2012/07/04
تشرين
تفتقد الدراما السورية, منذ بداياتها أيام الأسود والأبيض حتى نهاية الموسم الحالي, إلى مركز دراسات خاص بها، ليقدم الإحصاءات الخاصة لعدد الأعمال الدرامية التي أنتجت وعرضت على الشاشات الصغيرة, وليصنفها دراميا وبانوراميا
لكن هذا الأمر على ما يبدو مستحيل في ظل واقع التشتت الدرامي السوري الذي تعيشه الدراما السورية رغم التقدم الجزئي الذي طرحته المؤسسة العربية السورية للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، على طريق تشكيل الموقع الراعي والقيادي لحركة الدراما السورية في السنوات المقبلة، ولعل هذه المؤسسة تساهم بشكل فاعل في إقامة مركز للدراسات وجمع وتصنيف الدراما السورية. إلى تلك المرحلة نستطيع القول: إن الدراما السورية تناولت ثيمات أساسية تؤرق الإنسان السوري بصفة خاصة ومجتمعه بصفة عامة، ومن بين هذه الثيمات والمواضيع نذكر: «الهوية، الهجرة، والمرأة والطفولة، والجنس، والأرض، والقرية والمدينة، والاستعمار والوطن، والتهميش والاغتراب، والصراع الطبقي، والجريمة، والديمقراطية، والفقر، ووضعية المثقف والفنان، والعشوائيات، والدين والتصوف الروحي. ....» ومن بين هذه الموضوعات غير المصنفة وجود الأطفال في الدراما السورية إذ نادراً ما نجد وجود قراءة أو دراسة تتناول حضور الأطفال في الدراما السورية من زاوية إحصائية أو بانورامية أو حتى من زاوية الأداء.
إن قراءة صورة الطفل في الدراما السورية تحتاج إلى تصنيفات شبه أكاديمية من أكثر من زاوية، إذ نجد هناك الطفل المنحرف، والكادح، والمختطَف، والطفولة المسترجعة، والطفل اليتيم، والخائف، والمغترب والثائر، والضائع والعدواني، والمستلَب، والطفل المهمش، والمريض والجنين... لكن نتيجة عدم وجود مركز بحثي درامي فإنه لا تمكن قراءة هذه الحالات من الزاوية الأكاديمية، وإنما تبقى في إطار القراءات الارتجالية البعيدة عن البحث العلمي والأكاديمي، فهي تعتمد على القراءات الشخصية والخاصة التي نحاول فيها تسليط الضوء على ظاهرة حضور الأطفال في الدراما السورية، ومن أهم ما شاهدناه في هذا الموسم، حضور الطفل في العمل الدرامي «السراب» من تأليف حسن سامي يوسف ونجيب نصير، ومن إخراج مروان بركات, فنجد الطفل في عائلة الفنان بسام كوسا وزوجته آمال سعد الدين، وهو ابنهما الذي يدرس في نهاية المرحلة الابتدائية، ونتيجة غياب الأب, وعدم انتباه الأم ومتابعتها, وكذلك أختاه الشقيقة وغير الشقية، وعمله معهما عنصر كومبارس في أداء مجموعة مشاهد، إلا أن هذا الطفل الكبير الحجم مع مجموعة من المراهقين في الحي يعتادون تعاطي الحبوب والحشيش، ويُجبر الشاب على تناول الحبوب والحشيش ويصبح مدمنا بسبب ظروف الأسرة.
وفي الموسم ذاته وجدنا في العمل الدرامي «في حضرة الغياب» الطفل الذي أدى شخصية محمود درويش في المسلسل، فقد أجاد الطفل لعب دور محمود درويش في طفولته في العمل الدرامي حيث قدم شخصية محمود الطفل كطفل بعيدا عن اسطرة شخصية محمود درويش كشاعر خارج العمل الدرامي، وساعد في تقريب هذه الشخصية من الشخصية الإنسانية الطفولية، التي تهتم بكل ما في الحياة ولاسيما اللقطة التي يحاول فيها الطيران عن طريق «الفرس» التي يقودها فاتحاً كلتا يديه للريح والهواء والشمس في لقطة إنسانية قريبة من الواقع الذي يحاول به كل طفل في عمره التحليق والطيران.
أما في الموسم الماضي 2010، فقد وجدنا قضية الإعاقة التي كانت حاضرة في عملين الأول «وراء الشمس» الذي اعتمد في بطولته على الطفل «علاء» المصاب بمتلازمة داون، وكذلك كان في البطولة إنسان معوق كبير وهو الفنان «بسام كوسا»، وعند سؤال المخرج سمير حسين عن آلية العمل والتدريب التي قام بها من اجل الوصول إلى نتيجة عالية في التمثيل قال: «ان مرافقة الطفل خلال ستة اشهر أتاحت لي ولفريق العمل الوصول إلى نتائج جيدة مع الفنان الطفل، وبذلك حقق حضوراً عاليا من الزاوية المهنية رغم المرض الموجود لديه... وجاء حضور الطفل في الندوات التلفزيونية بعد العمل ليعزز حضوره في إطار العمل المهني الموجودة في سوق الدراما السورية». وكذلك العمل الدرامي «قيود الروح» الذي أخرجه ماهر صليبي ومن تأليف ريما فليحان ويارا صبري، ظهر فيه طفل معوق يكبر حتى يصبح شابا، وأداء الطفل كان موفقا في إيصال هذه الشخصية إلى المتلقي. وبالعودة إلى الأعمال الدرامية في مواسم درامية سابقة نجد أن الطفل ليث قرنيط الذي لعب دور طفل يصاب بالعمى نتيجة حادث، وهو ابن الصحفي بسام كوسا وأمه يارا صبري، وهي إحدى الأسر التي تقيم في إحدى العشوائيات في العمل الدرامي «الانتظار» الذي كتبه الثنائي حسن سامي يوسف ونجيب نصير والمخرج الليث حجو، ويظهر الطفل ليث موهبة كبيرة في تجسيد شخصية الطفل الذي يصاب بالعمى، والطفل ذاته كان قد أدى شخصية طفولية في عدد من الأعمال الدرامية، منها «خان الحرير»، وكذلك شارك الطفل سليمان رزق في أكثر من عمل درامي منهما «الخط الأحمر، سفر الحجارة، قلوب صغيرة.....الخ» ويؤكد والده المخرج يوسف رزق انه يضرب أطفاله حتى يبكوا ويختار اللقطة الصحيحة، ويبرر المخرج ذلك بقوله: «نفتقد لوجود طفل لديه الخبرة والموهبة لذلك بدأت بأطفالي» (1)
كذلك الطفل مجيد الخطيب ابن المخرج باسل الخطيب، الذي جسد شخصية نزار قباني في طفولته، في العمل الدرامي «نزار قباني» من تأليف قمر الزمان علوش ومن إخراج باسل الخطيب، كما أدى شخصية طفل في ملجأ للأيتام في مسلسل «رسائل الحب والحرب» من إخراج باسل الخطيب وكتابة الكاتبة ريم حنا، كما أدت الشابة روعة السعدي في طفولتها أدواراً طفولية منها دورها في العمل الدرامي «الفصول الأربعة» حيث لعبت شخصية «نارة» ابنة المحامي الذي لعب دوره الفنان جمال سليمان.
أخيراً, إن حضور الطفل في الدراما السورية جزء من العمل الدرامي السوري اليومي والموسمي، هذا الطفل الذي يأتي في مكانه وموقعه في العمل الدرامي لينمي الانتماء إلى الأسرة السورية الدرامية.
(1)القنديل، العدد/122/، الصفحة 19، بتاريخ 12/10/2010