2012/07/04
فاتن قبيسي - السفير
في ظل إستهداف «حزب الله»، عبر القرار الظني الصادر بحق أربعة من عناصره، بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ووسط المحاولات المستمرة للنيل من المقاومة، تعرض «المنار» السيرة الجهادية للمقاومة الإسلامية، إبان انطلاقتها في العام 1982، في دراما رمضانية يراد في ما يراد منها دحض كل ما يثار من غبار حول سيرة نضالية مليئة بالتضحيات والتعذيب في سبيل مواجهة العدو الإسرائيلي، الذي يشكل علة وجودها.
هذا من حيث تزامن توقيت العرض مع الظرف السياسي الراهن، ولو من قبيل الصدفة. ولكن من الناحية الفنية، نجد أن العمل اللبناني خرج على درجة من الإتقان في أكثر من جانب. فقد اعتاد اللبنانيون مشاهدة مسلسلات محلية كثيرة في السنوات العشر الأخيرة على شيء من التسطيح والاستسهال، الا أن «الغالبون» جهد بإدارة المخرج السوري باسل الخطيب لتقديم عمل أكثر إقناعاً، خصوصاً أنه عمل مركب يتجاوز حدود النص الدرامي الى الصناعة التي تجلت في المشاهد الميدانية العسكرية، والتي استخدمت فيها تقنيات بصرية ومعدات حربية. واعتمد العمل على التصوير الخارجي بدرجة كبيرة، لا سيما في الأحراج والبساتين في الجنوب وبعلبك، وتمت إعادة إنشاء بعض المواقع والأماكن، كمعتقل أنصار. وبذل الخطيب جهدا كبيرا في ما خص تصوير المجازر وعمليات المقاومة والمعارك العسكرية، ما يدل على خضوع الممثلين لتدريب وافٍ على استخدام الأسلحة، وعلى وضع العبوات الناسفة وتفكيكها.
غير أن الملاحظ أن قناة «المنار» عمدت الى حذف أكثر من مشهد، في حوالى ثلاث أو أربع حلقات، لدواع شرعية محضة، كمشهد عاطفي يجمع بين «فارس» و«نجوى»، وآخر يصور وقائع احتفال في منزل «نجوى» بحضور اسرائيليين وعملائهم. الأمر الذي انعكس نقصا في السياق الدرامي في بعض الحلقات.
واللافت أن معظم الطاقم التمثيلي الذي سبق وشارك في مسلسلات لبنانية دون المستوى، قدم أداء لافتاً في «الغالبون» بإدارة الخطيب، ما يعيد طرح مسألة قدرة المخرجين السوريين أو المصريين على حسن استثمار طاقات الممثل اللبناني. ولعل الفنانين طوني عيسى وبيار داغر يشكلان نجمي العمل الذي شارك فيه حوالى 150 ممثلا لبنانيا، ويلعب الأول دور الجهادي علي بلال والثاني دور الضابط الإسرائيلي «شلومو» الذي يتحدث اللغة العبرية بطلاقة، شأنه شأن غيره من الممثلين مثل شربل زيادة، وبيار جماجيان، وفؤاد شرف الدين، وآلان الزغبي. وهي اللغة التي تطلب اكتسابها وقتا وجهدا كبيرين لإضفاء مصداقية على الأداء. ومن تسنى له متابعة التصوير، ير صعوبة تلفظ الممثلين بالعبرية، تحت اشراف «ابو فادي» المتخصص بها، ما استدعى التصحيح وإعادة تصوير بعض المشاهد مرات عدة.
وبدا طوني عيسى مقنعا خصوصا في مشاهد التعذيب على أيدي الإسرائيليين. ولعل هذا الدور يشكل له فرصة تملي عليه إعادة النظر مرارا بالأدوار التي يمكن أن يلعبها مستقبلا، بعدما أثبت جدارته في دور صعب وشاق في آن.
غير أن ما يقال عن عيسى وداغر، لا يلغي أهمية أداء مجدي مشموشي، وعمار شلق، ودارين حمزة، مع تميز حضور الفنانين أحمد الزين ووفاء شرارة، الذي اتسم بالإنسيابية والواقعية، نتيجة كيمياء سرت بينهما وجعلت أداءهما موفقا معاً.
غير أن ثمة هنات في السيناريو الذي كتبه فتح الله عمر، وحرره محمد النابلسي، وقد لعبت دورا في تأرجح مستوى العمل. كالاعتماد على اللغة الخطابية، أو الرسائل المباشرة أو التنظيرية، وهي لغة غير مستساغة في الدراما، خصوصا اذا كانت تتناول موضوعا سياسيا جهاديا على مستوى من العمق، والارتباط بواقع لم يعف عليه الزمن بعد. فيبدو نافراًَ هذا التناقض بين جمال المشهدية وبين ضعف الحوارات التي تسبقها أو تليها.
كما أن الاستغراق في اللهجة الجنوبية، وعدم إتقانها على لسان البعض كان أمراً نافراً وغير مدروس.
وتبقى واقعة معركة خلدة في المسلسل مادة للجدل، لجهة ما اعتُبر إغفالا لدور فصائل أخرى في المقاومة فيها، علماً أن المسلسل لم ينسب المعركة الى المقاومة الاسلامية وحدها، ولم يشر في الوقت ذاته الى مشاركة فصائل أخرى بها. ما جعل الأمر قابلا للتأويل، وإن كان يرمي أساساً الى القول بأن شبابا من المشاركين في المعركة ساهموا لاحقا في تأسيس «حزب الله».
ورغم بعض العثرات، التي نأمل تلافيها في الجزأين الثاني والثالث، الا أن العمل الذي أنتجه «مركز بيروت للإنتاج الفني» بكلفة بلغت حوالى مليون و800 الف دولار، هو أول عمل درامي حديث يوثق لتاريخ انطلاق المقاومة الإسلامية. كما يشكل محاولة جدية لأخذ الدراما المحلية على طريق الاحتراف. لا سيما أن باسل الخطيب له باع طويل في إخراج الأعمال التي تحمل قضايا سياسية هامة، من مثل «ناصر»، و«عائد الى حيفا»، «وأنا القدس»..