2012/07/04
طارق الشناوي – روز اليوسف
«وبحب الناس الرايقة اللي بتضحك علي طول، أما العالم المتضايقة فأنا لأ ماليش في دول».. كلمات كنا نستمع إليها من «رامي عياش» و«أحمد عدوية» قبل الثورة بأشهر قليلة لم نفكر وقتها من الذي من الممكن أن يعلن الثورة .. الناس الرايقة أم العالم المتضايقة.
ألم يؤد الضيق الذي عاشته العالم المتضايقة إلي انفجار الغضب في أكثر من دولة عربية بينما الناس الرايقة كان من صالحهم بقاء الفساد علي ما هو عليه .. بالتأكيد إن المتظاهرين والرافضين لتلك الأجواء في عالمنا العربي هم هؤلاء الذين نعتتهم الأغنية بأنهم العالم المتضايقة.
أتذكر بعض مشاهد من الأفلام سخرنا فيها من المتظاهرين مثل «درس خصوصي» الذي كان يسخر من هتافات ارتبطت بالنضال الوطني مثل «الاستقلال التام أو الموت الزؤام»!
أفلام «عادل إمام» مثل «السفارة في العمارة» قدم أيضاً رؤية ساخرة لقصيدة أمل دنقل «لا تصالح» التي كتبها «أمل» بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل.. لقد لعبت العديد من الأغنيات والأفلام دورا سيئا من أجل تخدير الجمهور الذي بات يضع طاقته مغموسة في إحباطاته وهو يشاهد مثل هذه الأعمال الفنية!
الفن الآن سوف يشهد ولا شك منحي آخر.. بالمناسبة لن يختفي الفن الرديء، بل إن بين كل عشرة أعمال فنية تتناول الثورة ربما لن تعثر سوي علي عمل فني أو اثنين فقط يملكان التعبير الحقيقي عن الثورة، الكل كان في الميدان يحمل كاميرا ليس فقط من يعملون في الإخراج ولكن كان في ميدان التحرير مكان محدد أقامه المتظاهرون لاستقبال كل ما يتم تصويره بالموبايل وتستطيع أن تقول إن مليون كاميرا بعدد المتظاهرين شاركت في الميدان كانت توثق كل هذه اللحظات، وهي بمثابة مادة خام لأعمال إبداعية قادمة.. الحقيقة بالأرقام أثبتت أن أفضل أغنية عبرت عن الثورة كانت تلك التي غناها «محمد منير» باسم «إزاي» الغريب أن هذه الأغنية تم تسجيلها قبل الثورة واعترض علي تداولها أكثر من قناة فضائية لأنها تحمل عتاباً علي مصر، ولكن بعد أيام قلائل من الثورة لم يجدوا غيرها للتعبير عن حالة الشارع المصري، ولهذا أعيد تسجيل الشريط المرئي المصاحب للأغنية بإضافة لقطات من المظاهرات التي ملأت الأراضي المصرية لتعبر عن مصر بعد 25 يناير!
لقد شاهدنا بعض الأعمال التي استطاعت أن تنفذ من الرقابة واقتربت من تحليل هذه العلاقة بين الناس والسلطة مثل: «هي فوضي» و«حين ميسرة» و«دكان شحاتة» إلا أنني أري أن الفيلم الذي حمل رؤية أكثر عمقاً وإن كان لم يحظ باهتمام نقدي يستحقه كان هو «مواطن ومخبر وحرامي».. الفيلم تحدث عن المواطن المطحون القابع بين سلطتين: تعسف الدولة والسلطة الدينية وتفشي الفساد في المجتمع ولا يجد المواطن أمامه سوي أن يتكيف مع الأمر الواقع.. الحقيقة أن الثورة جاءت مفاجأة للجميع ولا يستطيع أحد أن يدعي أنه تنبأ بها ربما التعبير الأوفق في هذه الحالة أنه تمناها!
هل سيتغير الإبداع؟ نعم بعد كل موقف مصيري يعيشه الوطن يحدث تغيير جذري في مشاعر الاستقبال الفني.. الناس تبحث عن شيء آخر غير الذي ألفوه من قبل.. الحالة النفسية للجمهور تجعله يترقب أكثر كل المتغيرات الإبداعية ربما يبحث عن إبداع آخر ووجوه أخري غير تلك التي ارتبطت لديه بالزمن القديم ما قبل 25 يناير.. ولهذا أعتقد أن كل الأعمال الفنية التي تم التعاقد عليها قبل 25 يناير أصبحت الآن في حاجة إلي مراجعة وربما إلي تغيير كلي.. النجوم الكبار الذين كانت تباع الأعمال الفنية بأسمائهم لن يعودوا بمفردهم في الساحة الناس حدث بينها وبين عدد من أسماء كبار النجوم قدر من البرودة خاصة هؤلاء الذين كان لهم مواقفهم المؤيدة للنظام والذين كانوا يلعبون دوراً سياسياً لحساب «مبارك» وابنه «جمال» بالتأكيد الناس أدركت أن هؤلاء كانوا يحصلون أيضاً علي مقابل مادي لأن الدولة في علاقتها بالفنان تستطيع أن تمارس عليه قدراً من السيطرة عن طريق الضرائب.. المعروف أن الدولة كانت تملك أوراقاً تتناول الأجور الحقيقية للنجوم وليست تلك التي يتقدمون بها للضرائب.. كل من يعمل في الحياة الفنية يعلم أن هناك تعاقدا سريا بين النجوم وشركات الإنتاج لا يعرفه سوي تلك الشركات والنجوم؟!
دائما ما يبحث رجال الثورة عن فن مغاير.. الناس ترنو للتغيير وصناع الثورة تحركهم نفس الرغبة إلا أن المختلف هذه المرة أن صناع الثورة هم أنفسهم الناس.. في ثورة 52 التي أقامها الجيش لم ينتظر رجال حركة الجيش المصري في 23 يوليو عام 1952 التي أطلقنا عليها تعبير ثورة بعد أن اعتبر عميد الأدب العربي «طه حسين» أن ما قاموا به هو ثورة لم ينتظر رجال الثورة كثيراً حتي يوجهوا بوصلتهم إلي الفن، وهكذا فإن «محمد نجيب» أول رئيس مصري بعد 40 يوماً فقط من قيام الثورة أصدر بياناً عنوانه «الفن الذي نريده» وتوجه مباشرة إلي السينما وبعد ذلك كتب مقالاً في مجلة «الكواكب» الفنية المصرية اسمه «رسالة إلي الفن» اتسعت دائرة الرؤية في هذا المقال لتشمل أطياف الفن كلها: مسرح سينما غناء، وجاء فيه أن الفن ارتبط بالمياعة والخلاعة التي كانت من معالم العهد البائد وطالبهم بتقديم فن ثوري ثم اجتمع رجال الثورة مع عدد من السينمائيين طلبوا من المخرجين تقديم فن يليق بالثورة ويدعو إليها ويدعم مبادئها!
لا أتصور أن ما حدث قبل نحو 60 عاماً من الممكن أن يتكرر الآن مرة أخري.. لا يمكن أن نري فناً موجهاً.. كانت الدولة في الماضي تملك كل الوسائط الفنية، ولهذا كان من الممكن أن تمنع وتسمح من خلال أن لديها اليد الطولي في توجيه الإبداع.. الآن تعددت الوسائط بعيداً عن قبضة الدولة!
إلا أن الثابت هو أنه دائما ما يتغير المزاج الفني للجمهور بعد الثورات الكبري أو الهزائم الكبري.. وكما أن الناس أرادت إسقاط النظام، فلقد أرادوا أيضاً تغيير الوجوه ولا يعني ذلك أنهم يقصدون فقط كبار السياسيين بداية من المخلوع «حسني مبارك»، ولكن كان داخل الدولة وجوه حملت في واقع الأمر حالة من الارتباط الشرطي بينهم وبين النظام فنانين وإعلاميين.. هؤلاء كانوا يلعبون أدواراً أخري لصالح الدولة.. يدركون بالطبع أن لكل شيء ثمنا، وكلما اقتربوا أكثر من رجال النظام كان هذا يعني أن مكافأة كبري تنتظرهم.. وهكذا كانت الدولة حريصة علي توطيد العلاقة علي من دأبنا أن نطلق عليهم الأسلحة الناعمة صاروا بالفعل أسلحة تعمل لصالح النظام انتشروا في الفضائيات الخاصة والصحف الخاصة وذلك من أجل أن تضمن الدولة في اللحظات الحاسمة السيطرة الكاملة علي كل الأطياف.. الفنان والإعلامي الكبير قائد رأي ويستطيع أن يقنع الملايين بأن يتحركوا في الاتجاه الذي تريده الدولة.. بالتأكيد فإننا عندما نتحدث عن فنان النظام الأول الواجهة التي كانت تدافع عن الدولة وعن توريث الحكم من «مبارك» الأب إلي «مبارك» الابن سوف يصعد علي الفور اسم «عادل إمام»، ووقف خلف «عادل» نجوم آخرون ومن كل الأجيال.. لم يكتف «عادل» بهذا الدور بل كان يتبني دائماً آراء الدولة ويزايد عليها.. كثيراً ما أعلن «عادل» أنه ضد المظاهرات وطالبهم طوال السنوات الماضية بالكف عن التظاهر في البلد بحجة كان يرددها دائماً «حتي لا تتعطل أرزاق الناس»، بينما هو لا يفكر سوي في مصلحته التي تفرض بقاء النظام.. والهدف الأساسي هو أنه من خلال نجوميته يقدم خدمة لا تنسي للنظام لأن الأجهزة الأمنية كانت تدرك أن بداية الغيث قطرة، وكانت هذه التظاهرات التي نراها في وسط البلد أو علي سلم نقابة الصحفيين هي القطرة، ولهذا كان «عادل» كثيرا ما يتوجه بالسخرية مثلاً من زميلنا «محمد عبدالقدوس» أشهر من وقف أمام النقابة وحمل العلم في يد والميكرفون في يد.. كان «محمد» كثيراً ما يتعرض لنقد لاذع من «عادل إمام»!
نجوم هذا الجيل كانوا هم الأسرع في التلبية لنداء الثورة وهكذا وجدنا «عمرو واكد»، و«آسر يس»، و«خالد أبو النجا»، و«خالد الصاوي»، و«خالد صالح»، و«خالد النبوي» والفنان المصري الذي شارك في العديد من الأفلام الأجنية «خالد عبدالله» رغم أنه يقيم في بريطانيا فإن هذا لم يمنعه من أن يأتي للقاهرة ويشارك في مظاهرات ميدان التحرير.. الشباب كانوا هم الأقرب إلي روح الثورة وإن كان هذا لم يمنع أن نري أيضاً نجوما شبابا اتجهوا لمؤازرة «مبارك» ونظامه يقولون الآن إنهم كانوا يعترضون علي توجيه أي إهانة لرمز مصر ولم يكن هذا في الواقع صحيحاً فلقد كانوا يدافعون وينتظرون أيضاً الثمن من النظام!
الحياة الفنية تعاني من حالة انقسام سنري فريقين كلاً منهما يتهم الآخر بالخيانة، وسوف ينعكس ذلك علي الأعمال الفنية.. المؤكد أن أهم ملمح في الإبداع الدرامي القادم هو في المراهنة علي الشباب الجديد.. لو عدت للأفلام التي واكبت الثورة سوف تجد أن ضابط الجيش هو البطل.. أفلام مثل «الله معنا»، «رد قلبي»، «أرض السلام»، «عمالقة البحار».. وغيرها دائماً الحلم هو الضابط.. أتصور أن القادم من الأعمال الدرامية سوف يراهن علي شباب الإنترنت الذي كان يحلم في العالم الافتراضي بالتغيير واستطاع أن يحيل الحلم إلي واقع.. ويبقي النجوم الإعلاميون الذين راهنوا علي النظام 30 عاماً وبعد سقوط النظام صاروا يراهنون علي الشباب وثورتهم، هؤلاء لا أتصور أنهم سوف يجدون لأنفسهم مكانة تحت شمس ثورة 25 يناير! لقد صنعت الثورة عدداً من إرهاصات لأعمال فنية تستطيع أن تشاهدها عبر النت.. توجه البعض مباشرة إلي فيلم عن «هتلر» وبدأوا في إضافة ترجمة باللغة العربية لمواقف، بل شخصيات أرادوا السخرية منها لموقفها المهين طوال مرحلة «حسني مبارك».. وبعضهم التقط مباشرة الأحداث الأخيرة ووضعوا مشاهد ساخرة لكل من «زينة» و«سماح أنور» علي اعتبار أنهما كانتا تسخران من الثورة والثوار، بل إن «سماح» طالبت بحرق المتظاهرين في ميدان التحرير بينما قادت «زينة» مظاهرة أمام باب «ماسبيرو» تطالب بعودة «حسني مبارك» رئيساً وطلبت من أولياء أمور البنات أن يذهبن للميدان لإعادة بناتهن.. الكل الآن يعتذر ويقول إنه لم يكن يعرف، والبعض يقول إنه كان يهدف إلي عدم توجيه إهانات لحسني مبارك علي اعتبار أن الثقافة العربية توقر صورة الأب.. لم أقتنع بكل ما قالوه ولم يعترف أحد أن الحقيقة هي أنهم اعتقدوا أن «حسني مبارك» سوف يستعيد السيطرة علي مجريات الأمور ويراجع مواقف البعض ليكتشف أن هناك من وقف بجواره بقوة في عز الأزمة ويجزل له العطاء، وهناك من وقف ضده فيسارع بالانتقام، والدليل أنهم بعد أن بات واضحاً أن الثورة في طريقها لتحقيق أهدافها تغيروا 180 درجة وعندما أقيمت جمعة وفاء لحسني مبارك كل هؤلاء لم نر منهم أحداً ذهب للمشاركة في إعلان الوفاء المزعوم لمبارك!
الآن نري قوائم سوداء لعدد من الفنانين يتم تداولها عبر النت، بل إن بعض الأحياء الشعبية في مصر أصدرت بياناً قالوا فيه إنهم يقاطعون كل أفلام «عادل إمام» مثل سكان بولاق الدكرور الذين كانوا هم الأسرع في إعلان الغضب.. المؤكد أن الخريطة الفنية تغيرت تماماً.
الجيل القديم كله سوف يعاني في تسويق الأعمال الفنية لأن المزاج النفسي للجمهور يرنو أيضاً للتغيير ولكن هناك استثناءات.. مثلاً برغم أن «نادية الجندي» مبتعدة عن السينما منذ 8 سنوات بعد أن أدارت لها السينما ظهرها إلا أن هناك ترشيحا لها من خلال مجموعة من الشباب لتجسيد حياة «سوزان مبارك» في فيلم سينمائي.. لقد ارتبطت «نادية الجندي» في ذهن الجمهور بأداء الأدوار الشريرة المرفوضة، ولهذا السبب رشحوها لدور «سوزان مبارك».. ولكن من هو في هذه الحالة الذي يلعب دور «حسني مبارك» و«علاء» و«جمال» وهل ستردد «نادية» لزمتها الشهيرة «سلم لي علي البتنجان»؟!