2013/06/21
لؤي ماجد سليمان – تشرين
مع العلم المسبق عند صناع الدراما أن فن الكوميديا يرتكز بصفة عامة على التناقضات التي نعيشها, سواء من حيث الشكل والمضمون, القاعدة و الاستثناء, الحياة والموت, الأقوى والأضعف, وضع الأسود بمواجهة الأبيض,
إلا أننا نجدهم عاجزين أمام الأنماط الجديدة التي يخلقها الإنسان وتتطور بحكم تطوره الاجتماعي, وتغير موازين القيم والأعراف السائدة, إذ نجد أن الأعمال الجديدة تسقط في فخ التهريج والهزل, و يقع بعضها في فخ التجسيم الذي يصل إلى درجة المبالغة, فيبرز التناقض المخالف للوضع الكوميدي الطبيعي, فبدل البحث عن مواقف وحبكات تظهر الشخصية, يبدأ المخرج بدس كركترات بليدة بأنف المتلقي ويضع الشخص عوضاً عن الشخصية موضوعاً للضحك والسخرية, كأنه لا يدرك أن أحد وظائف الكوميديا كشف العيوب في الشخصية لا الشخص, والفرق كبير بين أن يسكن الفنان الشخصية وتكون متغيرة بين عمل وعمل, وبين الشخصية المسكون بها الفنان الكوميدي وهي واحدة لا تتغير.
لدرجة أن بعض الأعمال الكوميدية السورية بدأت تزيد حالة التوتر لدى المتلقي إلى حد النفور بسبب ما تقدمه من حركات مكررة, وسباب, وتلطيش وأزياء متنافرة, ومساحيق الضحك التي تدس في العمل, إضافة للشقلبات البعيدة عن التجسيد الإبداعي وفي أغلب الأحيان تصل إلى الاستعانة بأشكال ذات صفات خاصة لتجسد شخصيتها ذاتها كشخصيات للعمل الكوميدي فتحولهم الكوميديا إلى مهرجين بأنوف حمراء, ولم يبق إلا الاستعانة «بغاز أوكسيد النيتروز» المعروف بغاز الضحك, بعد أن استعانوا برجل بدين ليجسد دور طفل في الروضة يقوم بالبكاء في مسلسل «كلشي ماشي» أو الصهر البدين لمدام عفورة الذي لا يستطيع الدخول من الباب في كل مشهد في «عائلة الثمانية نجوم» والقزم الذي يقفز ليضع الرسالة في صندوق البريد في كل حلقة في السلسلة ذاتها والتلطيش الذي تؤديه شخصية أبو ليلى المهرج, واللعب بالألفاظ الذي يؤديه عماد الحشاش في مسلسل «أبو جانتي»... نعم المتلقي السطحي يضحك لكن على الشخص لا الشخصية , ويحول المؤدي من كوميديان إلى مهرج فج هزلي, ولو بحثنا عن المواقف الكوميدية أو المضحكة في بعض الأعمال الكوميدية التي قدمتها الدراما السورية مثل «سيت كاز, صايعين ضايعين, حياتي بناتي, كمون وليمون, حارة الطنابر» لوقعنا في خيبة أمل مضحكة على كل المستويات, وصدمتنا النظرة السطحية و التهريج والإسفاف والابتذال.
هناك شخصيات كثيرة في الدراما استطاعت إنتاج نفسها كوميدياً بأقنعة متميزة بعيدة عن الابتذال والتهريج والتظارف و التساخف والسوقية كشخصيات صح النوم وملح وسكر, التي لم تعتمد على الشكل الجسماني «القصر, الطول, الأنف الكبير, الكرش, أو الاحدداب في الظهر» بل اعتمدت على القول والفعل والحركة وموهبة الذكاء الفطري من دون أن تنتقي أشخاصاً بأنوف طويلة و بمواصفات معينة كأن تكون بدينة, أو قزمة كما ذكرنا لتجعلها هدفاً للضحك. بالطبع الهدف في النهاية هو الوصول إلى الجمهور واستثارته, لكن ليس بأي وسيلة, هناك مهارة ما غائبة, أو كوميديا لم تستطع استغلال كل العناصر المتاحة لها للتعبير عن الفكرة, أو اغناء الشخصية بالتفاصيل والأفعال الدرامية المضحكة التي تعتمد على الموقف لا على الشكل,والثرثرة الفارغة, أو ما تريد إيصاله للمتلقي سواء بالفكرة أو الموقف أو الشخصية أو النص, هل علينا أن نذكر كتاب ومخرجي الأعمال الدرامية الكوميدية أن النكتة في المقام الأول هي نشاط لفظي شفهي إرادي يقصد من ورائه إحداث أثر سار لدى المتلقي, ولها وظائف نفسية تتعلق بالفرد, واجتماعية تتعلق بالمجتمع, لا ينبغي أن تكون عدائية بشكل من الأشكال أو تعتمد على النقائص الجسدية أو الجروتسكية أو التحقير الفكاهي, نحن بدورنا نحترم ونقدر رغبتهم في إسعاد المجتمع من خلال أعمالهم الكوميدية لكن عليهم أن يحترموا المجتمع ولا يحولوا بعض الأشكال و الأمراض أو أصحاب الحاجات إلى مواد لإضحاك من بقي يتابعهم من أفراد المجتمع وجمهور المشاهدين, لا نطالب القيمين على صناع الكوميديا التعرف إلى شكسبير أو مسرحية «السلام» لارستوفان, لكن على الأقل حضور مسرحيات الماغوط وحمام الهنا وصح النوم.