2013/05/29

الغزو السينمائي الأميركي... البدايات- الأهداف- النتائج
الغزو السينمائي الأميركي... البدايات- الأهداف- النتائج

سهيل الذيب – تشرين

كنت لأول مرة أشاهد فيلماً سينمائياً فالدعاية الكبيرة للفيلم أغرتني بحضوره وأنا الذي لم أكن أتجاوز الخامسة عشرة من عمري, كان ذلك في بلدة بكفيا اللبنانية واسم الفيلم الذي رسخ في ذاكرتي إلى يومي هذا EXORCISE أو التعويذة وهو من أفلام الرعب الأميركية, ولن أنسى صرخات الشباب والشابات وهم يهربون من الصالة هلعاً وأنا معهم بعد أن توقف شعر رأسي وتساءلت يومها: لم يصنعون أفلاماً كهذه؟ وما زال السؤال يلح علي بعد أكثر من أربعين عاماً: هل الغاية من صناعة الأفلام بشكل عام في هوليوود بريئة تماماً أم إن هناك جهوداً جبارة تبذل لنشر فكرة ولو مرت مرور الكرام أو لنشر ثقافة معينة يريدون تعميمها على العالم ولاسيما بعد أن غزوا بأفلامهم العالم كله ووقف الناس مشدوهين لهذه التقنيات المذهلة في عالم السينما!!؟ ويقيناً, إن الكثير من التغيير نحو الأسوأ أو الهدم والتفكك والانحلال والفوضى كان من تأثير هذه الأفلام التي غزت العالم, واللافت في هذا المجال أنه على الرغم من الوسائل الكثيرة للاتصالات كالقنوات التلفزيونية والأقراص الكومبيوترية والفيديو وغيرها لكن دور العرض السينمائية ولاسيما في أميركا مازالت المصدر الأهم لتحقيق الإيرادات الخيالية وتالياً صناعة سينمائية مغرية ومحفزة وتعتمد على أنظمة متطورة في عرض الصورة وبث الصوت بالطرق الرقمية ولأهمية هذه الصناعة ودورها في نشر الثقافة الأميركية في الداخل والخارج فقد بلغ عدد الشركات الصانعة للأفلام 307 شركات بلغت معاملاتها التجارية 300 مليار دولار أميركي فقط وأغلب المشتغلين فيها وأصحابها هم من اليهود.. أما لماذا اليهود فهذا هو السؤال الكبير والمهم, وكما نلاحظ فهذه الشركات الأكبر للصناعة السينمائية الأميركية يملكها ويديرها يهود.. أتراها مصادفة؟ أنا لا أعتقد ذلك مع إدراكنا أن اليهود مشهود لهم بالتجارة وشايلوك شكسبير مثال على ذلك.. إذاً, ما الهدف من هذه الصناعة الأميركية السينمائية العملاقة؟

الأبعاد الاستراتيجية والغزو الفكري

فيا مضى كنا في منأى عن السينما فكان واحدنا لايستطيع أن يضع ناظريه في عيون والديه تأدباً واحتراماً وخوفاً, وبعد الغزو الثقافي الشامل في جميع مجالات الحياة، صرنا نشاهد الابن في السينما الأميركية يخاطب أباه في قوله في أحد الأفلام, أنت حقير سوف أقتلك, أو كما تخاطب الابنة أمها قائلة: «أيتها العاهرة سوف أنتقم منك» بعد هذا وغيره تاه الأولاد في مستنقعات الرذيلة التي بثتها السينما الأميركية وما عادت: «وبالوالدين إحسانا» تعني شيئاً ولا«أكرم أباك وأمك» بقي لها أي امتداد في الثقافة المعاصرة,

ومن المثير للاهتمام أنه مع بدء عصر العولمة برز مصطلح آخر نال اهتمام القادة في أميركا وهو الذي طرحه زبيغينيو بريجنسكي مستشار الرئيس كارتر للأمن القومي وهو (TITTYTAINMENT) ويعني حلمة الثدي, في إشارة إلى الحليب الفائض عن ثدي الأم, والمصطلح مزج بين معنيين: التسلية المنحدرة والتغذية الكاملة ويمكن من خلالها تهدئة خواطر سكان العالم, هذا العالم الذي فيه 80% يملكون 20% من موارد العالم و20% يملكون 80% من موارده, لذلك, كما يرى بريجنسكي, وكذا السياسة الأميركية برمتها, يجب أن نصنع لهؤلاء الفقراء الوهم والمنحدرات والتسلية حتى نضمن ولاءهم وعدم انتفاضهم علينا وعلى نظامنا العالمي الجديد, فهلا لاحظتم هذا اللؤم؟  إذاً فأميركا تنطلق من تحقيق أهدافها الاستراتيجية بعيداً عن الغزو العسكري الذي طالما استخدمته وباء بالفشل عن طريق السينما والبرامج وما اصطلح على تسميته القوة الناعمة «Softpower» وذلك عن طريق التوجه إلى الأفراد في كل أنحاء العالم بعيداً عن حكوماتهم لترسيخ نتائج حاسمة وهذا ما أكده تقرير أصدره الكونغرس يقول: من الممكن تحقيق بعض أهداف سياستنا الخارجية من خلال الشعوب بدلاً من الحكومات وذلك باستخدام أدوات وتقنيات الاتصالات الحديثة, إذ يمكن أن نصل إلى قطاعات كبيرة ومؤثرة والتأمين في اتجاهاتها ويمكن أحياناً من خلال سلوك طريق معين... ويؤكد بريجنسكي أن على أميركا الاعتماد على الاستخدام الفعال لآخر تقنيات الاتصال لكي تلعب بالعواطف وتسيطر على العقل وتعتمد بشكل فعال على التلفزيون ومن ثم الاتجاه نحو استبدال اللغة بالصورة وفي هذا المجال كان روزفلت يكرر مقولته«قدرنا هو أمركة العالم.. تكلموا بهدوء.. عندئذ يمكن أن تتوغلوا بعيداً» وهذا أكده نيكسون في كتابه «الانتصار من دون حرب» الصادر عام 1988 بقوله:«إذا أرادت أميركا أن تكون زعيمة العالم فعليها نشر القيم الأميركية»، ويذكر بوش الأب أن مدير شركة ماير كان يقول له: «إن الهمبرغر والجينز وهوليوود والسجائر هي التي حسمت الحرب الباردة لمصلحة أميركا», وقد أدرك ذلك باكراً الرئيس السوفييتي خروتشوف إذ قال: إنه يخشى من هوليوود أكثر من خشيته من الصواريخ الأميركية العابرة للقارات.

المتابع العادل لما تبثه السينما الأميركية, وكلنا مجبرون على متابعتها, يدرك أن لديها أفلاماً رفيعة المستوى الإنساني يقابلها أفلام تبث الحقد والكراهية ولاسيما تجاه العرب والمسلمين وتتفنن في نشر القتل وطرقه المرعبة والذي  تأثر به بعضنا فاستخدمه في أماكن مختلفة بشكل يندى له الجبين الإنساني.

اذاً  هناك غزو فكري مدروس ومدعوم من أعلى سلطة أمريكية فتصدير نمط الحياة الأميركية ليس عفوياً بل هو تجسيد لايديولوجيات كامنة في طرائق الأكل واللبس والرقص ، ومن هنا فالأفلام الأميركية عززت مقولة: «إن الثقافة ينبغي أن تكون الغلاف الخلاب لأي بضاعة سياسية» وهي بهذا ديدنها تمرير أهدافها وقيمها المحددة وصناعة السينما الأميركية تستفيد من نصائح مؤسسات ومكاتب استشارية وقد نشر مكتب HIZE المكلف بإسداء النصح للمنتجين بما سماه «نظرية التعويض» وفحواها مكافأة الفضيلة ومعاقبة الشر وانتصار الخير وهزيمة الأشرار في نهاية الفيلم وتبدو النصيحة جيدة إلا أنها تمرر ستة فصول من الشر التي تضمن شباك التذاكر مقابل الفصل الأخير وانتصار الخير أي إنهم ينشرون كل أنواع الرذيلة ما دامت الفضيلة ستنتصر.

التسليع وصناعة النجوم

ومما أسلفنا يمكن القول: إن السينما تحولت من انعكاس لثقافة المجتمع إلى صناعة والصناعة تحولت إلى سلعة بمنتجات مختلفة حتى إن النجوم أنفسهم تحولوا إلى سلعة خالية من إنسانيتها تباع وتشرى لمن يدفع أكثر وهم كمثل تلك المرأة الخلابة التي رأيتها ذات يوم معروضة شبه عارية في واجهة للعرض في أحد ملاهي سان فرانسيسكو تنتظر زبونها... وصناعة النجم ظاهرة مهمة في تلك الصناعة وهي من أهم الصادرات الأميركية والنماذج لا تحصى تجسيداً لهذه الظاهرة «مارلين مونرو- مارلون براندو- سلفستر ستالون- مادونا- مايكل جاكسون- فان دام.. الخ» وجميعهم رموز للانحراف والفضائح والإغراء والعنف وبتقليدهم والإعجاب بهم يتحول الشباب إلى منحرفين وبمجرد ارتداء ثياب تحاكي ثيابهم فهم يتقمصون شخصياتهم وبهذا وجدنا أناساً ينتحرون لوفاة أحد النجوم المفضلين لديهم.

باختصار... لاشك في أن للثقافة وللفكر قوة قد تعادل القوة العسكرية أحياناً وقد تفوقها في أحيان أخرى لأنها لسلاستها تدخل إلى النفوس فتسممها وهي مطمئنة لها فلا تستيقظ إلا وتكون قد أعطبت تماماً وهذا ما تفعله السينما الأميركية ووسائل الاتصالات الأخرى في الشعوب التي تتلقف هذه الثقافة إعجاباً وانخداعاً وهنا أتحدث دائماً عن صاحب القرار في أميركا الذي يهدف إلى أمركة العالم أو بمعنى آخر إخضاع الشعوب لإملاءات السياسة الأميركية.