما كانت الأمور مستقرة ، فما بالك بالظروف الراهنة ؟.. ورغم اعتقادي أن التسويق سيكون شبه مستحيل إلا أن هناك حاجة ملحة لدى معظم المحطات العربية لوجود أعمال سورية لتميزها ومتابعة شريحة هائلة من الجمهور العربي لها .‏‏

عموماً مما لا شك فيه أن هناك عدداً من الفنانين لهم حضور عند الناس ما يساهم بجذب المشاهد ، ولكن ينبغي الأخذ بعين الاعتبار المزاج والحالة النفسية المتوفرة عند الناس لمتابعة عمل درامي . وفيما يتعلق بي كمخرج فاستدعاء الاسماء المتوفرة من الفنانين له علاقة بالارتقاء بالنص ، فعادة الفنان المجتهد والموهوب يضيف للمادة حاله حال المخرج عندما يكون ذا ثقافة عالية وموهوبا فهو يضيف أيضاً للنص ، فالممثل عامل أساسي في نجاح أو فشل أي عمل .‏‏

ألا يمنح غياب عدد من النجوم الفرصة لوجوه أخرى قد تبرز على الساحة يمكنها أن تحقق نجوميتها وفرادتها ؟..‏‏

ربما سيكون هذا الكلام صحيحاً عندما يكون البلد الذي تصنع فيه المنتج فنياً في حالة استقرار ، والأهم هو مزاج الناس والوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي يعيشون فيه ، وأرى أن قلة الأعمال وندرة التوزيع والظروف المهيئة لعرض العمل واستقباله عند الناس (أي احتمال قلة متابعتها) ربما يحجب ضوء الظهور عن أسماء هامة كان يمكن أن تحتل مكانة كبيرة في الدراما السورية .‏‏

كلامك فيه الكثير من التشاؤم وتتحدث عن مستقبل افتراضي .. فرغم التراجع الكمي للأعمال إلا أن هناك العديد من المسلسلات التي انطلق تصويرها ومازال الوقت مبكراً للحديث عن عدد قليل أو كبير للأعمال !؟‏‏

الدراما التلفزيونية التي كانت تشهد انحساراً لم يتم حمايتها ، وإن كانت هناك محاولات ولكنها أتت خجولة ولم تكن مفصلية حاسمة . فما بالك في هذا الظرف وقد تم الاعلان عبر العديد من المحطات عن استبعاد المسلسل السوري !.‏‏

خلال السنتين الماضيتين هناك أعمال تاريخية أنتجت وصنعت في سورية بتمويل محطات عربية (وإلى حد كبير بأجندات سياسية) فرؤوس الأموال التي كانت تضخ في صناعة العمل السوري لغايات ونيات سيئة كانت موجودة منذ سنوات طويلة وتم التنبيه والحديث عنها كثيراً ولم يتم فعل أي شيء اتجاهها ، وللأسف لم يكن هناك نية جدية نحو حماية المنتج الفني السوري ، وبقيت رؤوس الأموال هذه توجه عدداً من كتابنا ومخرجينا نحو صناعة وقولبة أعمال محددة تحمل من السم الشيء المرعب ، كما شكلت أعمال البيئة عودة بمئات الخطوات إلى الوراء فيما يتعلق بتركيبة مجتمعنا وجلبها لما هو ظلامي وابتعادها عن أي حالة تنويرية تحت مسمى (البيئة الشامية) التي كانت تحمل حكايات مسطحة ساذجة تكرس العزلة والتفرقة والانغلاق ، وأيضاً هناك أعمال اجتماعية فيها من الاستخفاف والابتذال والتفاهة الشيء الكثير و تقدم صورة المرأة السورية بطريقة غير محترمة وهي إنتاج وصناعة جهات ومحطات عربية .‏‏

وإن أخذنا ما فعلته إيران كمثال لحماية صناعتها السينمائية نجد أن الدولة وضعت أموالاً هائلة لأن السينما تحمل ثقافة مجتمعهم ، وبالتالي أرى أنه كان يمكن حماية المسلسل والمنتج الوطني بمبلغ ضئيل ومنع الأموال الخارجية من تفسيخ مجتمعنا عبر أعمالنا ، فكان يمكن أن يتم تعويض المنتجين بمبالغ وإن كانت قليلة لكن يمكنها حمايتهم . فالمحطات السورية الموجودة الخاصة والعامة في مجموعها لا تعيد للجهة المنتجة قيمة 10% مما تدفعه وبالتالي هذه الجهات مضطرة لأن تلهث وتستجدي أصحاب المحطات الأخرى وترضخ لمتطلباتهم وهذا ما ساهم إلى حد ما بالوصول إلى هذه الحالة . رغم أن الدراما السورية كانت تكتسح العالم العربي ولسنوات ، فلماذا لم يتم توظيفها او استغلالها ودعمها بشكل حقيقي ؟..‏‏

كيف تم انتقاء أماكن تصوير المسلسل ؟‏‏

مقومات صناعة المادة التي أخرجها تتناسب إلى حد كبير مع الظرف الذي نعيشه ، فمعظم مشاهد العمل في بيوت داخلية والجزء الموجود خارجي موجود ضمن مدينة دمشق ، وبالتالي نحن قادرون أن نصنع أعمالاً ضمن هذا الظرف وبما يتناسب مع المعطيات القائمة .‏‏

بأي عين تنظر لتعاملك مع المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي ؟‏‏

هناك شجاعة من المؤسسة في الاستمرار في العمل بهذه الظروف ، وبأنها ضمن هذه المعطيات قادرة على تقديم عدة أعمال وأن تحافظ على الدراما السورية وعلى سوية العمل السوري من حيث المضمون والقيمة الفنية .‏‏

هناك مُعطى إيجابي في التعامل بالشرط الإنتاجي فمازالت المؤسسة تعمل ضمن الشروط التي كنا نعمل فيها من قبل وهذا بحد ذاته انجاز كبير ، وأرى أنه ينبغي التعاون مع أي جهة تريد تقديم عمل نظيف حتى وإن كان بالشرط المالي الذي كان قائماً قبل سنتين ، كما أن الشروط الموجودة في المؤسسة مريحة جداً ومهنية للغاية .‏‏

إلى أي مدى ظهرت تداعيات الأزمة الحالية ضمن أحداث العمل ؟‏‏

بعد قراءة نص العمل اجتمعت مع الكاتب أسامة كوكش ومديرة مؤسسة الإنتاج السيدة ديانا جبور وقلت إن النص يقدم دراما تعود لعام 2010 وليس لعام 2013 ، بمعنى أن الشخصيات تعيش وتتحرك وكأن شيئاً لم يكن ، واقترحت أن يواكب المسلسل مجريات الأحداث التي نعيشها ، فيكون الحامل السياسي والاجتماعي لما يحدث في البلد حاضراً . وبالفعل عملت مع الكاتب لمدة شهرين ونصف في تعديل النص وإعادة صياغة العمل .‏‏

وعندما تم تقديم النص بالمقترح الجديد لم يكن هناك تقييدات ، خاصة أنه بعيد عن التكتلات السياسية والتحزب والفئوي ، ومن خلاله نقدم حكاية ضمن بيئة ومجتمع تعصف به أزمة حادة . وكانت مهمتي كفنان يقدم عملاً اجتماعياً وليس سياسياً أن تكون الظروف المحيطة حاضرة بقوة ، بمعنى أن تنعكس مفرزات الأزمة وتأثيراتها على تحرك الشخصيات , فعلى سبيل المثال هناك ، أزمة السير والخبز والغاز ، الكهرباء المقطوعة ، الموظفون الذين يتأخرون عن عملهم أو لا يأتون لدواعي لها علاقة بالظرف ، وهناك سائق على الطريق يستشهد بطلقة طائشة لم يُعرف من أين أتت ، التهجير من منطقة إلى أخرى كما أن أحد الشخصيات يُخطف مقابل فدية .‏‏

هناك من يبتعد عن تناول الأزمة الحالية في عمل درامي لأن الحدث لم ينضج بعد !؟..‏‏

لم ينضج سياسياً ، ولكننا لا نقدم وجهة نظر سياسية وإنما اجتماعية فعملي سيكون من تجليات الأزمة دون مواقف سياسية . وسنتابع في تقديم نتاجنا بكل موضوعية وصدق وطهارة دون ان نسيء لأحد ، فنحن موجودون هنا ولم نغادر لأننا نحب هذا البلد ، وأعتقد أن سورية ستعود كما كانت وأفضل .‏‏

ما سبب توقف تصوير مسلسلك المصري (أرواح منسية) ؟‏‏

كان لدي فرصة تقديم عمل في سورية خلال عام 2012 لكن لم يكتمل إلى شكله النهائي ، في الوقت الذي أتاني فيه نص إنساني بامتياز كتبه الروائي السوري نبيل ملحم وهو أقرب للتركيبة المصرية ، وهناك جهة إنتاجية في مصر ستنتجه وانطلقنا فيه بالشهر الخامس (2012) وصورت ثلثيه تقريباً وبقي الثلث ، ولكن بسبب ظروف اقتصادية لها علاقة بالشركة المنتجة ، والظروف المحيطة في مصر وظرفي أنا حيث استشهد لي أخان شابان هما جهاد وأمير ، إضافة لظروف صحية مررت بها نتيجة الخراب الذي يحدث ، ذلك كله أدى لتأجيل العمل ، وبما أن المشاهد التي صورتها كانت في الصيف فتأجل ما تبقى من العمل إلى الشهر الثالث مع بدايات الربيع ، وعندها أكون قد أنتهيت من مسلسل (حائرات) .‏‏