2012/07/04
باسل عبد الكريم – دار الخليج
الرفض الذي يقابل مسلسل “في حضرة الغياب” الذي يتناول سيرة الشاعر محمود درويش، ليس وليد اليوم، وإنما بدأ منذ أن أعلن عنه بعد رحيل درويش قبل ثلاث سنوات، وتتسع اليوم رقعة النقد حتى تناوله الأدباء والكتاب والنقاد والشعراء، وكذلك ارتفعت أصوات بعض الجمعيات والمؤسسات الثقافية بسبب سطحية الدور الذي يقدمه بطل العمل، فضلاً عن الأخطاء الفنية والتقنية وانتهاءً بثغرات السيناريو والإخراج .
الممثل فراس إبراهيم الذي يجسد شخصية درويش، بدا منذ المشاهد الأولى أبعد ما يكون عن شخصية شاعر الأرض الذي اشتهر بنحافته وطوله وعينيه السوداوين، في حين ظهر فراس قصيراً يتصنع ويفتعل الرومانسية والهدوء في أدائه . وقد جاءت الحلقات الأولى مملة على نحو كبير، كما شكلت الحلقة الثانية صدمة لعشاق شعر صاحب “الجدارية” التي تضمنت كماً من الأخطاء اللغوية وطريقة أداء فراس إبراهيم وردود أفعاله الخارجة عن النص “الدرويشي”، ومن تابع العمل لاحقاً لاحظ مدى سوء استخدام الفنانين وعيوب المكياج التي تظهر بوضوح البودرة البيضاء على حاجبي فراس إبراهيم، والتجاعيد المرسومة حول عينيه والتي لم تكن بهذا العمق في ملامح درويش، مروراً بسوء تثبيت الباروكة ولونها وشكلها الذي لم يقارب لا من بعيد ولا من قريب شعر درويش، إضافة إلى عيوب الكاميرا التي تركز بجمود على البطل لدقائق عدة، ووصولاً إلى المبالغة في الشموع والورود الحمراء والفتيات المتجملات بأناقة حديثة المظهر مع ارتدائهن لأفخم النظارات من الماركات العالمية، فمتى سمعنا أو رأينا محمود درويش بهذا “الجاه” الذي يصور فيه وبرومانسية مفرطة . أما “ريتا” ابنة العائلة اليهودية التي يفترض أن درويش عاش معها قصة حب، فيعتبر اختيار الفنانة سلاف فواخرجي للقيام بدورها وهي صبية في مطلع العشرينات، أمر مشكوك بسلامته نظراً للفارق الواضح في السن . وإن كانت الانتقادات طالت صاحب الإنتاج والممثل الرئيس للعمل فراس إبراهيم، فإنها أيضاً مست الكاتب السوري حسن يوسف بسبب نمطية السيناريو الذي وضعه وكثرة استخدام أسلوب “الفلاش باك” في أعماله، وكذلك المخرج نجدة أنزور الذي شكل ظاهرة فنية لافتة، ما أثار الجدل حول دواعي عدم استعانته بصوت درويش بدل “سقطات” فراس إبراهيم .
ويعود النقاش من جديد حول مدى قدرة الأعمال الدرامية في مقاربة سير الشخصيات ومشاهير الأدب والسياسة، حيث سبق أن وجهت انتقادات مماثلة لمسلسلات تناولت سير الشخصيات المعروفة مثل، حسن البنا في مسلسل “الجماعة” وأم كلثوم والملكة نازلي وأسمهان وكليوباترا وغيرها .
لا شك في أن جهداً فنياً ضخماً قد بذل في المسلسل، وان طاقم العمل الذي بلغ عدده 600 شخص قد فعلوا ما يستطيعون لإنجاحه، وكذلك فعل الفنان فراس إبراهيم الذي بادر إلى فكرة عمل يحمل اسم محمود درويش، وجمع كل عناصر القوة لإنجاح هذا العمل، وحاول أن يعطي للمسلسل قيمة فنية وتاريخية تترسخ في أذهان وضمير المشاهدين، ولكن النتيجة جاءت عكس ما توقع .
لنعترف إذاً أن العمل جاء متعجلاً لشخصية أدبية تستحق دراسة أعمق وحواراً مدروساً ودقيقاً وأداء سليماً أكثر مما عرض على الشاشة، وأن البداية “القاتلة” للمسلسل وفشل فراس إبراهيم في الاقتراب من محمود درويش على المستويين النفسي والشكلي، طغيا على نظرة المشاهد للمسلسل .
وإذا كان العمل بهذا السوء الذي يتحدث عنه النقاد والأدباء والكتاب فلماذا لم تكن أصواتهم ومواقفهم أكثر وضوحاً ممن كتبوا على صفحات الفيس بوك والمواقع الإلكترونية؟ الرد الأفضل على من أشرف وأخرج ومثل “في حضرة الغياب” ليس وقف عرض المسلسل، وإنما عمل مسلسل يفند كل الأخطاء ويعيد الاعتبار لمركز خليل السكاكيني الذي أظهره العمل على انه مركز لبطالة المثقفين، وهو المركز الذي عرف عنه منذ 1996 اهتمامه بالفن والثقافة والإبداع الفلسطيني، وأيضاً إعادة الاعتبار لمحمود درويش وكل أصدقائه ومحبيه، على أن يكون عملاً يحمل كل مقومات النجاح ويكون بمنزلة هدية تقدم في ذكرى رحيله .