2012/07/04
5 حواس - البيان مترهل، أهوج، متسرع، هكذا رسمت السينما المصرية صورة كاريكاتيرية للمواطن الخليجي في غالبية أعمالها، فقدمته في صورة نمطية جانبتها الموضوعية والحيادية، فظهر مستهتر. كما فعل خالد يوسف في «الريس عمر حرب»، وسامح عبدالعزيز في فيلم «كباريه»، بينما قدمته قليل من الأعمال بواقعية، فظهر إنسانا بسيطا، عمليا، ناجحا، كما فعل وائل إحسان في فيلم «عندليب الدقي» الذي قدم فيه محمد هنيدي شخصية الخليجي «فواز» بواقعية اقتربت كثيرا من المصداقية.«الحواس الخمس» يرصد الطريقة الشائكة التي تعاملت بها السينما المصرية مع المواطن الخليجي، والتي أسرفت في التجني عليه، إلا قليلاً. نماذج جيدة حرص بعض صُناع السينما المصرية على إظهار الجانب المضيء في حياة بعض المواطنين الخليجيين، إلا أن نسبة هذه الأفلام لا تتعدى 1% فقط من إجمالي الأفلام التي أظهرت الجانب السيئ، إلا أنها في كل الأحوال تعتبر إنصافا لحق المواطن الخليجي. ويعتبر «عندليب الدقي» للفنان محمد هنيدي أحد الأفلام التي أظهرت الصورة الجيدة للمواطن الخليجي سواء بالاستعانة ببعض الفنانين الخليجيين بالفيلم أم بأداء شخصياتهم، هنيدي الذي اختار أن يصور نصف أحداث الفيلم تقريبا في مدينة دبي استعان بالفنان الكويتي داوود حسين، الذي أنصف من خلاله المواطن الخليجي بتقديمه شخصية الخادم الأمين الحريص على أموال وأولاد سيده. وقد رسم مخرج الفيلم وائل إحسان شخصية الفنان داوود حسين على أنه خادم للأب الذي توفى، وكان يرافقه في كل مكان، ونزل معه إلى القاهرة وحضر زواجه، وبعد أن أنجبت زوجته طفلين توأمين، حدثت مشاكل بينهما، فيترك الأب لها «فوزي» لتربيه، ويأخذ «فواز» ليربيه هو وخادمه، ويزيد الخادم إخلاصا بعد أن يلتقي الشقيقان؛ حيث يحاول أن يقرب بينهما. وخلال الفيلم نفسه يؤدي هنيدي شخصية «فواز» رجل الأعمال الخليجي الذي يمتلك مشاريع ناجحة يعمل بها أبناء بلده، والتي تحقق ربحا له ولبلاده، ولم يظهر هنيدي المواطن الخليجي على أنه «عربيد» يضيع أمواله ومشاريعه على نزواته، فقد أظهره على أنه أب بخيل في عواطفه مع ابنه، ولا يهمه سوى الربح، ولا يسعى إلا إلى تحقيق المزيد من المال. على جنب يا أسطى أيضا من الأفلام التي أظهرت الصورة الجيدة للمواطن الخليجي فيلم «على جنب يا أسطى»، وذلك من خلال الفنان الكويتي أيضا داوود حسين، الذي قدم دور «شرف» في هذا الفيلم الذي قام ببطولته أشرف عبدالباقي. وجاءت شخصية الخليجي على أنه سائح يركب تاكسي من أمام الفندق الذي ينزل به في القاهرة، ويدخل في مجادلات مع سائق التاكسي الذي يؤدي دوره أشرف عبدالباقي، ويتحدثان عن الوضع العربي سياسيا. وكذلك في أمور دينية، ولخوف سائق التاكسي من أن يستغل بائعو الترمس والذرة على الكورنيش هذا السائح، يشتري له من جيبه الخاص على أن يضيف ذلك إلى الأجرة فيما بعد؛ ليكتشف السائق في النهاية أن السائح الخليجي بلا مال، ويقوم الخليجي بتقديم شاله ومسبحته وزجاجة عطر إلى السائق كثمن للذرة والترمس، كدليل على تعامل مواطن بسيط مع مواطن بسيط. صورة أخرى منذ تسعينات القرن الفائت استعانت السينما المصرية بالكثير من الممثلين المصريين لأداء دور الخليجي الثري الذي يملك المال، ويبعثره للترفيه عن نفسه، واستمرت الحال هكذا إلى أن بدأ الاعتماد على الفنانين الخليجيين أنفسهم في الألفية الجديدة؛ ليؤدوا الدور نفسه في أعمال مختلفة. ويعتبر فيلم «الريس عمر حرب» للمخرج خالد يوسف من أكثر الأفلام التي أظهرت الجانب السيئ في حياة المواطن الخليجي، فقد أصر المخرج على أن يظهر خليجيا في صالة قمار يديرها الريس عمر حرب، ورفض تحديد هويته الخليجية، واستعان بممثل مصري؛ ليؤدي الدور، وقدم الشخصية دائمة الحضور إلى صالة القمار كل يوم. وظهرت خلال أحداث الفيلم نفسه شخصية مواطن خليجي آخر، قدمه المخرج على أنه رجل أعمال ينتهز الفرصة للنزول إلى القاهرة؛ ليرفه عن نفسه، ويعيش ساعات ومرح، وجاءت الشخصية محبة للقمار؛ حيث يأتي كل يوم ليلعب ويخسر. طير أنت ولأنه قرر أن يقدم خلال فيلمه «طير أنت» الذي أخرجه أحمد الجندي 7 شخصيات مختلفة، فقد حرص الممثل الشاب أحمد مكي على أن يحتوي فيلمه على شخصية الخليجي الذي يعاني من السمنة لضعف حركته. وقد رسم مؤلف الفيلم شخصية المواطن الخليجي الذي يتقابل مصادفة مع ليلى التي تعمل في أحد محال الإكسسوارات، فيدخل المحل ويشتري الكثير من البرفانات وأدوات التجميل وعندما تخبره بأنها قررت أن تصنع له خصما يثور عليها، ويقول لها لست محتاجا لهذا الخصم. كاريكاتيرية وإذا كانت هذه بعض الأفلام التي تناولت الخليجي، فقد انتقد كثير من النقاد هذه الصورة الكاريكاتيرية، التي من المؤكد أن هناك جهلاً يُدعمها، فقد جاءت أغلب الأنماط سيئة ومهينة. وقد انتقد فنانون خليجيون الدراما والسينما المصرية في ذلك التجني غير المبرر، إلا أن كُتَّابا خليجيين شاركوا في بناء هذه الصورة الظالمة، فجاءت أكثر الأفلام التي تناولت الخليجي في صورة غير لائقة، ومن ذلك فيلم «لحم رخيص» الذي أنتجه الكويتي عبدالله الكاتب. وقام ببطولته إلهام شاهين، محمود قابيل، كمال الشناوي، وأخرجته إيناس الدغيدي، وفضح هذا الفيلم تجارة القاصرات في مصر بتزويجهن من الأثرياء العرب، ووقتها اشتد النقد تجاه الفيلم من جانب كثير من الخليجيين، بأن الصورة التي قدمها الفيلم عنهم ظالمة وقاسية، وأن التعميم في ذكر المساوئ دليل الظلم من جانب الفيلم. من جانبه، قال الناقد السينمائي محمود الغيطاني: «إن الدراما والسينما المصرية بحكم سطوتها تتعامل مع الآخرين، غير المصريين، بالطريقة نفسها التي تتعامل بها «هوليوود» مع أي عربي، فتقدمه في صورة الإرهابي، إما لأنها تتعمد ذلك أو لأن العرب لم يقدموا أنفسهم في صورة متحضرة ليعرفها الآخر.. إذا فالخطأ مشترك.. فالمصري يجهل الخليج وما به من تفاصيل حياة، ولا يريد أن يبحث عن صورة أخرى غير المحفورة في وجدانه عن الشخص البدائي، وهذه بالتأكيد صورة خاطئة لا يقبلها أي منطق، كما أن الدراما الخليجية افتقرت إلى حرفة عرض النفس في صورة حضارية؛ لذا فهي مطالبة بتقديم الصورة الحقيقية عنهم، وألا يكتفوا بلوم صُناع السينما والدراما المصرية. فلابد من مد جسور التعاون البناء، ففي الوقت الذي فشلت فيه السياسة في تجميع العرب وجلوسهم على مائدة الاتفاق، لابد أن تلعب الفنون هذا الدور بكفاءة، وإلا زدنا انحدارا وعداءً، ولن نكون إخوة إلا بالكلام فقط». السيئة فقط أما الناقد أحمد عاطف فاعترف أن السينما المصرية لم تقدم الخليج في صورته الطبيعية، وأكد «الطبيعية»، ولم يذكر المثالية، فحسب قوله، فإننا تناولنا الصورة السيئة فقط، ولم نطرحها بإيجابياتها وسلبياتها حتى نحقق توازنا منطقيا.. أضاف: «إننا يجب أن نُدرك أن السينما المصرية حاليا لم تعد تتطرق إلى الجمال في أي شيء، بل صارت منتقدة، وراصدة للقبح فقط، ليس هذا مع الآخرين فقط، وإنما في مصر أيضا، فصرنا لا نرصد إلا العشوائيات، ونحاول تعميم الأحكام على الرغم من أن إطلاق الأحكام أمر خطأ منطقيا، لكن هذا ما يحدث. وإذا رد صُناع السينما بأن هناك أعمالاً تناولت صورا إيجابية عن الخليجي، فنحن لا ننكر هذا الأمر، لكن ننظر إلى نسبة الإيجابيات، فنجدها لا تذكر إلى جانب رصد السلبيات، وطرح القبح سواء عن الذات أم الآخر». فكر نمطي كما أكد غياب الموضوعية لدى العرب عموما، فالمصري في الخارج أيضا تؤخذ عنه صورة نمطية بأنه «فهلوي» و«أفَّاق»، وغير جادٍ في عمله، على الرغم من أن هذه صورة غير صحيحة، ونحن كعرب موصومون بالفكر النمطي وعدم المناقشة بموضوعية، ثم نعود ونشكو من أن الآخر لا يفهمنا جيدا، فكيف يفهمنا، ونحن لا نفهم أنفسنا؟!. وطالب عاطف صُناع الدراما والسينما الخليجية بترويج جيد عن بيئتهم وشخصياتهم الحقيقية، مثلما فعلت الدراما التركية من خلال مسلسل «نور»، الذي حبب العالم العربي كله في تركيا، كأنها جزء من «الجنة» يسكنها ملائكة، وما لم يفعلوا ذلك، فلن نخرج عن إطاراتنا المعهودة التي تجر علينا مزيدا من التخلف.