2012/07/04
خمس الحواس - دار الإعلام العربية
في مصر أماكن كثيرة شهيرة يرتادها السياح والمواطنون ويتفاعلون معها بقوة، ولكن أيضا هناك أماكن شهيرة جدًا ولكن لا يزورها أو يتمنى زيارتها أي
مواطن في كامل قواه العقلية ولا يعاني شيئا في صحته النفسية، مثل مستشفى «العباسية للصحة النفسية» والذي تصدر اسمه خلال الفترة الأخيرة
عناوين وكالات الأنباء والصحف متجاوزًا حتى الأخبار السياسية المهمة عقب ما تردد عن نقله إلى مدينة بدر التي تبعد عن القاهرة حوالي 80 كيلو مترا، ما
أثار حفيظة قطاعات كبيرة من منظمات المجتمع المدني والنقابات المعنية، خاصة أن هذا المستشفى الذي يوجد حاليا على مساحة 68 فدانًا، ارتبط اسمه
على مدار عشرات السنين بمنطقة تاريخية حبيبة إلى نفوس المصريين وهي منطقة العباسية، وسط القاهرة.. «الحواس الخمس» رصد تاريخ هذا المبنى
العريق والحكايات التي ارتبطت به في عقول المصريين
هناك طرائف كثيرة ارتبطت بهذا المشفى الذي تم إنشاؤه عام 1883، منها عندما يختلف اثنان ويشطح أحدهما فيرد عليه الآخر قائلا «أنت مفروض مكانك
مستشفى العباسية» بمعنى أنك مريض نفسي أو مجنون، ولكن السينما المصرية تفننت خلال تاريخها وهي تتناول مستشفى العباسية بطريقتها والتي
أطلقت عليه اسم «مستشفى المجانين» فقد قدمت الأفلام السينمائية عنه نماذج كثيرة منها ما لقي القبول ومشاهد أخرى واجهت رفضا لشكل التناول
أو المبالغة في إظهار قسوة العاملين في المستشفى الذين يفترض أن يكونوا ملائكة للرحمة، وصورت النزلاء وكأنهم كلهم مجانين من الدرجة الأولى
أكبر مستشفى في الشرق الأوسط
والمتابع لمسيرة هذا المستشفى باعتباره أكبر مستشفى للأمراض النفسية على مستوى الشرق الأوسط - يدرك أهميته من عدة جوانب أهمها وجود
قسم لعلاج الإدمان وهذا القسم استقبل عبر تاريخه كثيرًا من المشاهير في المجالات المختلفة، ويعد الآن الأكثر استقبالا للشباب، ويتم فيه العلاج
بأحدث الوسائل والأساليب لإعادة الإنسان لحياته الطبيعية خاليا من أي سموم في جسمه، ولم يتوقف علاج الإدمان على المخدرات والخمور بل حتى
مدمني التدخين للسجائر يلجؤون له في كثير من الأحيان
وهناك كثير من الشباب الذين تخلصوا من الإدمان بفضل كفاءة هذا المستشفى يعملون الآن متطوعين لعكس تجربتهم في هذا المستشفى وذلك من
خلال الجلوس إلى المرضى ومحاوراتهم لإكسابهم مزيدًا من الإرادة للمقاومة واستكمال العلاج .من بين هؤلاء ماجدة التي قالت: كنت مدمنة مخدرات
ودخلت هذا المستشفى وتم علاجي من الإدمان، وبعد شفائي بدعم من المستشفى ووقفة والدي بجواري، قررت أن أكرس كل جهدي ووقتي في خدمة
مرضى الإدمان، وأضافت: أنا أتحدث عن رحلة إدماني ورحلة شفائي مع المرضى بصراحة شديدة في كل المواقع وبلا حرج، بالرغم من أن كثيرًا من الناس
يتحرجون في ذكر تجربتهم مع العلاج النفسي أو زيارتهم للطبيب النفسي، وأشارت إلى أن مستشفى العباسية للصحة النفسية مؤهل لخدمة هذه الفئة
بصورة علمية مؤسسة
تجارب واقعية
ولكن هشام شاب في التاسعة والثلاثين من عمره، كان أكثر شجاعة حيث قال: كنت مريضًا نفسيًا وتم علاجي في هذا المستشفى، ولذلك فضلت أن
يكون لي دور أقوم به؛ لأن أي إنسان يمكن أن يتعرض لحالة نفسية وتتحول حالته إلى مرض نفسي، ولكن بالمتابعة الدقيقة مع الطبيب المعالج وزوال
الأسباب الرئيسية يصبح الإنسان عاديا بل أفضل من آخرين يعيشون بيننا يرفضون فكرة اللجوء إلى العيادات النفسية
وأشار إلى أن المستشفى يدعم مشروعًا نقوم به نحن أصحاب التجارب ممن ترددنا على عيادات الأطباء النفسية ومعنا في المشروع بعض الذين لزموا
سرير مستشفى العباسية للصحة النفسية قبل شفائهم، ويستطرد قائلا: مهمتنا صعبة ولكن نجحت إلى حد كبير وهي إقناع الناس بضرورة زيارة الطبيب
النفسي إذا دعت الحالة، خاصة في حالات الاكتئاب أو الهوس أو تغير المزاج المستمر أو التوترات التي تؤدي إلى العصبية الشديدة وغيرها من الأمراض التي
لا يعترف بها المجتمع كأي مرض عادي، ويؤكد: لقد نجحنا ونتوقع من الأجهزة الإعلامية أن تدعم مشروعنا
أثر تاريخي
إلى هنا يرى كثير من المهتمين أن وجود هذا المستشفى في موقعه الحالي أمر مهم ونقله من مكانه إلى مكان بعيد عن العمران يعتبر كارثة إنسانية،
فيما اعتبرت منظمات حقوق الإنسان التفكير في نقل المستشفى أمرًا يتنافى مع قوانين منظمة الصحة العالمية والتي ترى أن استغراق المريض النفسي
أكثر من 20 دقيقة للوصول إلى مكان العلاج عمل غير أخلاقي، فضلا عن أن ذلك يحول دون دمج المريض النفسي مع المجتمع للرجوع به إلى صحته
النفسية
ورغم نفي الجهات المختصة في الدولة على مستوى وزير الصحة ونقيب الأطباء المصريين أي تفكير في نقل المستشفى من مكانه ? لم تتوقف الوقفات
الاحتجاجية، إلا بعد صدور قرار من وزير الثقافة المصري نهاية الأسبوع الماضي بتسجيل مستشفى العباسية للأمراض النفسية أثرًا إسلاميًا بعد معاينة
قامت بها لجنة تضم خبراء في هذا المجال، وهذا يجعل من هدم المستشفى خرقًا ومخالفة لقانون الآثار الذي يحظر هدم المنشآت التي مر على إنشائها
أكثر من 100 عام، إذ تعتبر أثرية؛ لأن هذا المستشفى شيد قبل 120 عامًا
ورأت المنظمات والشخصيات المحتجة على فكرة نقل المستشفى أن تسجيله كأثر إسلامي قد قطع الطريق أمام أي محاولة للمساس به أو إهدار حقوق
هؤلاء النوع من المرضى
«م.م.ع» ممرضة بالمستشفى، تعمل منذ 25 عامًا بهذا المستشفى الذي قدم خدمات كبيرة للمجتمع، تقول: عندما أشيع نبأ نقله من العباسية إلى
مدينة بدر انزعجنا، ولكن المسؤولين أكدوا لنا عدم صحة هذه الشائعة مطلقا
وتروي تجربتها بهذا المستشفى فتقول: عملت في أقسام عديدة بهذا المكان، وهو مثله مثل أي مستشفى آخر مع اختلاف في المرض ونوعية المريض،
ولكن السينما تصورنا وكأننا وحوش نتعامل مع وحوش آخرين، كما تصور النزلاء وكأنهم كلهم مجانين من الدرجة الأولى، وأضافت: لدينا نزلاء عاديون يعانون
من حالات نفسية وعصبية وحالات الاكتئاب لكنهم يعالجون، من خلال عيادات مفتوحة فيها كبار الاختصاصيين في الطب النفسي، حتى الشفاء التام
ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي، وتشير إلى أن النظرة لهذا المستشفى ظلت حاجزا لكثير من الناس الذين يحتاجونه بالفعل، ولكن أغلبهم يقول لك «أخاف
على سمعتي» رغم أن التعامل مع بيانات أي مريض تتم بمنتهى السرية. وحول ما يتردد عن إدخال البعض هذا المستشفى للتخلص منهم بسبب الميراث
أو نشاط سياسي أو لتصفية حسابات دون أن يكونوا يعانون من مرض، قالت: هذا حديث غير صحيح لا يمكن دخول مريض عنابر المستشفى إلا بعد التأكد
من أن حالته تتطلب ذلك، ولدينا أطباء محترمون فيهم قدر كبير من الإنسانية والمهنية ويساعدون مرضاهم بأسلوب حديث ورائع للشفاء
واقع مختلف
فيما اعتبر «س.ل.س» أحد العاملين بالمستشفى، ما يتردد عن دخول البعض للمستشفى بفعل فاعل حديث «سينما»، وقال: لهذا المستشفى ضوابط
مشددة في التعامل مع الحالات لدرجة أن بعض الأسر وأيضا المرضى يطلبون حجزهم بالمستشفى حتى يتم شفاؤهم وترفض المستشفى ذلك؛ لأن
الإنسان الذي يحتجز بالمستشفى لابد أن تكون حالته تتطلب ذلك، وأشار إلى أن حكاية 20 مريضًا يكونون في عنبر واحد وهم يلبسون ملابس مهلهلة
ويحملون أدوات وعلب الصلصة أو الساردين الفارغة في أيديهم ليس صحيحًا؛ لأن المستشفى دائما يبعد عن المريض العقلي والنفسي وحتى المريض
الذي يعاني من الاكتئاب أي أدوات حادة أو حبال أو أي شيء يمكن استخدامه للانتحار أو إصابة آخرين في حالات معينة