2012/07/04
الثورة ثقافة
الخميس 17-12-2009م
لميس علي (كل شيء كان هناك).. عبارة تحمل وميض الانعتاق باتجاه الماضي.. هل هو انعتاق أم تأكيد حبس؟ ماض يأتي محمولاً مستعاداً، مسجلاً بل ومبوّباً على أشرطة تسجيل (سمعية).. لكن ما بين الماضي والحاضر.. ما الجديد؟ تساؤل.. يحكم عرض (الشريط الأخير) الذي قدّم مؤخراً في دار الأوبرا، نص الكاتب الايرلندي صموئيل بيكيت، اخراج: أسامة غنم، والتمثيل لمحمد آل رشي. طريقة استفزازية يبدأ بها العرض، بل ويسير وفق ايقاع هذه الطريقة، التي بمقدار ما تبدو مستفزة ومختلفة تفتح دربها نحوك دون أي إذن مسبق.. تحرّضك لمتابعة قصة هذا الوحيد الجالس على طاولته.. والذي غالباً ما يكون صامتاً.. ممثل وحيد قليلاً ما ينطق، يمارس دور المستمع لماضيه الذي سجلّه على أشرطة.. لا يؤدي أي فعل حقيقي سوى البحث في دفاتر- أشرطة الزمن الغابر... فأي جاذب لك كمتلق يحملك على تأمّله ومتابعة قصته.. هي فقط تلك التسجيلات.. المقاطع الصوتية التي نستمع إليها بصوت الشخصية (كراب) تحمل تأملات... ذكريات.. تداعيات... بمقدار ما فيها خصوصية الشخصية، لها أن تتقاطع مع تأملات وذكريات ماضي كل مشاهد على حدة. من هنا يضبط (آل رشي) حالة الشخصية بحرفية عالية.. ضبطه يحكمه ايقاع واحد صاعد يصل إلى نقطة الذروة التي يعلو فيها صوته أن لا ندم على كل ما فعل... وليكن ما كان.. فليس بالإمكان أحسن مما كان.. على الرغم من أن تفاصيل الأمور والأحداث التي يسجلها ماضياً بصوته توهم (المتلقي) أنه يحيا مستذكراً تلك الأيام التي توحي بحلاوة الماضي قياساً إلى الحاضر، لأنه ماض يحتوي قصة حبّه الآفلة. العمل يحمل بالاضافة إلى تقشفه الظاهر، إذ لا ديكور ما عدا طاولة المكتب، لا إضاءة ما عدا المصباح الذي يعتلي المكتب، ومع هذا التقشف الظاهري هناك قلة إن لم نقل انعدام الحدث الدرامي، انعدام الحوار، يحمل على الرغم من كل ذلك بذرة تميزه، فحواره أقرب إلى مونولوج الشخصية مع ذاتها عبر هذا الفعل (السمعي) الذي تقوم به.. إذاً نحن نسمع أو نستمع لنتأمل حقيقة هذا الفعل الدرامي الداخلي- الصراع، عبر تأمل اللحظة المعاشة قياساً إلى لحظة الماضي. القصة بمجملها توحي بأن الحاضر يستمد ألقه من ذكرى الماضي (كل شيء كان هناك).. وكما لو أن الحياة انحصرت بذاك الزمن الذي مضى. يتم نقض كل هذا عبر اعلان (كراب) نهاية: (لا ندم) فكرة المسرحية بغرابتها- شخص يسجل حياته على أشرطة مع افتراض كونه كاتباً، ويعيد الاستماع لها- الفكرة تذكّر بأجواء العبث الذي صبغ مسرح بيكيت، لكنه يصاغ هنا بأسلوب واقعي وبلغة أقرب ما تكون إلى مقاطع الشعر. فأجواء العمل تطرح الكثير من تساؤلات وجودية شغلت الانسان ولم تزل.. عبر مقاربات ومقارنات ما بين حالتي الشخصية ذاتها ..ما بين الأمس واليوم.. في الأمس كانت طموحات وقرارات.. أما اليوم فلا شيء.. فهل هو العدم.. كما تلمح الشخصية في تعليقاتها على ما تستمعه.. وخلاصة.. هي وخزات حول علاقة الانسان مع الزمن.. مع الحب وغيره من تمظهرات توحي بوهم الحياة.