2012/07/04
ابراهيم العريس - دار الحياة
أكثر من عقدين يفصلان بين الصـورتين المتلفزتين صورة الديكتاتور الروماني تشاوشيسكو وهو ينظر بدهشة الى الجمهور المندد به في واحدة من لحظاته
الأخيرة، وصورة نظيره الليبي وهو يتحدث أمام الكاميرا، مهدداً ما لا يقل عن نصف شعبه بالإعدام والإبادة. وخلال حقبة العقدين، نعرف أن الكاميرا التلفزيونية
رصدت الكثير من اللحظات الأخيرة المماثلة لحكام وديكتاتوريين يمثلون أمامها لمرة أخيرة، كحكام على الأقل. ولعل الأبرز منها، كيلا نعود الى سنوات بعيدة،
صورة زين العابدين بن علي، ثم صورة نظيره المصري حسني مبارك. وربما أيضاً صورة لصدام حسين وهو ينظر الى الكاميرا لمرة أخيرة
طبعاً لا يتسع هذا المجال هنا لتحليل كامل سيكولوجي وربما أخلاقي أيضاً، لهذه الصور المتحركة الأخيرة في حياة - أو حكم - هؤلاء الناس. ولكن بعد أن
نؤكد انها في حد ذاتها لحظات انعطافية ساحرة ومفرحة في حياة الشعوب، حتى وإن لم تكن هذه الشعوب دائماً في خلفية وصول طغاتها الى لحظتهم
الأخيرة تلك، نجدنا متسائلين عما كان يدور في خلد هؤلاء الطغاة في تلك اللحظة وقد فوجئ كل منهم بأن نهاية ما قد حلّت وسترمي به، إما الى مزبلة
التاريخ وإما الى النسيان؟
ليس سهلاً لأي أمرئ ان يخمن على وجه اليقين، وحتى ان يقارن بين دهشة عارمة استبدت بتشاوشيسكو، وجشع لاح في نظرات بن علي، ورغبة في
كرامة أخيرة بدت على محيا الحاكم الأكثر فساداً بين الجميع، حتى وإن لم يكن في الإمكان اعتباره ديكتاتورياً دموياً مثلهم، حسني مبارك. ومع هذا قد يكون
في امكاننا تفسير دهشة الديكتاتور الروماني من نظرته التي «خلدتها» الكاميرا، وجشع نظرة بن علي الذي قد يكون لحظتها يفكر بكيف يُخرج من تونس
أكبر كمية ممكنة من المال والمجوهرات (ونظن انه، تبعاً لصورة تلفزيونية أخرى بُثّت لاحقاً، عجز عن ذلك)، طالما انه بات على يقين من نهايته. أما حسني
مبارك، الذي سيذكر له التاريخ، الى جانب فساده المطلق، حرصه على ألاّ يلطخ يديه في دماء المصريين، فإنه حاول أن يتماسك حتى اللحظة الأخيرة ليبدو
رجل دستور وقانون (وهذه، على أية حال، تقاليد مصرية راسخة، ستعمل يوماً بالتأكيد لمصلحة ذكرى مبارك، مهما كان رأينا فيه
أما القذافي فكان شيئاً آخر تماماً: بدا على الشاشة دموياً، حاقداً، شكسبيرياً بامتياز. بدا تماماً - مساء أول من أمس، في خطبته التي يأمل شعب ليبيا ان
تكون الأخيرة - مصرّاً على عجزه عن فهم العالم، وإجرامه حتى النهاية. غير ان ما يستوقف أكثر في أداء القذافي في خطابه، هو لحظات الصمت. لحظات
طويلة مكثفة، ربما ستشتغل أقلام كثيرة ذات يوم لتفسيرها... ومنّا هنا، محاولة - نرجو ألا تعتبر خبيثة -: في لحظته «الأخيرة» تلك، وفي لحظات الصمت،
ربما كان القذافي يفكر مندهشاً وقد استعادت ذاكرته ما يقوله ويكتبه الإعلام العربي الآن: ما لهؤلاء انقلبوا عليّ وكنت مموّلهم وسيدهم الآمر الناهي ذات
يوم. أنا لم أتغير (ومعه حق في هذا، فهو كان دائماً ديكتاتوراً دموياً قاتلاً ولا يزال)، فلماذا تغيروا هم؟ كيف انقلبوا عليّ بين ليلة وضحاها، ولا تزال أموالي (لا
يقول المسروقة من الشعب الليبي) في خزائنهم لم تنفد بعد؟ تساؤل القذافي هذا، كان سبقه الى مثله على أية حال، نظيره صدام حسين... وكذلك،
على الأرجح، في لحظته الأخيرة