2012/07/04
حوار: مِلده شويكاني – البعث ميديا
«قدري أن أكون سينمائياً» بهذه الجملة بدأ حواري مع المخرج أنور قوادري الذي يُعدّ من أهم السينمائيين السوريين والعالميين، وهو مقيم في لندن منذ ثمانية وثلاثين عاماً تخرج في الأكاديمية البريطانية المركزية للسينما والدراما، كتب أغلب أعماله جابت أفلامه أهم مهرجانات العالم وتبنى بمساره الفني القضايا الإنسانية الكبرى مثل الحرب الباردة والتمييز بين الزنوج والبيض والعنف ضد المرأة.. ومن ثم قضايانا العربية التي سلط الضوء عليها من خلال أفلامه العالمية..
من أهم أفلامه(كسارة البندق وسباق مع الزمن- كلوديا) ومن أفلامه العربية جمال عبد الناصر، الذي عدّ بشهادة كبار النقاد من أهم أفلام القرن الماضي، تعامل مع نجمات هوليوود وكبار نجوم السينما العالميين والعرب، وقدم خالد الصاوي بطلاً لعالم الفن وغادة عبد الرازق التي أصبحت نجمة.
السينما المصرية الآن، وفي مجال الدراما التلفزيونية لم يبتعد عن مساره القومي فقدم سحر الشرق وفي الآونة الأخيرة عرب لندن الذي كان علامة فارقة في تاريخ الدراما السورية والعربية... يعكف حالياً على كتابة سيناريو لمسلسل جديد يتطرق إلى معاناة العرب وهموم الشباب وقضية الحجاب والبحث عن الهوية تدور أحداثه ما بين (باريس ولندن وسورية ومصر)، وعلى الصعيد الشخصي فأنور قوادري مخرج ديمقراطي جداً، يفتح باب الحوار للآخر، وهو متواضع جداً وقريب من الناس يميل نحو الرومانسية والتيار الشاعري، متزوج من إسبانية ولديه ولدان.. ورغم بعده بقيت سورية حيّة في أعماقه لم تنقطع زياراته عن سورية والعالم العربي، ورغم نجاحاته المذهلة لم يحقق إلا 50٪ من أحلامه- كما يقول- وذكر على هامش حديثه: «لو لم أكن مخرجاً لكنت مؤلفاً موسيقياً».
في حوارنا الآتي مع المخرج أنور قوادري نقرأ الكثير من الأسرار التي طالت فيلم جمال عبد الناصر وعلاقته بالفنان أحمد زكي.. وآرءَه بعالم السينما والدراما وسنعرف جزءاً من المساحة الخاصة به.
«كنت مسحوراً بالسينما»
* من المعروف أن علاقتك بالسينما تعود إلى طفولتك فماذا تقول عن هذه العلاقة المبكرة؟
بدأت علاقتي بالسينما منذ أن كنتُ طفلاً من خلال والدي تحسين قوادري المنتج والموزع و هو من مؤسسي السينما السورية ورئيس غرفة صناعة السينما والتلفزيون فقدري أن أكون سينمائياً وأولد في منزل تسكنه السينما ووجود والدي في الوسط السينمائي مكنني من التعرف إلى السينما عن قُرب فكنت أذهب إلى متابعة الأفلام وأتنقل من سينما الأهرام إلى دمشق إلى الدنيا إلى الفردوس، وأصطحب أصدقائي معي لاسيما في فترة الأعياد وبدأت منذ ذاك الوقت تأخذني السينما إلى أضوائها وعالمها الساحر، لاسيما أن فترة الستينيات كانت العصر الذهبي للسينما خاصة في دمشق، وكانت دور العرض كثيرة ومتميزة... ومن هنا تبلور عشقي للسينما ونما بداخلي إحساس كبير يدفعني إلى تعلم كل ما يحيط بصناعتها ومما ساعدني أيضاً من دخول الوسط السينمائي عن قرب علاقة والدي بالفنانين المصريين وقد ارتبط بصداقة خاصة مع الفنان أنور وجدي وكان الموزع لأفلامه، وأسماني والدي (أنور) تخليداً لذكراه وتعد هذه الفترة مرحلة تأسيس الإنتاج السينمائي من قِبل القطاع الخاص منها فيلم (عقد اللؤلؤ) إنتاج شركة سيريا فيلم ونادر أتاسي شريك والدي، من بطولة دريد لحام ونهاد قلعي وكبار النجوم المصريين وبدأت آنذاك مرحلة التعاون المصري السوري في المجال السينمائي، ثم أنشأ والدي مكتب توزيع سينمائي في بيروت وتعرفتُ من خلاله إلى كبار المخرجين مثل يوسف شاهين - عاطف سالم - هنري بركات - ووزع والدي أفلام عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وفي هذه المرحلة أصبحتُ أعرف مبادىء ABCالسينما واشتغلت في الإجازات كلاكيت وسكريبت وحينما بلغت السابعة عشرة أنتجت أول فيلم مع والدي وهو «قطط شارع الحمراء» في بيروت - 1971 كان من بطولة نوال أبو الفتوح وبعد الثانوية قررت السفر إلى بريطانيا لدراسة السينما ومضيت بعالم الدراسة الأكاديمية السينمائية المركزية والدرامية في لندن.
السينما البريطانية أفق واسع لي
دخلتَ السينما العالمية من خلال السينما البريطانية، ما هي الإنجازات التي حققتها في هذه المرحلة؟
درست من 1972 -1974 وقدمت فيلم التخرج بعنوان «بولينا» بطولة دير بيل كرميز دخل مهرجان شيكاغو الدولي وهو فيلم درامي قصير مدته 20 د يحكي قصة امرأة أثناء الحرب العالمية الثانية تعيش خيارات قاسية بين الحب والعنف تلامس أوتار قلبها قصة حب شاعرية جداً ولدت وسط الدمار والقتل والخوف، تميز هذا الفيلم بتيار رومانسي شفاف وقد أثنى عليه النقاد... ومن هنا اتخذت قراري بالتوجه نحو المسار الفني الإنساني ومعالجة القضايا الكبرى التي تهم العالم وتلامس أوجاع الناس، وبعد ذلك نما هذا المسار ليطال القضايا القومية التي يعيشها عالمنا العربي وبعد نجاح بولينا حصلت على منحة دراسية مدة سنتين تخصصت فيها بالإخراج والمونتاج «1977» وبعد التخرج كنت إزاء خيارين: إما أن أبقى في لندن وأحقق طموحي السينمائي العالمي وأخوض عالمي الخاص، أو أعود إلى سورية وأعمل مع والدي قررت أن ألتزم بالخيار الأول فاستقريت في لندن وتعرفت إلى زوجتي وهي من أصول إسبانية وبدأت عالمي السينمائي في رحاب السينما البريطانية الواسعة.
في عام «1980» كتبتُ وأخرجتُ فيلم (غرفة الانتظار) الذي أعتز به كثيراً ويعالج موضوع التفرقة العنصرية بين الملوّنين «الزنوج والبيض» وفيه كسر لتابوهات من الممنوع التطرق إليها لاسيما أن الصراع في جنوب إفريقيا كان في أوجه وعالج بجرأة قضية إنسانية عالمية كان من بطولة جورجينا هيلز تريفور توماس وطبعاً جاب مهرجانات عالمية، ومن غرفة الانتظار انتقلت إلى فيلم كوميدي لطيف جداً «حب مع الأبراج» بطولة مارتين بوروز وسوزي لوف إنتاج أفلام «أي - تي - سي» كان أول تعاون بيني وبين المنتج السوري نادر أتاسي الذي كان يقيم في باريس آنذاك وتعد هذه المرحلة بداية إنجازي الأفلام العالمية الذي توجته بفيلمي العالمي الكبير (كسارة البندق 1983) من بطولة جوان كولينر بول - نيكولاس كارول وايت - شركة أفلام الرانك، في دول العالم، وكان إنتاجاً مشتركاً بين نادر الأتاسي وشركة الرانك وهي من أهم شركات الإنتاج البريطانية وزع في العالم ودخل أهم المهرجانات العالمية وتطرق بصورة أساسية إلى الحرب الباردة في بريطانيا - تحديداً - وأوروبا عامةً بالإطار العام كان فيلماً سياسياً بحبكة درامية اجتماعية شائقة من خلال هروب راقصة صوّر في بريطانيا، الموسيقا التصويرية مأخوذة عن موسيقا تشايكو فسكي « بحيرة البجع» حولّتها إلى موسيقا جاز مع سايمون بارك وهو من كبار الموسيقيين البريطانيين وقد عملتُ معه بعد 15 عاماً في فيلم جمال عبد الناصر.
بعد كسارة البندق والنجاح المذهل الذي حققه على كل الصعد قررت أن أبدأ مرحلة جديدة في تاريخي الفني وأتجه نحو قضايانا القومية العربية ففكرتُ أن أنجز فيلماً عالمياً يتطرق إلى مشاكلنا وقضايانا وكانت بداية علاقتي مع العالم العربي بفيلم كلوديا المأخوذ عن الفيلم العربي المصري «موعد على العشاء» إخراج وتأليف محمد خان، وأعجبت بقصته وقرأت فيه موضوعاً إنسانياً هادفاً هو كيف تستطيع المرأة المضطهدة أن تأخذ حقها وتدافع عن نفسها وأنا أناصر المرأة في أعمالي، ومن جانب آخر وجدت فيه عنصر تشويق قوياً جداً، فقررتُ أن أحوّله إلى فيلم عالمي فتعرفت إلى المنتج الأردني (الرواس) وبالتعاون مع شركة «أي - تي - سي» حولناه إلى فيلم إنكليزي لقصة امرأة إيطالية تعيش في لندن وأسندت الدور إلى النجمة الأمريكية العالمية ديبورا رافن و نيكولاس بول باربرا جانورد، وكان عملاً رائعاً في عام «1988» كنت المنتج الفنان والمشرف العام في فيلم أمبابرستيت بطولة راي ماكنالي وكاترين هاريسون.
إنتاج القناة التلفزيونية البريطانية الرابعة من إخراج وليم كيث يعالج قضية المخدرات والإدمان وما تؤول إليه النتائج من ضياع وتشتت وفي العام نفسه، توطدت علاقتي مع المنطقة العربية من خلال ترددي الدائم إلى سورية مصر ولبنان، وتفكيري الدائم بهاجسي المؤرق الذي لا يفارقني وهو تبني المسار القومي العربي بإطار عالمي، وعُرض عليّ فيلم يتعلق بتهريب آثارنا العربية من بلادنا إلى الغرب وتهريب مومياء الإسكندر المقدوني فتعاونت مع كاتب بريطاني اسمه «جيسي كراهام» وكان أول فيلم في تاريخ السينما العالمية يتطرق إلى قضية من قضايا العالم العربي من إنتاج مشترك «بريطاني - مصري».
اسمه سباق مع الزمن بطولة جيف فاهي وكاميلا مور وجميل راتب وسماح أنور ومحمد توفيق وصورنا في واحات سيوا لأول مرة.
وعُرض في مهرجان دمشق السينمائي في عام 89 - وما يزال يُعرض حتى الآن ولاقى نجاحاً منقطع النظير
ومن الفيلم الكبير الذي دخلت من خلاله عالم السينما العالمية لأول فيلم يتطرق إلى قضايانا العربية وكان النواة الأولى لحلمي الكبير الذي سكن أعماقي وتغلغل إلى نفسي رويداً رويداً ليغدو هاجسي المؤرق إلى فيلم جمال عبد الناصر العالمي.
فيلم جمال عبد الناصر أهم إنجازاتي
* وصلنا إلى الفيلم الأهم في تاريخ أنور قوادري فما هي الخفايا والأسرار التي رافقت فيلم جمال عبد الناصر؟
** فيلم جمال عبد الناصر 1997 هو الإنجاز الأهم في حياتي وكان بشهادة كبار النقاد أحد أهم الأفلام في القرن الماضي، وشارك في أهم المهرجانات العالمية ونجح نجاحاً معنوياً وجماهيرياً كبيراً لكنه من الناحية المادية لم يربح لأسباب سأذكرها لاحقاً ولم أتقاضَ أي أجر عليه حتى الآن لأنني أنجزته حباً بهذا الزعيم العربي القومي الكبير مقابل حصة من الأرباح وللأسف لم يحقق الربح الذي يغطي تكلفته الكبيرة جداً، لكن نجاحي المعنوي فيه كان كبيراً جداً وهذا يجعلني راضياً... بدايةً كانت الفكرة أن يكون فيلماً عالمياً ناطقاً بالإنكليزية يضاهي فيلم غاندي الذي أُنجز آنذاك فأردتُ أن ألفت انتباه العالم إلى وجود زعيم كبير في العالم العربي وأنا معجب به كبطل وبالمساحة الإنسانية الكبيرة الموجودة في أعماقه، كما اهتم بجمالية الكلمة ورقة اللحن فأحب الأدب والفن.
فجسّدته بوجهة نظر موضوعية ليست بعيدة عما حدث من أخطاء فالتقيت بالكاتب البريطاني الشهير أريك ساندرز واعتمدنا على كتاب الكاتب الكبير «أنتوي ناتك»وزير الخارجية في عهد آنفي الذي عاصر جمال عبد الناصر عن قرب في حرب السويس وألف كتاباً عنه عنوانه «ناصر» يتضمن قصة حياة عبد الناصر، والكتاب برأيي متوازن وموضوعي فكان المحور الأساسي الذي اعتمدنا عليه وكانت الفكرة أن يتزامن الفيلم مع مسلسل تلفزيوني بخمس حلقات أيضاً وأصبحت أتردد إلى مصر وأجريت لقاءات متعددة مع ضباط الأحرار لجمع المعلومات مثل عبد اللطيف بغدادي وخالد محيي الدين وعبد المحسن أبو النور و د.خالد عبد الناصر والسيدة منى عبد الناصر التي ساعدتني كثيراً بما يتعلق بعلاقة عبد الناصر بزوجته السيدة تحية وأولاده.
وتمت اتصالات مع روبرت دينيرو ليؤدي دور جمال عبد الناصر واتصالات مع شركات الإنتاج العالمية ولكن للأسف لم أنجح بإيجاد التمويل فأصبت بإحباط شديد وتوقف العمل مبدئياً ومن هذا الوقت بدأت علاقتي بالفنان أحمد زكي.
خلافي مع أحمد زكي
* نتوقف قليلاً لنتحدث عن علاقتك بأحمد زكي التي مرّت بتواصل وانقطاع فماذا عنها؟
تعرفت إلى أحمد زكي عن قرب في المهرجان السينمائي المصري أثناء عرض فيلم سباق مع الزمن وكان معجباً جداً بفيلم كسارة البندق فعرض عليّ أن أُخرج له فيلماً وهذا يعود إلى عام 1987 أثناء إخراج محمد خان فيلمه زوجة رجل مهم، وكان لدى أحمد زكي هاجس قوي ليمثل شخصية أنور السادات وعبد الحليم حافظ ولم يذكر أمامي أبداً أنه يفكر بتأدية دور جمال عبد الناصر، وحينما علم بإقدامي على إنجاز فيلم جمال عبد الناصر طلب مني أن يؤدي فيه دور أنور السادات، بدايةً اعترضت على ذلك بسبب ضعف لغته الإنكليزية إلا أنه أصرّ علي بإلحاح ولكن كما قلت لم أجد التمويل وتوقف العمل، في عام 1994 أثناء زيارتي إلى القاهرة عرض عليّ أحمد زكي إخراج فيلم «حسن اللولو» إلا أنني لم أكن أفكر أبداً بسيناريو تقليدي أو عادي، كان كل تفكيري يتجه نحو قضية قومية عربية كبرى وكان فيلم جمال عبد الناصر هاجسي المؤرق، وبعد عودتي إلى لندن سمعتُ عن فيلم ناصر 56 وسيؤدي فيه أحمد زكي دور جمال عبد الناصر فانزعجت كثيراً لأنهم أخذوا مني الفكرة اتصلتُ بأحمد زكي، وأكد أن الفيلم يحكي قصة عبد الناصر في عام 56 أي مئة يوم من حياته فقط ولا يؤثر على فيلمي، وقد كتب السيناريو له محفوظ عبد الرحمن وأخرجه محمد فاضل وعملتُ بالإشراف العام على السيناريو السيدة هدى عبد الناصر، بعد العرض عادت الفكرة تطرق أفكاري من جديد فأقنعني والدي رحمه الله بأن أحوّله إلى فيلم عربي مع المحافظة على الشخصيات الغربية فيه أي بمشاركتها باللغة الإنكليزية بدايةً لم أكن مقتنعاً لأن هاجسي إنجاز فيلم عالمي لكنني استسلمت للفكرة فاقتبست بعض المشاهد من السيناريو الأول.
وكتبت سيناريو بالعربية بالتعاون مع الكاتب إيهاب إمام الذي كتب الحوار، وتناهى إلى السيدة هدى عبد الناصر أنني أنجزتُ السيناريو فشنت علي هجوماً إعلامياً واختلفت معها لأنها أرادت أن تركز على إنجازاته فقط بعيداً عن علاقته بالمشير عبد الحكيم عامر، وهذه هي نقطة الخلاف بيني وبينها، ومن جانب آخر ظهرت برلنتي عبد الحميد زوجة عبد الحكيم عامر السرية، التي أرادت أيضاً أن توقف التصوير ولكن.. كنت حصلت على الموافقة من الحكومة المصرية والرقابة وبدأت بالتصوير.. وأنا مقتنع بأنني أقدم عملاً للتاريخ فيه خط تراجيدي درامي وعلاقة المشير عبد الحليم بجمال عبد الناصر كانت أحد الخطوط الدرامية الأساسية فباشرت بالتصوير مع المنتج السوري بشير غيه وشركة محمود حميدة شركة (البطريق) ووقف التقني العربي أمام التقني الغربي وكانا متوازيين، وهذا من أهم الإنجازات التي حققتها في حياتي، إذ أبدع صلاح مرعي في الديكور مع أنيس يوسف، ومخرج الوحدة الثانية كان شريف عرفة، ومدير التصوير محسن أحمد.. ووجدت نفسي أمام مطب حقيقي فمن هو البطل؟ من يؤدي دور جمال عبد الناصر.
لم أندم أبداً على اختيار خالد الصاوي
لعل الكثيرين يقولون لماذا لم يكن البطل أحمد زكي؟ ولماذا أثرتُ أن أختار بطلاً جديداً لهذا الدور العظيم، فكرت كثيراً فوجدت أن أحمد زكي جسد جمال عبد الناصر في 56 ولن يأتي بجديد وكنت أبحث عن طاقة كبيرة تتقمص هذه الشخصية، فتم اختياري على خالد الصاوي الذي أبدع بتقمص الشخصية وكان رائعاً وحقق مساحات أحلامي وقد اشتغلتُ معه كثيراً على «نهج الممثل» وركزنا على تقمص الشخصية وليس على التقليد الذي أعتقد أنه سهل مقارنةً مع التقمص، وكان ناجحاً بشهادة كبار النقاد السينمائيين، وأطلقته إلى عالم البطولة بعد أن شاهدته وهو يقدم مسرحية سعدالله ونوس على مسرح الهناجر- دار الأوبرا بدور ثانوي وكان ممثلاً مغموراً، إلا أنني نظرتُ إليه من رؤية إخراجية كمخرج، وأنا أحب أن أكتشف الوجوه الجديدة دائماً... وأطلقها إلى عالم الفن وأغامر على نجاحها، وكان خياري صحيحاً لم أندم أبداً طبعاً تطلب الأمر الكثير من الجهد وكان خالد الصاوي مذهلاً... وهنا قاطعني أحمد زكي مقاطعة نهائية وقال لي: «لقد أضعت مني فرصة عمري في أن أجسد حياة هذا البطل أجسد دوره منذ أن التحق بالكلية العسكرية وحارب وعمل مع الثوار وانهزم في 56، وحرب الاستنزاف- وموته وعلاقته بعائلته وأصدقائه، والحكيم عامر.. أنا جسدت مئة يوم من حياته فقط في ناصر 56، ومَنْ خالد الصاوي ليأخذ مني الدور»، من جانب آخر أسندت دور برلنتي عبد الحميد إلى غادة عبد الرازق، وكنت أول من اكتشفها وأصبحت الآن نجمة سينمائية وطلعت زين لدور أنور السادات ورياض الخولي لدور عبد اللطيف بغدادي وخالد الصالح لدور صلاح نصر جميعهم أصبحوا نجوماً... طبعاً الفيلم نجح لكن كانت هناك محاربة إعلامية له، فلم يحقق الربح المادي وعرض في دول العالم والشرق الأوسط وفي باريس (مهرجان العالم العربي 98) وكان رئيس لجنة التحكيم كوستا كفرا مخرج فيلم «زيد» العالمي قال لي: «سيبقى هذا الفيلم للتاريخ»، كما عرُض في الأكاديمية البريطانية وجاءت الممثلة العالمية فيفي برنتي للعرض الخاص وهنأتني بعد العرض في جلسة المناقشة، وقالت لي: «كان خالد الصاوي مذهلاً لقد اكتشفت عمر شريف آخر» وأصبح منذ ذاك الوقت نجماً لا يقل أهمية عن الفنان أحمد زكي وأنا مسؤول عن كلامي، وتكلل نجاحه بفيلم عمارة يعقوبيان، وأؤكد بأنني لم أندم أبداً على اختياري ولن أندم وأنا مقتنع تماماً بما فعلت..
* ولكن ألا ترى أن الناس كانوا تفاعلوا أكثر مع أحمد زكي؟.
ربما من وجهة نظرك لأن الجمهور شاهده في ناصر 56 ولأن الناس أحبوا بعمق وحرارة هذا النجم الحساس جداً والمميز والذي يملك طاقة إبداعية كبيرة ومؤثرة في الوقت ذاته، لكنني مقتنع لأنني كنت أبحث عن الجديد، ربما في قرارة نفسي كنتُ متعاطفاً مع أحمد زكي لكن الرؤية الإخراجية وذهنية المخرج والبحث الدائم عن الأفضل هو الذي يحرّك أعماق المخرج وليست العاطفة.
والجدير بالذكر أنني التقيت أحمد زكي بالمهرجان في باريس، إذ شارك فيلمه (اضحك علشان تطلع الصورة حلوة) وكانت لقاءات عابرة ولم تعد صداقتنا إلا بعد سنوات في حادثة معينة سأذكرها أثناء الحوار.
فيلم جمال عبد الناصر يعد من نوع (الديكو- درامي) فماذا عن الجانب الوثائقي؟.
طبعاً بحثنا عن الوثائق لأن الفيلم فيه جانب كبير وثائقي، ولأننا نختصر 35 عاماً من تاريخ مصر والعالم، ولا تستطيع ميزانية الفيلم أن تصور حروباً حقيقية وضمن مسار الفيلم الدرامي كانت هناك صور حقيقية وخطابات ووقائع استطعنا أن ندمج الوثائق الحقيقية مع الحدث الدرامي بطريقة مبتكرة ووظفناها بأسلوب إخراجي جيد.
سحر الشرق والمصالحة مع أحمد زكي
نتجه الآن إلى منحى آخر فما قصتك مع الليدي جيني ديكني؟؟.
طبعاً أنا مولع بالشرق فأعجبت بقصة الليدي جيني البريطانية الارستقراطية الثرية التي أحبت الشرق وأحبت شيخاً بدوياً (الشيخ مجول) وآثرت البقاء في الشرق الساحر وتخلت عن مظاهر الترف والثراء، أردت أن أنجز فيلماً عالمياً أركز فيه على سورية وبالتحديد (تدمر) فالتقيت بالكاتبة د. رنا قباني المقيمة في لندن، واشتغلنا على السيناريو للفيلم بعنوان (الواحة الأخيرة) يسلط الأضواء على تقاليدنا والشهامة العربية والأصالة والعراقة، ورشحت لبطولته النجم الإسباني المقيم في هوليوود انتوني باندريس واجتمعت مع المنتج الأمريكي الذي أنتج سلسلة حرب النجوم.
ولكنني فشلت للمرة الثانية ولم أجد التمويل للمشروع وللأسف أعمال العقاد ليست كافية لتحفز شركات الإنتاج على تمويل أفلام تعرض قضايانا العربية هذا ما يحز بنفسي، فقررت أن أحوّله إلى مسلسل عربي، بتشجيع من والدي أيضاً، أركز فيه على تاريخ سورية، فاتصلت بالكاتب المرحوم عمار ألكسان وزوجته ريم حنا وكتبا السيناريو وأنتجته شركة عرب وخرج مسلسل سحر الشرق من بطولة جمال سليمان (الشيخ مجول) وتينا جاروج الممثلة اللبنانية بدور الليدي جيني، إضافة إلى كوكبة من نجوم الدراما السورية (باسم ياخور- أمل عرفة- سعد مينا- عبد الهادي الصباغ- كاريس بشار) عُرض في رمضان 2001 ولاقى متابعة كبيرة على مستوى الوطن العربي وبلاد الاغتراب وفوجئت باتصال من المنتج المصري حسين القلا يهنئني على هذا العمل الرائع وبصوت أحمد زكي على الهاتف يقول لي: «أنا أنتظر بث الحلقة بفارغ الصبر ومبارك نجاحك وهنا كانت المصالحة بيني وبين أحمد زكي».
حكايتي مع عبد الحليم مشروع لم يُنجز
المصالحة بينك وبين أحمد زكي لم تكن ودية فقط كانت بداية لمشروع لم ينجز فماذا عنه؟.
صحيح ألتقيتُ أنا وأحمد زكي في مصر في عام 2002 وقال لي مازال عبد الحليم حافظ بيننا فعرضت عليه مشروع فيلم (حكايتي مع عبد الحليم) يحكي قصة ممثل مغمور يريد أن يجسد شخصية عبد الحليم فلم يجد الفرصة فيحلم به وتنشأ علاقة بينه وبين عبد الحليم من خلال التماهي بين الواقع والتخيل لكن أحمد زكي كان مصراً على تجسيد فيلم عبد الحليم حافظ، وبرأيي لم ينجح فيلم عبد الحليم حافظ لأن أحداثه كانت مفككة وحدثت فجوة بوفاة أحمد زكي.
عرب لندن وبلاد الاغتراب
ننتقل الآن إلى عالم الدراما التلفزيونية ونتحدث عن عرب لندن الذي كان علامة فارقة في تاريخ الدراما العربية والسورية فكيف تنظر إليه الآن؟
عرب لندن من كتابتي وإخراجي وهو عمل ضخم جداً فيه تلاحم فني عربي كبير ضم نجوماً من مختلف الجنسيات العربية وعالج المشكلات التي يعيشها العرب في لندن وعَبّر عن قضايانا وهموم الشباب وأحداثه تنسحب على أية عاصمة وأنا أفتخر به كثيراً وقد لاقى نسبة متابعة كبيرة في بلاد الاغتراب والوطن العربي.
بيلي دانس ورؤية جديدة
ماذا عن مشروعات أنور قوادري القادمة؟
بعد عرب لندن كتبتُ سيناريو لفيلم عالمي اسمه بيلي دانس هو اجتماعي معاصر ضمن مساري القومي العربي، يتطرق إلى قضايانا بالدرجة أولى وبصورة خاصة إلى قضية الحجاب عند المرأة بأنها قناعة دينية وليست قهراً أو عنفاً كما يصورها الغرب وتدور أحداثه ما بين باريس ولندن سورية ومصر ويبحث أيضاً بعالم البحث عن الهوية ومشكلات الشباب وكان من المقرر أن نبدأ بالعمل به... لكن أحداث مصر الأخيرة أوقفت الاتصالات بيني وبين شركات الإنتاج ففكرت بتحويله إلى مسلسل وأنا عاكف على كتابة السيناريو الآن.
أنا مع السينما الشبابية
ما رأيك بالسينما الشبابية المصرية الآن بعد حصول (فيلم ميكروفون والحاوي على جوائز من أهم المهرجانات العربية؟.
لابد أن تجدد السينما شبابها وتخرج من أزمتها من خلال التوجه إلى إنتاج الأفلام الشبابية التي تُنتج بتكلفة قليلة مقارنةً مع تكلفة إنتاج الأفلام الروائية الطويلة للنجوم الكبار، وأعتقد بأن السينما الشبابية ستقدم صورة عن هموم الشباب والمجتمع في ظل الإنتاج الشحيح للسينما الآن ليس في مصر وإنما في جميع الدول العربية فإنتاج 16 فيلماً في مصر و3 أفلام في سورية وغيرها لا تصنع سينما.
السينما أساس حياتنا والخلود لها... طبعاً أنا لا أقلل من أهمية الدراما التلفزيونية لكن السينما وسيلة استراجاعية تاريخية لها نيكاتيف والدليل أن كلاسيكيات السينما العالمية مازالت خالدة حتى الآن.
أرفض الجرأة إذا كانت للتجارة
* برأيك ألا ترى أن الأعمال التي يقدمها خالد اليوسف وإيناس الدغيدي وداود عبد السيد تتسم بمساحة كبيرة من الجرأة تؤثر سلباً على المجتمع؟؟.
خالد اليوسف من أهم المخرجين في الساحة العربية في الوقت الحاضر وهو تلميذ يوسف شاهين، والجرأة بالسينما ليست فضائح، إنما تسلط الضوء على السلوكيات الخاطئة ومشاكلنا مثلها مثل الأدب ألا تتضمن روايات نجيب محفوظ جانباً كبيراً من الجرأة وكذلك إحسان عبد القدوس وغيرهما الكلمة لا تقل أهميةً وتأثيراً عن المشهد البصري، ولماذا نتكلم عن المخرجين المعاصرين ولا نذكر العمالقة الذين قدموا روائع السينما المصرية مثل صلاح أبو سيف (أبو السينما)، ويوسف شاهين وكمال الشيخ وهنري بركات، أنا مع الجرأة إذ وُظفت موضوعياً ودرامياً ولم تُقتحم إقحاماً من أجل التجارة في هذا الموضع بالتأكيد أنا ضدها.
الحراك السينمائي يتطلب المغامرة
تقوم بعض الشركات الخاصة الآن بإنتاج سينمائي ألا ترى أن ذلك يفعّل الحراك السينمائي؟؟.
أُنتجت أربعة أفلام على ما أعتقد حتى الآن من إنتاج القطاع الخاص، كان آخرها دمشق مع حبي، أمر ضروري أن تخصص شركات الإنتاج جزءاً من رأسمالها للإنتاج السينمائي وأن تغامر به أسوة بشركات الإنتاج العالمية التي تضع خطة لإنتاج خمسة أو ستة مسلسلات (اجتماعي- كوميدي تاريخي) وتخصص جانباً للإنتاج السينمائي، وأود أن أتحدث عن خطة مؤسسة السينما بإشراف د. رياض عصمت وزير الثقافة وإدارة محمد الأحمد التي تمضي ضمن الإمكانات المادية المتاحة وزادت من إنتاجها للمهرجان القادم، وأتمنى ألا تحصر اهتمامها ببعض الأسماء، وإنما تمنح الفرصة لأسماء جديدة كي تأخذ فرصتها، وأرى أن تعاون القطاع الخاص مع العام يكون تتويجاً للعمل السينمائي يساعد على تحريكه فنياً، أما تجارياً فلا يُحقق الربح إلا بالتسويق الخارجي، في الواقع كانت هناك مباحثات بيني وبين محمد قبنض لإنتاج فيلم بيلي دانس، وبعد جلسات طويلة قرر أن يبقى في مجال الدراما.
المنتج الفنان
وأتمنى من شركات الإنتاج الخاصة ألا تنظر بعين الرابح فقط وبنظرة ضيقة، نحن في هذا الوقت بحاجة إلى المنتج الفنان الذي يعرف أهمية النص وأهمية المخرج والكادر الفني والتقني، وإذا سيطر العامل التجاري على الدراما ستنزلق كما حدث في الدراما المصرية.
المسلسل الجيد يفرض وجوده
تعقيباً على كلامك ألا ترى أن مؤسسة الإنتاج الدرامي ستحمي الدراما السورية؟.
مع احترامي وتقديري للأستاذة ديانا جبور الناقدة السينمائية والإعلامية إلا أنني أرى أن رأس المال هو الذي يتحكم بالدراما السورية، وللأسف من قِبل أشخاص أصفهم (بالسماسرة) أي لا علاقة لهم بالفن ويتبع التوزيع لمزاج مدير المحطة وللعلاقات الشخصية والمنفعة المادية، أتمنى من المؤسسة أن تضع شروطاً خاصة وأن تتحكم هي بالتوزيع وبفرض شروطها، وإلا لن تقدم شيئاً جديداً، وأود أن أشيد بتجربة الفنان أيمن زيدان كمنتج منفذ ومدير شركة إنتاج، إذ قدم أعمالاً هامة على صعيد اختيار المخرج (نجدت أنزور) أو انتقاء الموضوعات والكادر التمثيلي والفني وفرض شروطه وقدم تجربة فريدة في عالم الدراما السورية، أتمنى أن تتغير المعادلة والمسلسل الجيد يفرض نفسه لا قوانين السوق..
أنا مع التعاون الفني
في بداية حوارنا أشرت إلى تعاونك مع الموسيقي العالمي سايمون بارك وهو الذي أعدّ الموسيقا التصويرية لفيلم جمال عبد الناصر.. فهل أنت مع الشراكة الفنية؟.
أنا مع التفاهم والتعاون الفني وليس مع الشراكة بمفهومها الضيق أنا أحفاظ على علاقاتي مع الفنانين والتقنيين الذين أجد بيني وبينهم روابط التفاهم الفني والفكري ما المانع أن يكون هناك عمل مع مدير تصوير أو مونتير ما دام هذا لصالح العمل.
أعشق السفر
على الصعيد الشخصي هواياتي قليلة نوعاً ما، لأن السينما تأخذ معظم وقتي، فأنا أتابع الأفلام السورية والعربية والعالمية تحديداً السينما البريطانية التي ارتبطت بها، وأختار بدقة بعض المسلسلات الدرامية التي تروقني متابعتها، أتابع الأخبار بصورة أساسية، لاسيما في هذه الأوضاع الراهنة التي يمر بها وطننا العربي، هوايتي المفضلة المطالعة أقرأ كثيراً بمجال الكتب الأدبية والسياسية ولدي اهتمام خاص بمتابعة الصحف المحلية والعربية حتى أثناء إقامتي في لندن وأتابع المواقع الالكترونية، التي تشكل جسر تواصل بين المغتربين وأوطانهم، من جانب آخر أنا مولع بالموسيقا فلو لم أكن مخرجاً لكنت مؤلفاً موسيقياً، أعشق الطرب الأصيل (أم كلثوم- فريد الأطرش- عبد الحليم حافظ- أصالة- كاظم الساهر- أتعمق بموسيقا سهيل عرفة وعبد الفتاح سكر) أحب السفر وسافرت كثيراً زرت أغلب مدن العالم في أوروبا وأمريكا والعالم العربي من خلال المهرجانات أو سفري بصورة خاصة، أفضل في السفر أن أنتقل بين عدة أماكن وأزور الأماكن الشعبية وأقترب من الناس ومن نبض الشارع، في سورية أمضي زياراتي مع عائلتي وأصدقائي وأصطحب زوجتي وأولادي الذين ارتبطوا بصداقات قوية مع أصدقائي في سورية ومصر ولبنان، أتجول دائماً في دمشق القديمة فهي تعني لي الكثير..
* لو عاد بك الزمن إلى الوراء هل تفكر بالاغتراب؟
بالتأكيد سأسافر لأنني تعلمت من السفر الكثير والمجتمع البريطاني ملتزم بالقرار والكلمة والمواعيد وبالصدق والصراحة هذا ما اكتسبته من البريطانيين.
كلمة أخيرة... بعد نجاحاتك المذهلة هل حقق أنور قوادري أحلامه؟
حققت 50٪ فقط... ومازلت تسكنني هواجس كثيرة.