2012/07/04
خاص بوسطة_عوض القدرو
طالعتنا منذ أيام ترشيحات جوائز الأوسكار لعام 2012، والتي ستقام في السادس والعشرين من شباط/ فبراير لهذا العام، وحملت قائمة ترشيحات أفضل فيلم تسعة أفلام، وكان من ضمن تلك الأفلام التسعة فيلم "الفنان" موضوع الحديث في هذه المقالة.
عند مشاهدة هذا الفيلم، ثمة هناك تساؤلات تفرض نفسها: ما هذا؟ ولماذا نحن اليوم بحاجة إلى هذه السينما؟ هل حقاً ونحن في القرن الحادي والعشرين زمن سينما الإبهار البصري و"3D" وتقنيات الصوت المبهرة أصبحنا مفتونين بسينما صامتة بالأبيض والأسود التي هي أحد أبرز سمات فيلم "الفنان"؟.
فيلم "الفنان" وببساطة شديدة لمن فاته مشاهدة الفيلم، هو عبارة عن قصة نجم سينمائي للأفلام الصامتة في هوليوود عام 1927، جورج فالنتاين، والذي يصبح بنظر المنتجين السينمائيين بلا قيمة مع بداية ظهور الفيلم الناطق. باختصار شديد هذه هي المقولة الواضحة للفيلم، ولكن هذا الفيلم يحمل غصة حزن وألم وحسرات على زمن وعلى حياة نعيشها الآن، ولا تجعلنا نفكر مجرد تفكير بأولئك العظماء الذين أسسوا لكل شيء جميل نعيش على أطلاله في يومنا هذا.
فيلم "الفنان" يحمل على جناحيه الحزن والفرح ويختزن في مضمون السيناريو البديع أسئلة، لعل أهمها ذلك السؤال والجواب.. يا حسرة على سينما مبهرة اليوم لا تأبه أن لكل متلقي قلب وروح وعين، وبدونهم لا يوجد معنى لأي فن بهذه الدنيا.. يا حسرة على سينما اليوم تجهل أو تكاد تتجاهل أن للمشاهدين أحاسيس ومشاعر يجب مخاطبتها ويجب ملامستها، فملامسة الصورة للعين لا تكفي، لأن السينما غذاء للعقل والروح والأفئدة، وليست لمخاطبة العيون فقط.. بفيلم "الفنان" تنقلب المعادلة كلها، فالمشاهد ينسى كل إبهار وضخامة إنتاج سينما اليوم، ليسكن بروحه وقلبه إلى فيلم صامت أبيض وأسود يذكرنا بأفلام العظيم شابلن، الذي يعتبر رمزاً حياً لهذا النوع من السينما حتى يومنا هذا.
"الفنان" أو "جورج فالنتاين" اسم الشخصية في الفيلم، والتي يلعبها الممثل الفرنسي "Jean Dujardin" والمرشح لأوسكار أفضل ممثل يؤدي شخصية ذلك الممثل النجم في الأفلام الصامتة، الذي يصبح مع بداية ظهور السينما الناطقة ولا شيء. يصبح ممثلاً شهرتُه وفنـُّه لا تعني أحداً، يضطر لبيع كل ما يملك ليكمل حياته عزيزاً كريماً.. من يحمل الوفاء لعطاء ذلك الفنان؟؟؟
فتاة تبدأ ممثلة كومبارس معه في أحد أفلامه، يبتسم لها الحظ مع ظهور السينما الناطقة وتصبح نجمة لا يُشق لها غبار، فتمد له يد الوفاء والإخلاص لتعيده إلى فنه الذي أحبه.. فن السينما.. عشق الوقوف أمام عدسة السينما.. ليجد أن هناك شيئاً ما يبقى عند أولئك الذين ينظرون بمنتهى الوفاء، أن حياة الفنان لا تنتهي أبداً مهما تقدم به السن أو مهما تقدمت أدوات الفن.. فعطاء الفنان باق بقاء رسالة الفن الذي يلامس الوجدان، رسالة الفنان الذي يهب نفسه من أجل الآخرين.
فيلم "الفنان" لا ينحصر ضمن ما يشاهده المتلقي بهذا الفيلم، ولكن هذا الفيلم يأخذنا بعيداً وبعيداً جداً إلى لحظات تأمل بالآخرين، إلى لحظات حنين تغلفها لمسات الوفاء لكل من أعطى لمسة جمال على وجه هذه المعمورة. الفيلم يضرب ناقوس الخطر، ويقول بأنه بدون الارتكاز على ما خطه لنا الراحلون من قيم وأسس في الحياة هو اليوم بمثابة قانون للإنسانية، قانون للإنسان الذي يجب أن يعي ويعرف بأن الفن لا يُبنى على جماليات المظاهر والأشكال، و إنما يُبنى على بناء وصقل النفوس والأرواح، وإفعام القلوب بنبض جمال الدنيا، ومدى ارتباطنا ببعضنا البعض من خلال وفائنا وإخلاصنا واعترافنا ببعضنا البعض.
فيلم "الفنان"، قياساً مع أي فيلم آخر موجودٍ اليوم في صالات العرض السينمائية،هو فيلم لم يحقق المردود المادي مثل كل الأفلام الموجودة في قائمة الأفلام المرشحة لأوسكار أفضل فيلم، فقد تكلف إنتاج هذا الفيلم حوالي الـ 15 مليون دولار ،وهي تكلفة بسيطة جداً مقارنةً مع كلفة الأفلام الأخرى، ولعل أبرز الترشيحات التي حصل عليها هذا الفيلم، أوسكار أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل ممثل، ولكن السؤال الأهم الذي يراود الأذهان: كم نحن اليوم بحاجة إلى سينما حقيقية كم نحن اليوم بحاجة إلى طقس سينمائي حقيقي مُفتقد.. طقس سينمائي يبقينا جزءاً لا يتجزأ عن سر نجاح أي فيلم سينمائي.. كم اليوم جمهور السينما الحقيقي بحاجة إلى سينما تبقيه حالماً بفن سينمائي راقي يدغدغ بصره ويفتح أسارير روحه..
فبئس لجمهور سينما اليوم الذي لا تجد عيونه ما يفتنها ولا تلقى روحه وقلبه من يأسرها..
بطاقة فيلم الفنان
تمثيل: Jean Dujardin – Berenice Bejo
الممثل فرنسي ولعل أبرز أفلامه "cash" و"OSS 117" - الممثلة من أصل أرجنتيني وهي ابنة المخرج الأرجنتيني Miguel Bejo .
إخراج: Michel Hazanavicius وهو فرنسي من أصل ليتواني.
حقق الفيلم من خلال عرضه في بلجيكا خلال أسبوعه الأول حوالي 60 مليون دولار، بينما حقق في الولايات المتحدة في أسبوعه الأول حوالي 17 مليون دولار، أطلق في صالات العرض في 20 من شهر كانون الثاني/ يناير لعام 2012.