2012/07/04
تشرين – فنون
استطاع الفنان الكبير الراحل «خالد تاجا» ان يكرس نفسه في كل أنواع الدراما التلفزيونية السورية (اجتماعي، كوميدي، تاريخي، بيئة شامية....) وحافظ على المستوى العالي نفسه في كل أعماله،
ويمكننا القول: إن «تاجا» استطاع أن يحقق حضوراً خاصاً في الأدوار الكوميدية، في الأعمال القليلة نسبياً التي شارك فيها، نذكر منها «يوميات مدير عام -الجزء الأول، دنيا، أيام الولدنة، حارة على الهوا..».. بالرغم من قلة الأدوار الكوميدية التي أوكلت إلى هذا الفنان الكبير إذا ما قورنت بكم الأدوار الاجتماعية التي لعبها، استطاع الفنان «خالد تاجا» أن يدرك لعبة الكوميديا، ويتقن لعب الشخصيات الكوميدية معبراً من خلالها عن أدواته كممثل لا يصعب عليه أداء أي نوع من أنواع الدراما، ولعل أكثر ما يميز الأداء الكوميدي الجيد هو العفوية في تأدية أدوار الكوميديا، هذه العفوية التي امتلكها «تاجا» في دوره في مسلسل «يوميات مدير عام- الجزء الأول» من إخراج هشام شربتجي، حيث نلحظ أن «تاجا» أدى دور «ممدوح، مساعد المدير العام» بعفوية الطفل الذي يعيش في داخله، عفوية تلقائية غير متكلفة تظهر من خلال شغل «تاجا» على إظهار كركترات غير متكلفة قادرة على إثارة الضحك، إضافة إلى تخديم الكركتر الخارجي للشخصية في خدمة فكرة الكوميديا، فقد استطاع «خالد تاجا»في «مدير عام» ان يستفيد من طول قامته، فنراه يرتدي البنطال ويرفعه إلى منتصف بطنه ويمشي بارزاً بطنه إلى الأمام، وينظر إلى الخلف ما يجعله يرتطم بكل الأبواب التي أمامه، كما يرتدي نظارات طبية تغطي عينيه، لا ينفك عن إنزالها بإصبعه والنظر من فوقها متلصصاً، بذلك استطاع الفنان الراحل ان يكوّن شكلاً كاريكاتورياً لشخصيته، استطاع عن طريقه إضحاك المشاهدين من دون الاعتماد على الشكل التهريجي في رسم الشخصية، هذا من ناحية الشكل الخارجي لـ«ممدوح»، أما عن الجانب الداخلي له، فإن الفنان خالد تاجا، وعبر الأدوار التي أداها في مسيرته الفنية، أثبت أنه قادر على الولوج إلى دواخل الشخصية التي يلعبها، والوصول إلى مرحلة التعايش مع الشخصية، فـ«ممدوح، نائب المدير العام» الفاسد المتميز بطمعه وجشعه، يعبر عنه «تاجا» بشكل كوميدي من خلال التهامه الطعام بشراهة ومن دون توفير أي قطعة حلوى تقع عليها يده، فنرى تاجا في المسلسل يلتهم قطع الحلوى والسكاكر بشكل شبه يومي ومن دون أن يقيم اعتباراً للمكان الذي يلتهم الطعام فيه، سواء كان في مكتب المدير أو مكتبه أو في باحة المديرية التي يعمل فيها، معبرا بذلك عن طمع الشخصية وميلها نحو التهام كل ما تيسر لها من دون أي اعتبار. أما عن شخصية «أبو رامي» في مسلسل «دنيا» إخراج عبد الغني بلاط، فنستنتج من خلال أداء تاجا لهذه الشخصية، أن الراحل كان يمتلك ثقافة عالية إضافة لموهبة فذة في التمثيل، مكنته من التقاط الفرق بين التهريج والإضحاك، فشخصية «أبو رامي»، شخصية ضحلة من الناحية النفسية، كونها شخصية يقتصر دوافع الفعل لديها على الفضول فقط، لكن هذا الاضمحلال على الصعيد الداخلي، لم يمنع «تاجا» من فتح آفاق لشخصية «أبو رامي» وتجسيد هذا الفضول بشكل كاريكاتوري، فمن ناحية الحركة عمل «تاجا» على مجموعة من الحركات تعبر عن كم الفضول لدى «أبو رامي»، منها تلصصه الدائم ومراقبته لتحركات «دنيا»، حيث ينظر إليها من خلف الأبواب والجدران رافعا قدمه إلى الأعلى بشكل اطرادي مع إنزال رأسه إلى الأسفل، كما كرر تاجا حركة النظر من فوق النظارات التي كان يقوم بها في «مدير عام».
تجسد في مسلسل «أيام الولدنة» فهم تاجا للكوميديا، وعلمه في خصوصية الدور الذي يؤديه، إذ إن الشخصية التي أداها تاجا في «أيام الولدنة» هي شخصية كبيرة في السن وهذا ما يلزمها، أي الشخصية، ألا تكون حركاتها مرنة تتناقض مع عمرها، وهنا تبين فهم تاجا للضرورات الحركية التي تقيد أداءه، فهو لم يعتمد كما في دنيا ويوميات مدير عام على الجانب الحركي في الإضحاك، المتمثل بالحركات السالفة الذكر، بل اتجه نحو الشغل على أكثر من كاريزما واحدة، فنراه يتنكر للدخول إلى حمام النساء، كما يقوم بحركات مراهق مغرم، وذلك أثناء حبه لـ«سلمى المصري»» فينتظرها تحت شرفة منزلها، ويغني لها معبراً عن حبه، لكن ما ميز تلك المواقف هو ان «خالد تاجا» وسم تلك المواقف بحركات هرم يحاول أن يقارب عمر الولدنة، لكن يوقفه عن ذلك كبر سنه، فلا يستطيع الجري بسرعة هاربا من هذا الموقف أو ذاك، ولا يستطيع مهما حاول ان يمتلك جسد الشاب الذي كانه قبل عشرات السنين.
كان «خالد تاجا» خير مثال على الممثل الذي يدرك الشخصية الكوميدية التي يلعبها، ويدخل الى تفاصيلها الداخلية، لكي يقدمها للمشاهدين كشخصية كوميدية قادرة على الإضحاك من دون الاعتماد على التهريج، والظهور بشكل مبتذل، ولعل هذا العرض البانورامي لمجموعة من أدواره الكوميدية، يؤكد ان الدراما التلفزيونية السورية خسرت فناناً كان سيقدم أكثر للكوميديا لو فسح المجال أمامه بشكل أوسع.