2012/07/04
5حواس - البيان في الوقت الذي تلعب السينما الوثائقية دورًا في معالجة الواقع ورصد الأحداث من دون تخطيط أو تهيئة، لوحظ في الآونة الأخيرة اختفاء هذا النوع من الأفلام في السينما العربية بصفة عامة، والمصرية بصفة خاصة. ولم يعد لهذه النوعية أي جماهير بسبب الفهم الخاطئ لمفهوم السينما الوثائقية، وربطها بما يسمى بالسينما التسجيلية.. صعوبات كثيرة تواجه السينما الوثائقية التي ترصد الواقع.. هل هذا من قبيل الروح العربية الرومانسية التي تعشق الخيال وتنبذ واقعها المؤلم؟ الإجابة تحملها آراء مديري دور العرض السينمائي والنقاد والمخرجين ، فإلى التفاصيل.يؤكد يوسف عزيز مدير سينما «هيلتون رمسيس»، على أهمية الأفلام الوثائقية، وما تقدمه من حالات إنسانية، وما تنقله من واقع اجتماعي صادق، كون أبطالها حقيقيين، إلا أنها تفتقر الى القاعدة الجماهيرية مقارنة بالأفلام الروائية. الأمر الذي يعود إلى طبيعة المشاهد العربي وثقافته التي تعشق مشاهدة الأفلام الرومانسية والأكشن، ولا تحبذ متابعة واقعها. عادات مشاهدة واتفق معه في الرأي أحمد حسنين مدير سينما «كوزموس»، في أن المشاهد العربي لم يعتد الذهاب إلى السينما لمشاهدة فيلم وثائقي مثلما يحدث في الدول الأوروبية، علاوة على عدم وجود قنوات وثائقية متخصصة بوفرة، ودور عرض توافق على هذه الأفلام؛ حيث يعد رفض دور العرض من الصعوبات الرئيسية التي تواجه الفيلم الوثائقي. ولم يكن هذا السبب الوحيد لعزوف المشاهد العربي عن مشاهدة هذه النوعية من الأفلام، لكن جرأة المخرج في اختيار موضوعه واصطدامه بالرقابة العربية من المعوقات الرئيسية أيضًا أمام تطور السينما الوثائقية العربية. ترفيه مفقود ويرى المنتج والموزع محمد حسن رمزي أن هذه السينما مجهولة جماهيريًا في الدول العربية كافة، رغم وجود كم هائل من الأفلام التسجيلية السورية والأردنية والمصرية، لكن المشاهد لا يشعر معها بأي ترفيه؛ لأن السينما بالنسبة له ترفيه، إلا أنه عندما يراها لأول مرة يصطدم بواقع مغاير للذي يراه في السينما، كما لا توجد تظاهرة سينمائية تستطيع جذب المشاهد واستقطابه، باستثناء بعض المحاولات التي لم تحظ بأي نجاح يذكر، ومرت مرور الكرام، ويفاجأ البعض بأنها تذاع على بعض القنوات الأرضية أو «الجزيرة» الوثائقية التي تدعم إنتاج مثل هذه الأفلام. وأكد رمزي اهتمام دور العرض السينمائي بالأفلام الروائية التي تجذب شرائح مختلفة من الجماهير، خاصة أن الأفلام التسجيلية تفتقر إلى الموضوعات التي تحقق الربح لأصحاب دور العرض، علاوة على أن الكثير من المخرجين العرب الشباب يعزفون عن خوض تجربة الفيلم الوثائقي،. وبالتالي أسهمت هذه النظرة السلبية في ضعف الإنتاج رغم أن كثيرين يعتبرون الفيلم الوثائقي سهلاً ولا يحتاج إلى سيناريو؛ فيقوم المخرج بالتركيز على الإعداد وجمع المعلومات وإجراء المقابلات والاستعانة بالتعليق الصوتي على الصورة وشرح تفاصيل مختلفة حول الموضوع، فتكون النتائج سيئة، ويتحول الفيلم الوثائقي إلى تقرير تلفزيوني، ما يبعث في نفوس المشاهدين الملل، ويجعلهم يظنون أن الفيلم الوثائقي يحتاج إلى مستوى عالٍ لاستيعاب رسالته. مشاكل إنتاجية بدوره يشرح المنتج السينمائي محمد العدل أسباب عزوف كثير من المنتجين عن هذه النوعية من الأفلام، واقتصار إنتاجها على الشركات الحكومية، قائلاً: إن هذه النوعية من الأفلام تأخذ من المساحة الإعلانية المتاحة لدور العرض، ما يسبب خسارة لهذه الدور الباحثة عن الاستثمار في الإعلانات، لكن العدل يوضح في الوقت ذاته الأهمية الكبرى للفيلم الوثائقي الذي يعد بناءً متماسكًا يعتمد على الموضوعية، وربط الفائت بالحاضر واستشراف المستقبل. مشروعات تخرج ولإجبار دور السينما على عرض الفيلم الوثائقي بدلاً من الإعلانات يشترط الكاتب والسيناريست أسامة أنور عكاشة تفعيل القرار الجمهوري الصادر العام 1966 بعرض هذه الأفلام بجانب الأفلام الروائية حتى يتمكن الجيل الجديد من شباب السينمائيين من تقديم أدوارهم الفنية في حدود ميزانية معقولة بعيدًا عن الأرقام الفلكية التي تتحملها شركات الإنتاج أو تتخذها معاهد التمثيل والسينما كمشروعات تخرج يترجم خلالها الطالب ما تعلمه خلال أعوام الدراسة. أما الناقد السينمائي صبحي شفيق فيؤكد أن السينما الوثائقية أكثر أمانة وصدقًا من الأفلام الروائية؛ لأن المشاهد يعرف أن الروائية تطرح «كذبة» يعيش فيها المشاهد بعض الوقت، ما يعطي السينما الوثائقية تفوقًا أمام الروائية، علاوة على إمكانية طرح أي موضوع مهما كانت حساسيته من خلال فيلم وثائقي. انتعاش قلب الحدث ويشير الناقد سمير الجمل الى أن حركة الأفلام الوثائقية حاليًا مبنية على الطلب، فمع الأحداث تظهر الأفلام وتنتعش، ليس في دور السينما، ولكن على القنوات الأرضية التي تزخر بأعداد هائلة من الأعمال الوثائقية، وحمل الجمل القنوات الفضائية مسؤولية غياب هذه الأفلام عن شاشتها، والاعتماد على البرامج الترفيهية المربحة. كذلك عدم تعاون بعض الجهات ذات العلاقة في إبراز الحقائق حول أسباب ندرة الأفلام العربية الوثائقية، حتى أصبحت تعتمد على المجاملة والتمجيد فقط بعيدًا عن الحقائق، وهذا ما أحدثه الفيلم الوثائقي «أحلام الزبالين» الذي عرض أخيرًا في مهرجان الفيلم الوثائقي الخامس بتونس. حيث استعطف الجماهير بعرض الوضع في مصر، واستقطب جماهير غفيرة بعد أن أبدعت مخرجته مي إسكندر، وأثار الفيلم زوبعة كبيرة بالقاهرة، واتهمت المخرجة بأنها تجاوزت في وصف أحوال الفئات الكادحة في مصر. صناعة تاريخ واعتبر المخرج الوثائقي هشام روح الكمال أن الأفلام الوثائقية أسهمت في صناعة التاريخ، وأسقطت قوى عظمى، ولعل أفضل الأفلام التي قصمت ظهر الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش فيلم «معركة من أجل حديثة». وهو فيلم روائي ذات منهجية وثائقية للبريطاني «نيك برومفيلد» الذي جسد الحالة النفسية للجنود الأميركيين، والتي أدت إلى تصرفات غير محسوبة، فتودي بحياة الأبرياء وتقضي على الحب، وتخلف حالة من العنف المضاد. ولم يكن الفيلم إدانة سياسية، لكنه كان تحليلاً لمعاناة الجنود الأمريكيين في العراق؛ حيث يعد الفيلم الأكثر سخونة منذ 5 أعوام؛ حيث قامت السينما الأمريكية والإعلام الأمريكي بالتعتيم عليه، إلا أن جماهير كثيرة تسابقت للفوز بمشاهدة الفيلم الوثائقي، ولم تستطع أجهزة الأمن منعهم من ذلك. وأشار الناقد رفيق الصبان إلى أن الفيلم الوثائقي والتسجيلي يجب أن يكون بداية مشوار حياة خريجي معهد السينما، حتى يستطيعوا التدريب على تقنيات العمل السينمائي قبل التحاقهم بالعمل الذي يحتاج إلى مجهود مضاعف في الأفلام الروائية، لكن للأسف، والكلام للصبان، أصبح الفيلم لا ينتج إلا من خلال المركز القومي للسينما. بالرغم من كون السينما الوثائقية لها موقعها المميز؛ لتكون من العناصر المهمة بالنسبة للسينما؛ حيث تميزت قبل الثورة التكنولوجية، وتطور الإنترنت؛ لتصنع جمهورًا كبيرًا في هذا المجال. واعتبر الصبان أن السينما الوثائقية لها دور مهم في نقل معطيات الفكر بأدوات أكثر فاعلية؛ لتأثيرها في إحداث التغيير الاجتماعي والثقافي؛ لذلك لا بد من توسيع مدارك المشاهد وتحفيزه لمشاهدة هذه النوعية من الأفلام باستمرار