2012/07/04
خلدون عليا - تشرين
يعد واحدا ً من ألمع المخرجين السوريين .. له طريقته الخاصة التي يتمتع بها بإخراج أعماله، وبالوقت نفسه هو المخرج الأول في التصدي لدراما القضية كيف لا وهو صاحب «رسائل الحب والحرب» و«عائد إلى حيفا» و«الغالبون» وغيرها..
له قدرة كبيرة على المزج بين الإحساس بالألم والإحساس بالحب و بالوقت نفسه تقديم المأساة في إطار إنساني فريد... المخرج باسل الخطيب الذي يقضي وقته حاليا ً في استطلاع أماكن التصوير لفيلمه الجديد «مريم» فتح قلبه لـ «تشرين» وتحدث عن «مريم» وعن غيره... فكان معه الحوار الآتي...
أنت الآن في طور التحضير لفيلم سينمائي جديد هو «مريم» فهل تحدثنا عن قصة الفيلم؟
الفيلم يتكون من مجموعة حكايات متداخلة فيما بينها، تجمعها مصائر الشخصيات الرئيسية التي تنتمي كل منها إلى فترة زمنية محددة من تاريخ سورية المعاصر، بهذا المعنى لايقوم الفيلم على سرد زمني متسلسل، وإنما على نماذج الأزمنة وتداخلها، حيث تعكس كل فترة حالة تاريخية نموذجية كان لها تأثير واضح في تشكيل الوعي والوجدان السوري. الأولى مرتبطة بنهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918 ونهاية الاحتلال العثماني لبلاد الشام التي كانت تواجه مستقبلاً غامضاً وخطيراً إبان دخول قوات الحلفاء إليها. الفترة الثانية ترتبط بنكسة حزيران عام 1967، وتحديداً اليوم الأخير من الحرب التي تركت نتائجها انعكاسات سلبية في عمق الروح العربية. الفترة الثالثة سورية مطلع العام 2011 وحالة الانهيار الأسري والأخلاقي. كل هذه الأفكار يعبر عنها من خلال ثلاث شخصيات نسائية، يباعد الزمن بينها، ولكن يجمعها قاسمان مشتركان. الأول اسم مريم، والثاني أن الحروب بمختلف أشكالها، العسكرية والنفسية والأخلاقية، كانت السبب المباشر في تدمير مصائر هذه الشخصيات وحرمانها من أبسط حقوقها في العيش بسلام وطمأنينة.
من هم الأبطال الذين اخترتهم لتجسيد الشخصيات الأساسية في العمل؟
سلاف فواخرجي ،أسعد فضة، صباح جزائري، ريم علي، ديما قندلفت، لمى الحكيم، نادين، ضحى الدبس، عابد فهد،جهاد سعد، محمد الأحمد.. وآخرون..
السينما السورية لا تزال تعاني من صعوبات كبيرة فما الحل برأيك لإنقاذها وجعلها متألقة كالدراما السورية؟
لايزال الطريق أمام السينما السورية طويلاً وشاقاً في الوقت الذي لم تستطع أن تواكب الدراما السورية في نجاحها وانتشارها. ومع ذلك من غير المنطقي المقارنة بينهما خصوصاً من ناحية حجم الإنتاج الذي يراكم الخبرة المطلوبة والتي تفتقد إليها الحركة السينمائية، بالإضافة إلى أن نوعية الأفلام وطبيعتها لم تستطع أن تحقق التواصل مع الجمهور، وهذه مسؤولية يتحملها صناع الأفلام بالدرجة الأولى. بكل الأحوال الحديث عن السينما السورية متشعب وآفاقه كثيرة، والمؤسسة العامة للسينما بذلت جهوداً لدعم الإنتاج، مقابل عزوف القطاع الخاص عن السينما لأسباب نعرفها جميعاً. السينما في سورية بحاجة إلى مزيد من الاهتمام والرعاية، السينما كانت فن الماضي وهي فن المستقبل.
في العام الماضي قدمت عملاً لبنانياً وفي هذا الموسم ستكون في السينما .. هل من سبب لابتعادك عن الدراما السورية لموسمين متتاليين؟
ليس ابتعاداً بقدر ماهو قرار بأن أعود للدراما السورية بعمل جديد ومختلف، وهو ما أقوم بالتحضير له، ثم إن العمل على انجاز فيلم سينمائي لايقل أهمية عن العمل في الدراما خصوصاً بعد مرور أكثر من عشر سنوات على فيلمي الروائي الطويل الأول (الرسالة الأخيرة ). طول هذه الفترة كنت أعمل في الدراما التلفزيونية وعيني على السينما.
«الغالبون» تجربة جديدة ومختلفة لك .. فكيف تقيم هذه التجربة ؟
«الغالبون» هو التجربة الأولى لي في الدراما اللبنانية، وفي الوقت نفسه يعتبر من أضخم الإنتاجات التلفزيونية سواء في لبنان أو الوطن العربي. لكن أهميته تأتي بالدرجة الأولى من الموضوع الذي يتناوله والفترة التاريخية التي تدور الأحداث فيها، اجتياح الجيش الإسرائيلي للبنان واحتلال بيروت ومجازر صبرا وشاتيلا، وكيف قاوم الشعب اللبناني هذا الاحتلال من خلال نماذج إنسانية ووطنية رفضت أن تكون ضحية للعدوان وقدمت مآثر في البطولة والمقاومة.
قلت أنك لن تخرج الجزء الثاني من «الغالبون» فما السبب؟
السبب الرئيسي أنني لا أريد الابتعاد عن أسرتي في الوقت الحاضر، بالإضافة إلى ارتباطي بمشاريع أخرى، ثم إنني اكتفيت بما قدمته في الجزء الأول.
أنت دائما ً تتصدى لدراما القضية والوطن وآخرها المسلسل الذي قدمته منذ موسمين وحمل عنوان «أنا القدس» إلا أن العمل ورغم أهميته لم يحظ بفرص عرض كافية فما الحل لإنقاذ دراما القضية برأيك؟
المشكلة الرئيسية المتعلقة بهذا النوع من الأعمال تكمن في إنتاجها وتسويقها. الغالبية العظمى من الفضائيات العربية لاترغب في التعاطي مع أعمال ذات طابع وطني وقومي، خصوصاً تلك التي تتناول قضايا حساسة ومهمة مثل قضية القدس وفلسطين، وهذا يثير تساؤلات عديدة في ظل إخفاق الإعلام العربي، الرسمي والخاص، بمواكبة هذه القضية. مسلسل (أنا القدس) وإن لم يحظ في حينه بفرصة العرض التي يستحقها، إلا أنه استطاع استقطاب جمهور كبير، خصوصاً في سورية وفلسطين ومصر ولبنان، وترافق عرضه مع تغطية إعلامية واسعة. (أنا القدس) من المسلسلات التي لا يرتبط عرضها بموسم محدد، فهو وثيقة درامية وفنية تحتفظ بقيمتها وراهنيتها للمستقبل. أما الحل لإنقاذ هذا النوع من الدراما فهو يزداد تعقيداً.. نحن بحاجة إلى زمن آخر.. زمن تكون فيه هذه الأمة قد استعادت بعضاً من عافيتها.
في «الغالبون» رأينا الممثلين اللبنانيين بأداء وحضور مختلفين، فماذا فعل باسل الخطيب لاظهار هذه القدرات وهذا الأداء العالي؟
لا وجود للمجاملات والاعتبارات الذاتية في العمل الفني
التعاون مع الفنان اللبناني يعود إلى أعمالي الأولى، وقد استمر عبر السنوات وتوج أخيراً في (الغالبون ).. الفنان اللبناني يشبه أقرانه في سورية ومصر وغيرهما.. هو إنسان طموح، حساس، مثابر، ولكن من سوء طالعه أن الظروف الصعبة التي شهدها لبنان في العقود الأخيرة لم توفر لهذا الفنان المناخ الضروري ليطور تجربته ويغنيها. من المهم أن يوجه المخرج الممثل إلى طبيعة وإيقاع الأداء، وبالأهمية نفسها أن يجعل الممثل أكثر ثقة بقدراته ومشاعره. في (الغالبون) أقبل جميع الفنانين المشاركين على التجربة بحماسة شديدة لأن الموضوع كان يعنيهم بشكل مباشر، ويرتبط بتاريخ وطنهم ومعاناته.
هل ترى أن الدراما اللبنانية تملك مقومات المنافسة العربية إذا ما توافرت شروط معينة؟... وما هذه الشروط؟
في فترة سابقة وتحديداً في سبعينيات القرن الماضي، كانت الدراما اللبنانية رائدة على مستوى الوطن العربي، واليوم لا ينقصها إلا المزيد من التجارب والإنتاج المتواصل لتستعيد موقعها على خارطة الإنتاج الدرامي العربي.
الكثير يتحدثون عن مقاطعة للدراما السورية في موسم 2012 فهل ترى أن هناك مقاطعة بالفعل أم أنها مجرد مبررات لتخوف المنتجين السوريين من الإقدام على الإنتاج؟
الأمر لم يعد في حدود المقاطعة بل تجاوزه إلى حرب خفية أحياناً ومعلنة أحياناً أخرى. لا يمكن أن نحمل المنتج وحده مسؤولية تراجع كم الإنتاج وسويته. المنتج وإن كان أساساً لهذه العملية إلا أن حسابات الربح والخسارة وحدها تتحكم في قراراته، وهذا أمر طبيعي، لا يتعلق بالمنتج السوري فقط بل بأي منتج في العالم. من ناحية أخرى فإن هذا المنتج، أسوة بالكتاب والمخرجين والفنانين، لديه استحقاقات والتزامات تجاه هذه الصناعة الوطنية التي حققت له أرباحاً طائلة وشهرة عريضة في وقت سابق، وفي بلد قدم له الكثير من الدعم، وهو مطالب اليوم بدعمها والعمل على إبقاء عجلتها دائرة رغم كل الظروف التي نمر بها.
برأيك ما الحلول لإنقاذ الدراما السورية من مطبات التسويق التي تتعرض لها في مواسم عديدة؟
بالدرجة الأولى لابد من الحفاظ على النوعية المتميزة لهذه الدراما، وأن تتاح الإمكانيات الضرورية لوجود قنوات سورية تتحمل مسؤولية عرض الأعمال وتغطي جزءاً كبيراً من تكاليفها كما هي الحال في مصر.
مؤخرا ً أصدرت نقابة الفنانين قرارا ً حددت فيه رسوم أذونات العمل لغير المنتسبين للنقابة وللعاملين من المنتسبين بغير مهنتهم فكيف ترى هذا القرار؟
القرار كان مرتجلاً وبحاجة إلى مزيد من الدراسة وأن يصدر في وقت ملائم غير الذي صدر فيه. نحن جميعاً مع حماية هذا الفن من الدخلاء، عديمي الموهبة، ولكن في الوقت نفسه لابد من إتاحة الفرصة للكفاءات التي أثبتت موهبة وجدارة. لابد أن يصب قرار من هذا النوع في المصلحة العامة، وهذا يتطلب استبيانات وتعمقاً في كل حالة على حدة. كما أن البند المتعلق بالفنانين العرب الذين يعملون في الدراما السورية، مجحف وغير لائق، أهم ما يميز سورية أنها، انطلاقاً من سياستها الوطنية والقومية، قد شرعت أبوابها لكل الفنانين العرب ليعملوا ويبدعوا فيها، على نحو يندر أن نجد مثيلاً له في دول أخرى، وهذا القرار قد يدفع بنقابات عربية إلى اتخاذ خطوات مماثلة تجاه الفنانين السوريين الذين يعملون فيها.
ما تقييمك لمستوى الدراما السورية في الموسم الماضي ؟
باستثناء مسلسلين أو ثلاثة فإن المستوى كان ضعيفاً ودون الطموح. بالتأكيد كان للأحداث التي شهدتها سورية انعكاسات سلبية على كل شيء.
أحاديث كثيرة عن تواجد شللية فنية في سورية فهل للمخرج باسل الخطيب شلة خاصة به وما نظرتك لموضوع الشللية؟
المخرج في أي مكان بالعالم لديه مجموعة من الفنانين والفنيين الذين يرتاح بالعمل معهم لأنه يعرف من خلال تجارب سابقة أنهم الأكثر كفاءة على مساعدته في تحقيق ما يصبو إليه، وانجاز العمل بالصورة الأفضل. الموضوع لا يتعلق بالتمسك بأسماء وأشخاص محددين، بل بقناعات فنية وعملية معينة، هذا من وجهة نظري الخاصة، وليس بالضرورة أن ينطبق على الآخرين..تبقى حقيقة مؤكدة أنه في العمل الفني لا وجود للمجاملات والاعتبارات الذاتية، وأي خيارات في غير موضعها المناسب سيدفع المخرج ثمنها أولاً وأخيراً.
ما معايير النجومية بالنسبة إليك ومتى تقول إن فلاناً نجم؟
النجومية ترتبط بمعيارين رئيسيين.. الإنجازات المتميزة، وبدرجة لاتقل عنها، الأخلاق والالتزام الأدبي والمهني.. لايمكن لأي نجم أن يتحقق إن لم يكن إنساناً بالمعنى الشمولي للكلمة.
حديث آخر هو محل نقاش في الموسم الحالي ألا وهو الأجور .. كيف ينظر باسل الخطيب لمستوى الأجور في الدراما السورية عموما ً والموسم الحالي خصوصاً؟
الأجور وصلت إلى مستوى مرتفع، غير منطقي في أحيان كثيرة، لايتلاءم مع عوائد العمل ولا مع مستوى الدخل المتدني أصلاً، وهذا بدوره يمكن أن ينعكس سلباً على النفقات الإنتاجية الأخرى التي يتطلبها العمل ليظهر بصورة لائقة. في معظم دول العالم توجد تعرفة يعمل بها، وهو أمر تحدثنا بشأنه منذ سنوات ضمن محاولة لضبط الإنتاج وتكريس قواعد عمل لاتخضع للنزوات والاعتبارات غير المهنية.
أصبحنا نشاهد في الفترة الأخيرة عددا ً من المخرجين يقدمون أساليب إخراجية جديدة بالصورة والصوت وطريقة التصوير فهل أنت مع التجريب في الإخراج ؟
أنا مع التجريب المضمون النتائج، فالعمل الفني لايمكن أن يكون مجرد مغامرة انطلاقاً من رغبة صانعيه بالتجريب.. فلا المنتج مستعد لدفع الأموال لهذا ولا المشاهد لديه الرغبة والوقت لمتابعة مثل هذه الأعمال، ثم إن الأسلوب والشكل الفني للعمل يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بمضمونه، وهنا نعود إلى نقطة البداية، المضمون والأفكار هما الأساس وليس التلاعب المجاني باللقطات والصورة.