2013/05/29
فجر يعقوب – الحياة
مرتين اقترب فيهما الشـــاعر الراحــل محمــود درويـــش بحديثه، من شؤون الفضائيات وشجونها في شكل مباشر. صحيح أنه كان نجماً يحل على بعضها للحديث في هموم الشعر والثقافة والمنفى وأسئلة كثيرة مؤرقة له وللجمهور على حد سواء، إلا أنه في هاتين المرتين كان قريباً جداً من هوية التلفزيون، يعاينها ويحكم على بعض نجومها. في المرة الأولى تحدث عن الممثل السوري الراحل خالد تاجا. قال عنه إنه «أنطوني كوين العرب». لم يكن راقص التانغو السوري مخيّراً في قبول أو رفض اللقب. فقد انتشر هذا اللقب، ولم يعد ممكناً تحاشيه أو التخفيف من تأثيره في أي حكم يطاوله في حياته المهنية والشخصية، باعتبار أن النجم الأميركي أصبح سلوك حياة أيضاً. سيتكرر كثيراً اللقب حتى من بعد رحيل صاحبه وحامله. ولا نعرف بالطبع ما الذي أضافه إليه اللقب على الصعيدين المهني والشخصي. فقد ظل النجم السوري وفياً لموهبة وسلوك خاصين به حتى وفاته.
في المرة الثانية، كان درويش يقف في مواجهة «الهوية» القاتلة للبث الفضائي العربي التي ستتحكم بمساره وتحدد توجهاته. لم يخب توصيفه. جاء حاسماً وقاطعاً ومباشراً. كان الفضاء العربي ينصاع اليه بالسليقة. لم يكن ممكناً إلا أن ينطلق من غوايتين اثنتين: الغواية الأولى تكمن في تجذّر بث فضائي مهموم ومسكون بعقل ماضوي لا شغل له سوى النبش في الماضي والتهديد الدائم به، حتى أصبح يتدخل في كل شاردة وواردة في حياة الناس اليوم مستفيداً من حجم الإخفاقات التي تلف العالم العربي على مختلف الصعد. قال الشاعر الراحل عن هذه الحالة إنها أمر مفهوم بالنسبة اليه. فأصحاب هذا النوع من البث الفضائي واضحون وهمومهم واضحة، وربما لا يشكلون خطراً كبيراً في المستقبل المنظور إلا على أنفسهم، طالما أنهم لن يكون في وسعهم القفز على أحصنة الحداثة ورفسها في الوقت نفسه إلى ما لا نهاية، فهذه الأحصنة نفسها كفيلة بإنزالهم والتخلص منهم برفسهم نهائياً أو تدريجاً، إذ يصبحون عقبة في وجه الحياة نفسها.
الخطر لم يكن يأتي من هذه الزاوية كما يراه درويش. صحيح أن الفضاء العربي مسكون بكثير من هذه الفضائيات، وقد أصبح لها مريدون كثر ونجوم يستغلون وقوفهم تحت الأضواء لينفذوا أجندة خاصة بهم. وهذا كله لم يكن يقلق الشاعر الراحل، فهم لا يكفون عن أن يكونوا هم أنفسهم في مواجهة الحياة، وربما تنكشف حيلهم وينكشفون معها، لأن الحياة نفسها تقف على نقيض منهم ومن أجندتهم. من كان يثير الشاعر الراحل أكثر، هم العلمانيون ومدّعو الديموقراطية والحداثة الذين يبحثون عن صورهم بين الفضائيات، وقد أصبحت الشغل الشاغل لهم. تجدهم يتزاحمون في البحث عن استضافة هنا وهناك في برنامج ثقافي أو سياسي، لا تكتمل أدوارهم في الحياة من دونها، وكأن البث الفضائي نفسه أصبح بمثابة الدين الجديد لهم، يقول الشاعر الراحل.