2013/05/29
تشرين – فنون
جاءت «المؤسسة العامة للسينما» في بدايات ستينيات القرن الماضي، في ظل غياب الإنتاج السينمائي الخاص، لتصبح منذ ذلك الحين في مقدمة الأطراف المعنية في سورية بالشأن السينمائي العام.
رغم انجاز «مؤسسة السينما» عدداً مهماً من الأفلام الروائية السورية في العام الماضي، والإعلان عن برمجة إنتاج عدة مشروعات سينمائية روائية طويلة هذا العام، رغم ذلك نلاحظ أن الخطة الإنتاجية للعام الحالي لم تول سينما الأفلام القصيرة الأهمية التي تستحق، وذلك استناداً لرؤية القائمين على تسيير شؤون «المؤسسة».
إذ يرى الناقد محمد الأحمد (المدير العام للمؤسسة العامة للسينما)، أن «الفيلم القصير ينبغي ألا تنتجه المؤسسة، وإنما أن ترعاه إنتاجياً»، معللاً ذلك بقوله: «في كل الدنيا المؤسسة الرسمية ترعى ولا تُنتج».
ووفقاً للمكتب الإعلامي لـ«المؤسسة»، فقد «تقرر إنتاج الأفلام العشرة قبل انقضاء العام الحالي، وقريباً سينطلق تصوير ثلاثة أعمال دفعة واحدة. كما تأكد لدى المؤسسة العامة للسينما أن مشروع دعم سينما الشباب، سيتابع مسيرته للعام 2013م بتطور لافت، كونه سيدعم في العام القادم (25) فيلماً قصيراً من النصوص التي ستقدم إلى اللجنة المختصة لدى المؤسسة العامة للسينما خلال الفترة ما بين الأول من شهر أيلول الماضي وحتى نهاية العام».
وانطلاقاً من رؤية «المؤسسة العامة للسينما» الخاصة بدعم المواهب السينمائية الشابة، فقد أحدثت ضمنها - وأول مرة في تاريخها، في شهر نيسان الماضي «وحدة دعم السينما الشابة»، والتي ستقع على كاهلها مهمة دعم مواهب الإخراج السينمائي الشابة التي لم تتلق تعليماً أكاديمياً، وليست مصنفة في «نقابة الفنانين»، حيث تستمد هذه الوحدة تمويلها من الاعتمادات المخصصة للإنتاج السينمائي في المؤسسة.
وقد ارتأت الإدارة العامة للمؤسسة فيما سميَّ (محضر شؤون الإنتاج رقم (3) لعام 2012م) أن الأفلام التي تندرج تحت أحكام هذا المشروع «دعم سينما الشباب» هي: «الأفلام القصيرة التي لا تتجاوز مدة الواحد منها (15) دقيقة. وأن تكون مدة تنفيذ الفيلم حسب مقتضيات العمل، على ألا تتجاوز مدة العمليات الفنية (30) يوماً بما فيها مرحلة المونتاج».
وكان أن تم في الثاني من الشهر الماضي الإعلان عن أسماء الكتّاب والنصوص التي وقع عليها الاختيار من قبل لجنة مختصة، لدعمها ضمن إطار المشروع، والتي بلغ عددها عشرة نصوص، وقع عليها الاختيار من بين (37) نصاً. وفيما يلي أسماء الفائزين وعناوين نصوصهم: (سمارة المصري: «صرخة في عمريت»، وعلي وجيه: «دوران»، وأيهم غسان سلمان: «حلقة مفرغة»، وأمجد السوسي: «بحبك بابا بحبك ماما»، ونادين الهبل: «عشر دقائق بعد الولادة»، ولمى العبد المجيد: «أحلى من الـ G ولـ»، وسارة فتاحي: «ستي حسونه»، وسيمون صفية: «ليش!!؟»، ومحمود إدريس: «رأساً على عقب»، ووسيم قشلان «ot Sure I Understand».
ويُعدّ الفيلم «صور الذاكرة»، والذي يذكر خطأً بـ«حارة سد»، من سيناريو وإخراج غطفان غنوم، باكورة الخطة الإنتاجية للأفلام القصيرة لـ «المؤسسة العامة للسينما» للعام 2012م.
غطفـــــان غنـــــــوم: الفيـــــــــلم القصـــــير ضـــــروري لاختبــــار مقدرة المخرج الفنية
في حوارنا مع المخرج الشاب غطفان غنوم أكد لنا أن اسم الفيلم هو«صور الذاكرة» وليس «حارة سد».. مضيفاً: «لقد تمت تسمية الفيلم بـ«صور الذاكرة» منذ البداية. والتسمية الثانية كانت نتيجة التباس حصل أثناء التصوير في حارة دمشقية مسدودة ومكتوب على أحد جدرانها (حارة سد)».
وتابع (غنوم): «لقد تمت الموافقة على السيناريو منذ فترة.. وبدعم من «المؤسسة العامة للسينما» انطلقت عمليات التصوير من دون أي مشكلات أو عوائق.
ويحكي الفيلم قصة شاب يدعى سرور الممثل (معتصم النهار) يتعرف في إحدى الليالي مصادفة على فرحان (عدنان عبد الجليل) في أحد شوارع مدينة دمشق القديمة، ويقرران أن يقضيا الليلة متجولين في شوارع المدينة حتى الصباح.
وبذلك تصبح المدينة مشاركاً أساسياً بوصفها بطلاً في الفيلم.
ومن خلال حالة شاعرية وبوح للشخصيات نتعرف على قصة كل منهما.
الفيلم يتطرق إلى فكرة السعادة المستترة في الحياة عن البشر.
السعادة الموجودة في التفاصيل المحيطة بكل شيء حولنا والتي قد تكون غائبة عنا بسبب الضغوط التي نعيشها كبشر، حتى إن الموت قد يكون جزءاً من الحياة وحلاً..».
وبسؤاله عن رأيه فيما يراه البعض من أن الفيلم القصير ليس إلا تجربة يخوضها المخرج للمرور إلى عالم الأفلام الروائية الطويلة، وكأنه ليس فناً قائماً بذاته؟
أجاب: «من المؤكد أن أي مخرج سينمائي يطمح إلى أن ينجز فيلماً سينمائيا طويلاً..
لأن الفيلم الطويل يتيح للمخرج إمكانية أن يطلق العنان واسعاً لنفسه في طرح ما يريد أن يطرحه براحة تامة.. لكن هذا لا يعني أن الفيلم القصير لا يمتلك صفات الفيلم بوصفه فيلماً، بل إنه يمتلك كل خواص الفيلم الطويل، وقد يحتاج مهارة وقدرة إخراجية تفوق القدرة التي قد يحتاجها فيلم طويل في بعض الأحيان.
من الناحية الموضوعية: يجب أن يتاح للمخرج السوري أن ينجز فيلماً قصيراً لكي يأخذ فرصته في إخراج فيلم طويل.. واعتقد بأن هذا من حق أي جهة منتجة، فهي تريد اختبار مقدرة المخرج الفنية. يبقى أن نتمنى أن يكون الإنتاج السينمائي غزيراً على صعيد الأفلام القصيرة والطويلة».
وماذا عن تجربتك مع «المؤسسة العامة للسينما»؟ وعن الدعم الذي تلقيته كمبدع شاب؟ وما الصعوبات التي يواجهها المخرجون الشباب من خلال تجربتك الشخصية؟
«المؤسسة العامة للسينما هي مؤسسة تخضع للشرط الثقافي الفني السوري العام.. بالنسبة لي وللأمانة فقد كان الدعم الذي تلقيته كافياً ووافياً ضمن الإمكانات المتاحة مادياً.. وأكثر من ذلك معنوياً.. سواء من الإدارة العامة ممثلة بالمدير العام السيد محمد الأحمد مروراً بمديرية شؤون الإنتاج ممثلة بمديرها مراد شاهين..
ولكن الصعوبات التي قد تعترض المخرج قد تخرج عن نطاق المؤسسة.
فكما تعلم.. السينما فن يعتمد على مقاربة الحقيقة.. من هنا يجب أن يتم دعم السينما في سورية بتسهيل عمل المؤسسة نفسها مع بقية الوزارات والمؤسسات والمرافق وألا تكون المنغصات عائقاً أمام انكماش الخيار الفني للمخرج. ويبقى أن نشير إلى أن العمل الإخراجي السينمائي عمل يستوجب الاستمرارية كأي مهنة. وقد تشحذ مهارات المخرج من خلال اكتسابه الخبرة العملية مع الكاميرا والممثلين.. هذا يحيلنا إلى قضية إتاحة الفرص أمام المخرجين بشكل مستمر. ومن منطلق أن السينما تحتاج إلى هامش حقيقي من الحرية والتعبير، فإنني أقول للأمانة إني لم أتعرض لأي انتقاص من حريتي أثناء عملي على الفيلم.. وأرجو أن تكون هذه حالة عامة ودائمة ومعممة مع كل مخرج.
بالنسبة لي: أنا لست موظفاً في المؤسسة العامة للسينما لأنني درست الإخراج على نفقتي الخاصة.. وهذه مشكلة أخرى نعانيها.. ولكنني أتمنى أن تتحسن الظروف المواتية حقاً للارتقاء بهذا الفن العظيم».
دعم المواهب النسائية الشابة
من اللافت للنظر في مشروع «دعم سينما الشباب» أنه أتاح الفرصة لظهور عدد من المواهب النسائية الشابة في مجال الإخراج والكتابة، (أربع كاتبات من أصل عشرة أسماء فازت نصوصهم في المرحلة الأولى).
وفي أول تجربة إخراجية لها، تستعد المخرجة غادة زغبور لتصوير فيلم «صرخة في عمريت»، سيناريو سمارة المصري، والفيلم يعد (ديكودراما)، وهو مزيج يجمع بين شخصيات حقيقية تعيش في المنطقة وباحث ومكتشف لعدة مناطق من «عمريت»، حيث سيسلط الضوء على جمالية المنطقة بتفاصيلها المعمارية وما تعانيه من إهمال لآثارها التي تتعرض للتعديات، إضافة لشخصيات تتنقل بين زواياها في خط درامي وضمن حبكة تنساب مع السياق الوثائقي في صرخة تمتد في أصقاع الزمن موجعة في دويها.
وعن سبب اختيارها أن يكون فيلمها من النوع الوثائقي، ذكرت (زغبور) في تصريح لها: لدي شغف بالأفلام الوثائقية ولاسيما التاريخية، ولأننا نمر حالياً فيما يمكن عدّه «أزمة هوية» ضمن حرب إلغاء الحاضر والماضي، لذلك فنحن أحوج ما نكون للتعريف بهويتنا وتسويقها عالمياً، لنتذكر وليتذكروا من نحن ولنبقى في الذاكرة بأننا نحن قد مررنا من هنا.