الكـــاتب محمــد الــــزيــد: المرأة في زمن البرغوت مختلفة.. والجزء الثاني فيه مفاجآت كثيرة

"أنا راض عن العمل رضى الكاتب والمشاهد، رضى الكاتب لأن ما شاهدته قارب كثيراً النص المكتوب، ورضى

المشاهد لأن المشاهد هو الناقد الأساسي للعمل الفني، وحقق المسلسل نجاحاً جماهيرياً وأيضاً نجاحاً نقدياً، إذ حصد

الجائزة الذهبية مؤخراً في القاهرة في المونديال الأول للإذاعة والتلفزيون للمنتجين العرب".

روزالين الجندي – البعث

>زمن البرغوت هذا العمل الذي أخذنا معه في جزئه الأول إلى زمن الاحتلال العثماني وزمن البرغوت، وأدخلنا في تفاصيل حياة الناس في تلك الفترة من خلال سكان حارة عياش في الميدان، وعلاقة سكان هذه الحارة بريف دمشق، شاهدنا عوائل عايشنا همومهم ومشاكلهم مثل عائلة أبي وضاح، وأبي أدهم، وتعرفنا على أبي نجيب، هذه الشخصية التي ذكرتنا ببخلاء الجاحظ، وغيرها من الشخصيات التي جسدتها نخبة من نجوم الدراما السورية أمثال أيمن زيدان، رشيد عساف، سلوم حداد، عبد الهادي صباغ، علي كريم وآخرين، والتي استطاعت أن تمتعنا بعوالمها التي قدمتها على مدى ثلاثين حلقة، كما استطاعت أن تنال الجائزة الذهبية في المونديال الأول للإذاعة والتلفزيون في القاهرة للمنتجين العرب، بالموازاة مع كافة عناصر العمل الأخرى من إخراج على يد المخرج أحمد إبراهيم أحمد، ونص قدمه الكاتب محمد الزيد في أولى تجاربه الدرامية، واليوم بعد أن دخل العمل في جزئه الثاني مراحل متقدمة في التصوير مع أخبار عديدة حول انسحاب بعض أبطال العمل وحلول نجوم جدد مكانهم، ما هي حقيقة الوضع بالنسبة للتشكيلة النهائية للعمل؟ وماذا عن جديد الجزء الثاني للعمل والمفاجآت التي يحملها؟ وإلى أي مدى قارب ما شاهدناه على الشاشة النص الأصلي؟..

< هل هذا يعني أنه لم تكن لك أية ملاحظات عليه بعد مشاهدته عملاً من لحم ودم على الشاشة ؟.

<<  بالطبع لا ..  هناك بعض الملاحظات التي لا يخلو منها أي عمل درامي .. والمتعلقة بحذف بعض مشاهد العمل والتي أدت لحالة تشويش لدى المشاهد كتلك المتعلقة بعلاقة شاهر بأم أدهم التي تحولت من سلبية إلى إيجابية بشكل مفاجىء.

< هذا الحذف تم بالحلقات الأخيرة من العمل أليس كذلك، كيف تفسره ؟.

<< بسبب ضيق الوقت، لأن العمل امتد تصويره إلى ما  قبل شهر رمضان بأيام قليلة، وهذا يعني أن التنفيذ كان مرهوناً بالوقت، بالإضافة إلى بعض المشاهد الليلية التي بدت إضاءتها معتمة، إلاّ أن المخرج أحمد برر ذلك بأن تلك الفترة اعتمدت على إضاءة الفانوس والسراج، وهو حاول الاقتراب من طبيعة تلك الفترة بذلك النوع من الإضاءة.

< إلى أي مدى اشتغلت مع المخرج على تفاصيل المشاهد الدرامية؟.

<< قمنا بتعميق بعض المشاهد الدرامية، وتفعيل أدوار بعض الفنانين في بعض المشاهد التي ارتأينا أنها بحاجة إلى تفعيل، وخصوصاً الشخصيات الرئيسية، مثل  شخصية رشيد عساف "أبو أدهم"، حيث إن هنالك بعض المشاهد لم تكن له مشاركة توازي مكانته الاجتماعية فقمنا بتفعيل  وجوده في تلك المشاهد.

< وبالنسبة للاشتغال مع الممثل على تعميق المشهد أثناء التصوير؟.

<< المخرج أحمد إبراهيم أحمد يفضل عدم تدخل الكاتب في تفاصيل تنفيذ المشهد أو إبداء ملاحظات  كالمتعلقة بحركة الممثل أو بلباسه أو بأي شيء آخر، لأنه يرى بأن المخرج عند التصوير هو سيد الموقف، ويفضل عدم تدخل أحد لكي لا يحدث أي خلل بالرؤية التي أقرها للعمل وربما يكون محقاً بذلك.

< وماذا بخصوص الممثلة الجزائرية أمل بوشوشة؟.

<< كانت متخوفة من أداء اللهجة ونصحتها بمرافقة سيدة دمشقية، ومتابعة بعض أعمال البيئة الشامية لتتمرن على أداء اللهجة بشكل جيد، وأعتقد أنها بذلت مجهوداً في أداء الشخصية تحسب لها، واستطاعت في معظم المشاهد أن تعطي ما هو مطلوب منها.

< كيف تفسر غيابها إذاً عن الجزء الثاني؟.

<< سمعت وقرأت بعض الملاحظات تشير لعدم قناعة بعض المشاهدين والنقاد بفنانة جزائرية تؤدي دور فتاة شامية، وخصوصاً أن الوسط الفني السوري غني بالمواهب والنجوم، وارتأى هؤلاء أنه من باب أولى أن يسند هذا الدور إلى إحدى نجمات الدراما السورية، وهذا ما حصل فعلاً حيث حلت الفنانة قمر خلف في دور رويدة وهي فنانة مميزة وأعتقد أنها ستضيف للشخصية الكثير.

< هذا بخصوص قمر خلف، ماذا بخصوص الفنانين الجدد في الجزء الثاني، والذين حلّوا في أدوار اعتذر عنها نجوم آخرون؟.

<< هنالك عدد من الفنانين النجوم الذين رأيناهم في الجزء الأول اعتذروا عن الاستمرار في الجزء الثاني لأسباب خاصة، كارتباط البعض بأعمال خارج القطر، فتم انتقاء فنانين ليكملوا مسيرة زمن البرغوت، مثل الفنان سليم صبري الذي حلّ مكان الفنان أيمن زيدان في دور أبي وضاح، والفنان جهاد سعد محل الفنان عبد الهادي صباغ، والفنان سعد مينة في الشخصية التي أداها قيس الشيخ نجيب.

< كثيراً ما نسمع شكاوى من الكتاب بعدم أخذ رأيهم باختيار الممثلين رغم معرفتهم العميقة بالشخصيات المتواجدة في العمل، على اعتبار أبوتهم لها إذا صح القول، كيف هو الحال معك في زمن البرغوت؟.

<< من المفروض أن يكون الكاتب شريكاً في اختيار الممثلين، وخصوصاً النجوم في الأدوار الرئيسية، لأن الكاتب الذي استغرق في كتابة النص أشهراً أو أعواماً يكون قد شكّل في خياله رؤية تتضمن صورة كل شخصية من شخصيات عمله، وخصوصياتها وتصور لها أكثر من  فنان لأدائها  مثلاً أيمن زيدان، كان بذاكرتي لدور أبي وضاح، عباس النوري، عدنان بركات رحمه الله، سليم صبري .. أما ما يجري على أرض الواقع فإن المخرج ينفرد بانتقاء الممثلين للأدوار الرئيسية لأنه يعتقد بأنه أدرى بإمكانات كل فنان وقدرته على تجسيد هذه الشخصية أو تلك .. وفي "زمن البرغوت" قدمت بعض الاقتراحات وقبلت فيما يخص الأدوار الأساسية.

< تفرّد المخرج في الاختيار برأيك كم ينعكس سلباً على العمل؟.

<< أحياناً يوفق المخرج في الاختيار وهذا يعود لخبرته، وأحياناً يخفق باختيار بعض الشخصيات.

< لندخل في تفاصيل الجزء الثاني من زمن البرغوت، والجديد فيه، أهم الانعطافات التي ستشهدها شخصياته الأساسية مثلاً؟.

<< الجزء الثاني هو استمرارية للجزء الأول، وحتى منتصفه تدور الأحداث ضمن الفترة العثمانية ثم تتسارع في النصف الثاني مع خروج العثمانيين، ثم الفترة الفيصلية فالاحتلال الفرنسي، وهناك قفزة زمنية تقدر بخمس أو ست سنوات إلى حين اندلاع الثورة السورية الكبرى عام 1925 وبعد ذلك بفترة عام تنتهي أحداث الجزء الثاني.

< وبخصوص الانعطافات الأبرز في هذا الجزء؟.

<< شخصية أبي نجيب هناك محاولات في الجزء الثاني لإخراجه من بخله، والارتقاء به إلى مستوى الإنسان العادي، وهناك بروز لشخصية جديدة هي أبي حميد يؤديها الفنان نزار أبي حجر حيث ستكون الكاركتر المميز في هذا الجزء، وأيضاً شخصية أبي صفوان الذي يوضع على المحك في علاقته مع زوجته وابنه الشريرين ما يؤدي لانعطاف جذري في حياته .. إلخ من المفاجآت التي نخبئها للمشاهد في هذا الجزء.

< تضمن الجزء الأول الكثير من المظاهر الفرجوية كموكب العروس، وتقاليد وعادات كثيرة كانت سائدة في تلك الفترة ما الذي سيتضمنه هذا الجزء على صعيد هذه الجوانب التوثيقية وغيرها من حالات التوثيق لتلك الفترة؟.

<< يتميز الجزء الثاني بندرة الأفراح والأعراس، ويحتدم الصراع الدرامي في محوري شاهر وأم أدهم من ناحية، وأبي وضاح وأسرته كمحور آخر، وتتعاقب الأحداث السياسية التي تجري في حارة عياش، ونرى مدى تأثر أهالي الحارة بتلك المتغيرات حتى  أواخر العهد العثماني، إذ اتسمت هذه الفترة بالجوع والفقر والاستبداد والتسيب الإداري ما أدى إلى سوق بعض الشباب (للأخد عسكر) حتى لو كان وحيداً  كما حدث مع وضاح.

ثم بعد ذلك ندخل بلمحة عن الفترة الفيصلية، واستياء الشارع الدمشقي من إعدام شهداء 6 أيار، بعدها الفترة الفيصلية التي لم تستمر لأكثر من عام ونصف تقريباً، وموقف الإنسان الدمشقي منها، ثم الاحتلال الفرنسي والرفض التام من قبل المجتمع والتصدي لدخول الفرنسيين إلى دمشق في معركة ميسلون بقيادة الشهيد يوسف العظمة إلى أن تندلع الثورة السورية الكبرى في مواجهة الاحتلال الفرنسي.. إلا أن هذا النفور العام لم يكن لنشاهده في فترة الاحتلال العثماني، فكانت هناك آراء مؤيدة للعثمانيين، وآراء معارضة ورافضة لوجودهم، فشهداء 6 أيار مثلاً أصحاب النزعة العثمانية كانوا يرونهم خونة متآمرين مع السفارة الفرنسية، والانكليزية، ضد الدولة العثمانية.. أما الغالبية العظمى من المواطنين فكانوا يرونهم أبطالاً حقيقيين، وإعدامهم أدى إلى استياء عام في دمشق وغيرها.

< في المرحلة الأولى قبل عرض الجزء الأول سمعنا الكثير من أسرة العمل ومنك شخصياً حول أن زمن البرغوت مختلف عما تطرحه البيئة الشامية وسيكون مفـــــاجئاً، لكـــن بصـــراحة بعــــــد عـرض العمل لم نر ما يتلاءم مع هذه التصريحات؟.

<< الشيء المختلف  في زمن البرغوت هو مجموعة الحكايات التي طُرحت والتي لم يسبق أن طرحتها الدراما البيئية، بأفكار جديدة مشوقة وعلاقة الحارة الدمشقية مع الريف والبادية والتي لم يسبق لأعمال البيئة الشامية أن تناولتها، والجديد أيضاً والذي لم يأخذ حقه بشكل جيد لأسباب تتعلق ببعض النجوم الذين لا يجيدون ركوب الخيل والفروسية، أن العمل يسلط الضوء على الفروسية وتعلق الإنسان العربي بالخيل، وأيضاً من الجديد  التوثيق الذي تضمنه هذا العمل، والتسلسل الزمني الدقيق والقريب من الواقع في تلك الأيام، أما ما إذا كان البعض يقصد بالجديد أن تختلف اللهجة أو الأزياء أو الجغرافيا فهذا مستحيل لأننا بذلك نكون قد خرجنا عن البيئة الدمشقية.

< لكن الصورة التي قدمت بها المرأة مثلاً لم تكن مختلفة، كما أن جانب التعليم كان غائباً؟.

<< التعليم يظهر في أواخر العمل إذ تبدأ المدارس بالظهور في أحياء دمشق  الشعبية، تلك المدارس التي كانت فيما سبق حكراً على طبقة (الباكوات والآغوات)، وقمنا بربط هذه الظاهرة بتضحية وطنية يقدمها أبو رضا  (علي كريم) الذي استشهد أثناء إحدى المعارك في مواجهة الفرنسيين ويوصي زملاءه الثوار بتحويل بيته في حارة عياش لمدرسة للأطفال.. أما ما يخص المرأة فلم تكن الشخصيات الرئيسية والإيجابية من الرجال في زمن البرغوت تمثل ذلك الرجل المتسلط الاستبدادي مع زوجته، وقد يكون الجديد ذلك المتمثل في علاقة أبي أدهم مع زوجته في معظم الأحيان، إذ أخذت تلك العلاقة سمة الحب والعشق والتقدير المتبادل، وكان يهتم بإنسانيتها على عكس ما كان يشاع في بعض الأعمال الأخرى على أن الرجل الدمشقي في ذلك الزمن إنسان متسلط متعسف، كذلك نرى مثل هذه القيم في علاقة أبي وضاح مع زوجته، وأبي عبدو مع عائلته، كل ذلك إلى جانب الحزم الإيجابي في إدارة شؤون الأسرة.

<< وأيضاً تقديم  شخصية مثل أم صفوان (أمانة والي) تلك المرأة الشريرة  التي تفرض على زوجها ما تريد بمنتهى الهيمنة والسيطرة، فهذا لم يطرح سابقاً، إذ كان الرجل في بعض الأعمال هو السيد وصاحب القرار النهائي، بينما نرى عكس ذلك  في علاقة أبي صفوان مع زوجته، وقد يرى البعض في هذه العلاقة بعض الغرابة، ويزعم بعدم وجود نموذج نسائي كأم صفوان في تلك الأيام، وهذا برأيي خطأ لأني أرى أن المجتمع في أي عصر من العصور وكذلك الإنسان أنماط ونماذج مختلفة.

< الكثير قيل حول شخصية أبي نجيب التي أداها الفنان سلوم حداد بهذا الشكل المبهر والتي اعتبرها الكثيرون تتويجاً لمسيرته الدرامية الحافلة بالأدوار المميزة، ككاتب لهذه الشخصية أو الكاركتر هل كنت تتوقع لها مثل هذا النجاح؟.

<< من حيث الشكل شخصية أبي نجيب لم تكن مطابقة لهذا الكاركتر الذي ظهر به الفنان سلوم حداد، فعلى الورق أبو نجيب عبارة عن إنسان يرتدي القنباز والساكو والطربوش، ويحمل بيده البسطون، وباليد الأخرى (السك: شنتة جلدية)، هذا من حيث الشكل، أما من حيث المضمون فأبو نجيب هو الذي شاهدناه على الشاشة يتمايل يميناً ويساراً بسبب كبره في السن، إلاّ أن سلوم حداد حاول أن يميز هذه الشخصية بذلك الشكل العام.. إلاّ أنني كنت متحفظاً على هذه الشخصية التي ستتعرض لمواقف لا يتلاءم معها هذا الشكل الذي اختاره الفنان حداد بالاتفاق مع المخرج.. فقيامه بزيارة الى بيت أهل أم أدهم  من أجل خطبتها وادعاؤه أنه من وجهاء الحارة، كان يجب أن يكون شكله مقنعاً بشكل أو بآخر.. ولكن على الرغم من ذلك فقد حققت هذه الشخصية نجاحاً كبيراً، ومميزاً بفضل الفنان سلوم حداد، وقال لي بعض النقاد بأن سلوم حداد توج مسيرته الفنية بشخصية أبي نجيب بعد أن أبدع في الدراما والتراجيديا وتوج ذلك في الكوميديا..

< ماذا تحضر بعد  زمن البرغوت؟.

<< حالياً أقوم بكتابة نصين أحدهما كوميدي، والآخر اجتماعي: العمل الكوميدي يناقش علاقة أسرة مؤلفة من شاب وحيد وخمس بنات فاتهن قطار الزواج فيتم تزويجهن تتابعاً بالتتالي لأول عريس، والعمل يرصد الكثير من المواقف والخلافات التي تحصل في هذه الأسرة التي توسعت مع وجود الأصهرة الخمسة.. العمل اسمه المبدئي "الك ولاّ للديب" وهو توليفة من المجتمع السوري المعاصر، أما العمل الثاني فهو اجتماعي تدور أحداثه حول سيدة ثرية وطفل أعمى.