2012/07/04
أوس داوود يعقوب –تشرين
«تحية لقامة الراحل داوود يعقوب.. في حضرة تحية للراحل عادل أبوشنب، ولعل واحداً من شكل الوفاء لذكرى الراحل أبو شنب.. هو تذكر أصدقائه، وقد ظل هو يذكرهم حتى رحيله».
في شهر نيسان عام 1987م التقيت الأديب والكاتب الكبير عادل أبو شنب، لأول وآخر مرة في حياتي، وكان ذلك في مقهى «الهافانا» الدمشقي، وذلك بعد اتصال هاتفي أجريته معه قبل أيام معدودة من هذا اللقاء اليتيم، حيث طلبت منه المشاركة في كتاب تكريمي كنت أعده عن والدي المرحوم الأديب والفنان والإذاعي الراحل داوود يعقوب (1939 -1986م).
وقد كان دافعي لدعوة أستاذنا الكبير عادل أبو شنب (رحمه الله) هو معرفتي بالعلاقة الوطيدة التي كانت تجمعه بالوالد، ولما كان بينهما من تعاون فني في أكثر من مجال وفي مناسبات عدة، حيث قام الوالد بإعداد وإخراج رائعة (أبو شنب) «وردة الصباح» في إذاعتي (لندن ودمشق). كما استضافه الوالد في برنامجه الشهير «رحلة عطاء» الذي كان يعده ويقدمه ويخرجه (العام 1982- 1983): وهو برنامج أدبي، أسبوعي اعتبر بمنزلة أرشيف للأدباء المعاصرين، حيث يلتقي داوود يعقوب بأديب سوري يواكب معه عبر حلقات البرنامج حياته ورحلة عطائه، مع تقديم نماذج من إنتاجه سواء المسرحي أو الروائي أو القصصي، بإخراج متميز يؤدِّيه مذيعون أو ممثِّلون معروفون، وقد التقى البرنامج بالأدباء: (عادل أبو شنب، وياسين رفاعية، وقمر كيلاني، وعلي عقلة عرسان...). وفي مقالة له بعنوان «داوود يعقوب: نابغة في ميدانه» (حررت في 22 نيسان 1987م) ونشرت في كتابي «الإعلامي والفنان داوود يعقوب، فارس يواصل الرحيل (في ذكرى رحيله العشرين)» الصادر عن دار «صفحات» في دمشق عام 2006م، يتحدث أديبنا الراحل عن الإذاعي والفنان والأديب داوود يعقوب وعن تجربته معه في مجال الدراما الإذاعية، وعن برنامجه الشهير «رحلة عطاء» الذي كان أحد ضيوفه فيقول: «لأن الظُّروف في بلادنا هي التي تصنع الناس، وليس العكس، قولبت داوود ظروفه -وبعضها قاهر- فعمل في الإذاعة مذيعاً ومعلِّقاً وكاتباً وداعيةً وممثِّلاً ومخرجاً، وأبدع فيها جميعاً، فكان أديب هذا النَّوع من الأدب. كسب الأدب المسموع داوود، وما تركه في مكتبة الإذاعة يبقى كالدُّر المتوهج في كومة من الفحم الكامد، يتوهج كلَّما مر عليه الزمان، وهكذا الجواهر الأصيلة، أصالتها تزداد بمرور الأيام.
لم يجمعني -وهذا الأسمر طويل القامة، باذخ الجبهة- همُّ العمل الواحد فحسب، فمن قبل العمل جمعتنا صداقة متينة، ما شابتها يوماً شائبة، وأذكر كيف أخرج لي عدداً من الدرامات الإذاعية، لعلَّ أهمَّها تلك التي أعددتها بنفسي عن روايتي «وردة الصباح» وأُذيعت مرَّات من إذاعة لندن العربية، وتلك التي أعدَّها بنفسه عن الرِّواية نفسها، وأذيعت من إذاعة دمشق. بل أن داوود نهض بمهام أكبر من إخراج الدرامات للإذاعة، ومنها برامجه التي لخص فيها نتاجات الأدباء. فكانت أشبه ما تكون بمسيرات حياة في شرائط مسموعة. وإذا ما رُمنا عرض كلِّ فعل إبداعي من أفعال داوود في ميدانه.. لاحتجنا إلى جهد كبير وورق كثير. حسبنا القول: إنه كان نابغة في هذا الميدان، وجاء بما لم يستطعه الأوائل، وما أظنُّ أن أحداً في العقد القادم سيجاريه في عطائه الثَّر، وهمته التي كانت سبباً في توهُّجه وانطفائه معاً».
محطة أخرى جمعت بين والدي والمبدع الدمشقي المتعدد المواهب، وهي مشاركة الوالد في مسلسل «وضاح اليمن»، الذي كتبه (أبو شنب) بطلب من الحكومة اليمنية، وقام بإخراجه الفنان الكبير المخضرم الأستاذ علاء الدين كوكش (أطال الله في عمره)، ولمسلسل «وضاح اليمن» حكاية أخرى، فبعد ثورة اليمن وقيام النظام الجمهوري، أسس التلفزيون اليمني في صنعاء، وجند له عاملين جلبوا من الدول العربية، ومن بينهم مخرجون سوريون، كعلاء الدين كوكش، ولطفي لطفي، وفي إحدى زيارات الأستاذ علاء إلى دمشق، خطر في بال (أبو شنب) فكرة وتساءل: لماذا لا يبدأ التلفزيون اليمني أعماله الدرامية، بعمل يرسخ اسم اليمن؟ فاقترح اسم (وضاح اليمن) الشاعر الذي عاش في العصر الأموي، وتغزل بأم البنين زوج الخليفة عبد الملك بن مروان.
واتفق مع التلفزيون اليمني على إنتاج المسلسل، لكن الأمر لم يكن سهلاً، فقد طلبت هيئة علماء اليمن أن تقرأ النص قبل إجازته، وجهز الأستاذ علاء نفسه لإخراج المسلسل الذي عدّ أول عمل درامي يخرج في استديوهات صنعاء التلفزيونية، ولكن بطاقم ممثلين سوريين، إلى جانب ممثلين يمنيين. واختيرت الممثلة منى واصف لأداء دور (أم البنين) والممثلة الراحلة ملك سكر لأداء دور (روضة) حبيبة وضاح، واختير طلحت حمدي للقيام بدور (الشاعر المقنع)، الفاتك بقلوب العذارى، وقد أدى فيه المرحوم داوود يعقوب أحد الأدوار الرئيسية، وكانت هذه المشاركة واحدة من ثلاث مشاركات له في الدراما التلفزيونية، حيث مثّل إضافة إلى مسلسل و«وضاح اليمن»، في مسلسلين هما: «أم عمارة»، و«المواسم». وعندما نتحدث عن أعمال عادل أبو شنب التلفزيونية لا يمكن لنا أن ننسى عمله الرائع «حكاية حارة القصر»، الذي يعد من أهم الأعمال السورية باعتباره المسلسل السوري الأول الذي ينتجه التلفزيون المحلي عام 1970م، وهو من إخراج علاء الدين كوكش وبطولة: يوسف حنا، مها الصالح، سليم كلاس، محمد خير حلواني، هاني الروماني، ثناء دبسي وفايزة الشاويش. وقد كانت تعرض حلقة مرة واحدة في الأسبوع، وكان (أبو شنب) يكتب الحلقة الجديدة بعد عرض سابقتها، لتخرج وتنفذ وتبث بعد أسبوع، بمعنى أن هذه الكتابة لم يكن مخططاً لها. وقد تقصد الكاتب طرح سؤال ذي جوائز بعد كل حلقة مثل: من قتل أبو ممدوح؟ فكانت الرسائل تصله أسبوعياً بالآلاف، من أنحاء سورية والأردن وجنوب تركيا، يذكر الكاتب الراحل مرة أنه عندما نهض لقراءة الأجوبة وجد أمامه في صالون بيته كومة من الرسائل لدرجة يتعذر المشي فيه، وقدّر أن أكثر من مئتي ألف رسالة وصلته.
كذلك كتب الراحل مسلسلات «فوزية»، و«هذا الرجل في خطر»، و«العرس الأكبر»، و«الزاحفون»، إضافة إلى «يوميات أبو عنتر» الذي نال جائزة في مهرجان القاهرة. وفي الدراما الإذاعية كان للراحل الكبير بصمات سيخلدها الزمن، حيث حقق عدة مسلسلات إذاعية بدأها بـ«بطولات مجهولة» عام 1955م بأداء فرقة مصرية مؤلفة من سناء جميل، أمينة رزق وشكري سرحان. كما كتب لإذاعة لندن ثلاثة مسلسلات هي «الزير سالم»، و«حمزة البهلوان»، و«وردة الصباح»، وكتب أيضاً لإذاعة الكويت وإذاعة الحرس الوطني السعودية «أشهر الحضارات في التاريخ» في سلسلة امتدت إلى 150 حلقة.
كما ساهم (أبو شنب) في كتابة مسلسل الأطفال الكويتي «افتح يا سمسم»، وكتب للتلفزيون الكويتي عدة نصوص منها مسلسل «ديرتنا» وكان مسلسلاً منفصلاً متصلاً يحاكي البيئة الكويتية.