2012/07/04
دار الخليج
انطلاق قنوات جديدة بمختلف أشكالها واتجاهاتها خلال الفترة الأخيرة يفرض العديد من الأسئلة حول مدى قدرة سوق الفضائيات على استيعاب تلك القنوات، هناك من يتساءل: هل تجد هذه القنوات جمهوراً لها بسهولة؟ وهل أطلقت بناء على دراسات وبحوث للمشاهدين أم بشكل عشوائي؟ والى أي مدى يمكن أن تتسبب فوضى الفضائيات الجديدة في ممارسات إعلامية لا تراعي العادات والتقاليد خاصة في ظل منافسة شرسة؟ هذه الأسئلة وغيرها واجهنا بها نجوم وخبراء الإعلام .
يؤكد الإعلامي محمود سعد الذي انضم إلى قناة “التحرير” وهي إحدى القنوات الجديدة التي ظهرت بعد الثورة المصرية، أن الفرصة متاحة أمام إنشاء قنوات جديدة، لأن الجمهور في حاجة إلى قنوات تعبر عنه بصدق بعد الثورة، خاصة بعد أن اكتشف أن معظم القنوات الموجودة لم تكن صادقة معه وإنما كانت تخدم مصالحها الخاصة .
ويضيف سعد أنه لا يمكن لأحد أن يوقف هذا السيل المتدفق من الفضائيات بمختلف ألوانها وأشكالها وتوجهاتها، لكنها ستغربل نفسها بمرور الوقت، والجمهور وحده هو من سيقوم بتلك الغربلة من خلال التفافه حول القنوات التي يشعر فيها بصدقية وجرأة واحترام لعقله وهروبه من القنوات التي حاولت فقط استغلال الفرصة والتواجد لتحقيق مكاسب خاصة . ويرى أنه حتى إن كانت هناك بعض القنوات الجديدة التي تقع في بعض الأخطاء نتيجة حداثتها أو قلة خبرة القائمين عليها، فإن هذا لا يعني أن نطالب بإغلاقها وإنما أن نمنحها فرصة التواجد وتصحيح الأخطاء .
الإعلامي عمرو أديب يرى أنه لا يمكن بسهولة لتلك القنوات الجديدة أن تنافس فضائيات موجودة بالفعل منذ سنوات طويلة ولها جمهور تعلق بها وبنجومها وبما يقدمونه، وإن كان هذا لا يمنع حق الجميع في التواجد في السماء المفتوحة التي لا يمكن أن تكون حكراً على أحد .
ويضيف عمرو أديب: زحمة القنوات وإطلاق عدد كبير من الفضائيات الجديدة بشكل عشوائي يؤديان إلى كارثة في النهاية لأنه يعني سقوط الكثير منها في فخ التقليد، بدليل أن هناك قنوات كثيرة تبدو نسخاً متكررة، وأن هناك من حاولوا في الفترة الأخيرة تحديداً استنساخ برنامج (القاهرة اليوم) على العديد من القنوات الجديدة، لكن أحداً منهم لا يستطيع تحقيق النجاح الذي لم يتحقق بين يوم وليلة وإنما بني على مدى سنوات طويلة أنشئ خلالها جسر من الثقة القوية بين القناة والجمهور .
الإعلامية هالة سرحان التي عادت ببرنامج جديد هو (ناس بوك) على قناة جديدة هي “روتانا مصرية”، تؤكد أنه لم يعد هناك من يستطيع الآن أن يكمم أفواه الإعلاميين، أو أن يوقف تدفق القنوات الفضائية وأن الحكم في النهاية على نجاح أو فشل أي قناة في يد الجمهور وحده .
وتؤكد أن قناة “روتانا مصرية” لا تعد جديدة تماماً مقارنة بغيرها لأنها تستند في النهاية إلى أصل ثابت هو قنوات روتانا التي تحظى بثقة وإقبال المشاهدين ولهذا فهي مثل فرع جديد في شجرة ثابتة .
وتضيف هالة سرحان أنه لابد أن نترك الفرصة كاملة للجمهور ليحكم على تلك القنوات بنفسه، وألا نكون أوصياء عليه، لأنه واع جداً ليفرق جيداً بين القنوات المحترمة التي تضعه في أولوياتها والتي تحاول ركوب الموجة وتحقيق مكاسب لنفسها .
ورغم قناعة د . سامي عبدالعزيز، أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة، بحق الجميع في التواجد والمنافسة في ظل سماء مفتوحة، يؤكد أن معظم القنوات التي أطلقت مؤخراً أنشئت من دون دراسة كافية لمدى استيعاب سوق الفضائيات لها في ظل وجود أكثر من 600 قناة على النايل سات وحده . وأكبر دليل على غياب دراسات السوق، في رأيه، أن هناك قنوات لا تقدم جديداً للجمهور، وإنما تشبه قنوات قائمة بالفعل مثل معظم قنوات الأفلام والمنوعات والأغاني وبعض القنوات التي تعتمد على “التوك شو” بشكل رئيسي .
ويبدي تخوفه في النهاية من أن تؤدي موجة القنوات الجديدة ورغبتها في المنافسة وجذب المعلنين إلى تقديم مواد لا تتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا وتشكل خطراً على الأطفال والشباب والفتيات بصورة أو أخرى، بل وربما تحمل تهديداً أيضاً لهويتنا كعرب . ويضيف المنع بالطبع ليس الحل، وإنما النقد والحوار، ووجود قنوات أخرى في المقابل تحترم عاداتنا وتقاليدنا ليبقى الاختيار متاحاً أمام الجمهور لمشاهدة ما يريد وقتما يريد .
والمشكلة في رأي الدكتور سامي عبدالعزيز أنه لا يوجد لدى أحد قدرة على إيقاف هذا التدفق الفضائي، ولذلك فالمطلوب ميثاق شرف إعلامي ينظم عمل تلك القنوات ويحمي الجمهور من أي تجاوزات وهذا الميثاق لا يمكن وضعه وتنفيذه بتعليمات حكومية انتهى زمنها وإنما برغبة الأغلبية من أصحاب تلك القنوات أنفسهم في تنظيم حضورهم والاتفاق فيما بينهم على خطوط عريضة تصب في مصلحة المشاهدين .
محمد عبدالمتعال، رئيس شبكة قنوات الحياة، يؤكد أن أي قناة تطلق لابد أن تكون مبنية على دراسة جيدة عن مدى احتياج سوق الفضائيات لها ومدى قدرتها على جذب الجمهور، لأنه إن لم يتحقق هذا لا يمكن لأي قناة الاستمرار، لأنها ستخسر مادياً، ويقول: علينا أن نعترف بأنه بجانب الرسالة الإعلامية، فإن إطلاق أي قناة هو عملية اقتصادية أيضاً لابد أن تؤتي ثمارها وإلا فإن إغلاق تلك القناة سيكون مصيراً حتمياً بسبب الخسارة الاقتصادية .
ويضيف أن شبكة قنوات الحياة تهتم جداً ببحوث المشاهدين لمعرفة رأي الناس فيما تقدمه وما يجب تطويره، لأنه مهما كان نجاح أي قناة فإنه يجب أن تكون حريصة على تطوير نفسها والحفاظ على جمهورها وثقتهم بها خاصة مع ظهور قنوات جديدة باستمرار .
الإعلامي معتز الدمرداش الذي انتقل مؤخراً من قناة “المحور” إلى قناة “الحياة”، ويقدم فيها برنامج “مصر الحديثة”، يؤكد أن سوق الفضائيات يحتمل المزيد من القنوات، بدليل أن الجمهور ما زال رغم كثرتها يشعر بأن قليلاً فقط مما يقدم له هو الذي يرقى إلى طموحه في المشاهدة، بينما أغلب القنوات وما تقدمه ليس سوى تحصيل حاصل وملء لفراغ الأوقات الموجودة على الشاشة .
ويضيف: المهم هو معرفة أي نوع من القنوات هي التي يحتاجها سوق الفضائيات أكثر من غيرها، فقنوات الموسيقا مثلاً ربما تكون كافية بشكل جعل الجمهور يتشبع مما يقدم من موسيقا وأغان، بينما قد تكون هناك مجالات أخرى تحتاج إلى مزيد من القنوات والأمر لا يمكن حسمه إلا بدراسات دقيقة تحدد ما يفتقده سوق الفضائيات أما التجاوزات التي تحدث فهي ليست متعلقة بإطلاق قنوات جديدة، لأن التجاوزات كانت موجودة من قبل، والجمهور وحده هو الذي يحكم على أي قناة تتجاوز في حقه، سواء بخداعه أو الكذب عليه أو تضليله أو الاستخفاف به أو تقديم مواد لا تراعي عاداته وتقاليده أو غيرها من أشكال التجاوزات الإعلامية التي أرى أن مواجهتها تكون فقط بالابتعاد عنها وبالتالي تراجع نسب مشاهدتها وقلة إعلاناتها .