2013/05/29
عدنان حبال – البعث
قبل الإخراج والتمثيل يعتبر السيناريو والحوار أساساً لأي عمل تلفزيوني أو سينمائي، وليس الرواية الأصلية التي يقوم بعض كتاب السيناريو اليوم بتشويهها حسب رغبة المخرج أو الجهة المنتجة، ولدينا أمثلة عديدة على أن نجوم الدراما من المخرجين والممثلين من الجنسين لم يستطيعوا إنقاذ سيناريوهات رديئة من السقوط على الشاشة رغم أنها مأخوذة عن روايات جيدة، وقد تهرب بعضهم من مسؤولية الفشل وألصقوها بالمنتج ومساعديه الذين فرضوا إعلان أسمائهم في المقدمة والمؤخرة تحت شعار الإشراف العام أو الإشراف الدرامي، واعترف البعض الآخر، بعد فوات الأوان، برداءة النص وفرضه بقوة المال من قبل الجهة المنتجة أو نجومها من الجنسين.
إن رداءة النص، أي السيناريو، التي تتمثل في سماجة الحوار والوصف المتخلف تقنياً للصورة، وفقر مضامين المشاهد وضعف بنائها الدرامي، تسيء غالباً للمخرجين والفنانين الجيدين، وتبلّد أحاسيسهم وتربك أداءهم، حتى صرت كمتفرج تراهم يعملون من أجل العمل والمال، وليس من أجل الفن أو الثقافة أو التنوير.
ولنعد بالذاكرة إلى أمثلة من موسم مسلسلات رمضان الماضي وما بعده، ولنقارن بين تميز أداء الفنان بسام كوسا وعفويته في مسلسل "زمن العار" وبين رتابة هذا الأداء وتواضعه في مسلسل"وراء الشمس"وهذا ما ينطبق على الفنانة منى واصف، وغيرها من نجوم المسلسلين، رغم تعادل مستوى الإخراج فيهما،إن السبب الأساس والوحيد تقريباً في نجاح وتألق ممثلي"زمن العار"و"عصي الدمع"وتراجعهم في عمل آخر هو النص،إنه النص الجيد الذي رفع الفنانة الموهوبة سلافة معمار في"زمن العار" إلى مرتبة النجوم وكرّس بالطبع نجومية منى واصف وبسام كوسا وتيم حسن، وقد أساءت إلى مخرجيها وممثليها نصوص مثل"باب الحارة"و"خلف القضبان"وأخيراً"الشراع والعاصفة"بما احتوته هذه النصوص من حوار سخيف غير منطقي أو مقبول، وأحداث خيالية ملفقة، وانعدام أي هدف اجتماعي لكاتب السيناريو والمخرج أو للمنتج في القطاعين العام والخاص، الذي كان الممول والمخطط والمروّج والمسؤول عن إنتاجه التلفزيوني والسينمائي من غير تدقيق في النوعيات والمضامين.
ودعونا نتابع المقارنة بين أداء بعض الممثلين النجوم في أعمال ذات نصوص جيدة وأخرى رديئة، بين عفوية وصدق إحساس الفنان أيمن زيدان في مسلسل"على طول الأيام"ومبالغته وتعثره في مسلسل "قاع المدينة"،بين تألق الفنان الشاب باسل خياط في مسلسل"على حافة الهاوية"وبين انحداره إلى التصنع والتظاهر والسطحية في نص رديء مثل"رجال الحسم".بين نادين في"سحابة صيف"ونادين في"خبر عاجل"... وقارنوا بين جودة أداء الفنانة كاريس بشار في مسلسل"ظل امرأة"وتراجعه في مسلسل"ممرات ضيقة"وكذلك بين دور رامي حنا المتألق في"عن الخوف والعزلة"ودوره الضحل في"الغفران" ودور نسرين طافش المتميز في"الانتظار"ثم دورها المتعثر في"صبايا".
إن النص أو السيناريو الجيد يساعد الممثل على أن يجيد الأداء ويحسّ ويقنع بالصدق ويتفانى وينجح في تحقيق ما يرمي إليه الكاتب من مقولات ومضامين، ويتم ذلك غالباً بمساعدة وإبداع المخرج وإبعاد الذين يسمون أنفسهم مشرفين عامين أو دراميين من الإداريين أوالمنتجين المنفذين عن التدخل في النواحي الفكرية والفنية بما فيها توزيع الأدوار ونوعية أداء الممثلين.
والواقع أننا لم نشهد حتى اليوم مخرجاً جيداً أنقذ نصاً سيئاً من السقوط، بل رأينا العكس، وهو أن نصاً سيئاً أدى إلى انحدار مستوى المخرج ولو لفترة محددة كما فعل الجزء السادس من بقعة ضوء ومسلسل"رياح الخماسين"بالمخرج هشام شربتجي، وكما فعل مسلسل"صدى الروح"ومسلسل"ممرات ضيقة"بالمخرج محمد الشيخ نجيب وكما فعل مسلسل"على موج البحر"بالمخرج أسعد عيد، وقد سبّب نص مسلسل"الولادة من الخاصرة" إدانة لفكر وذوق المخرجة رشا شربتجي وموقفها المسيء إلى سورية وأهلها، ولاسيما بعد مسلسلي "غزلان في غابة الذئاب" و" تخت شرقي" وأساء نص مسلسل"رجال الحسم"إلى وطنية وثقافة المخرج المشهور نجدت أنزور، وأثار قبله مسلسل "ماملكت أيمانكم" حساسيات دينية .
ولنذكر أخيراً أن بعض كتاب السيناريو شوهوا روايات رائعة، وآخر مثال على هذا التشويه هو سيناريو الفيلم السينمائي لرواية حنا مينه الشهيرة " الشراع والعاصفة" الذي تضافرت فيه رداءة نص السيناريو مع سطحية الإخراج، وابتعاد الممثلين كثيراً عن الشخوص الدرامية الهامة في الرواية ولاسيما شخصية " الطروسي" التي أداها الفنان الجيد جهاد سعد بمبالغة وعنجهية سطحية، وشخصية المرأة أم حسن التي لعبتها رندة مرعشلي بإغراء جنسي غريب لايقارن بالدورالإنساني الذي لعبته إغراء في فيلم " الفهد" المأخوذ عن رواية حيدر حيدر، لولا أن استطاع المخرج وكاتب السيناريو الجيد نبيل المالح والفنان الرائع أديب قدورة إنقاذ الفيلم من الملل الذي سقط فيه الآن فيلم" الشراع والعاصفة" فلم تنقذه العاصفة الأوكرانية المكلفة، بل سقط من حيث النّص- أي السيناريو والإخراج- وضاع بلا إيقاع ولا هدف ولا قراءة عميقة للرواية الأصلية وأهدافها الفكرية ومقولاتها الإنسانية والوطنية الهامة، إلى جانب قيمتها الأدبية التي فشل تخلف رقابة القطاع العام السينمائي في معالجتها وتصويرها للشاشة.
أما الأعمال الكوميدية، فإذا تجاوزنا " ضيعة ضايعة " و "خربة " والحلقات القديمة من "مرايا" و "بقعة ضوء" ذات النصوص الجيدة فوجئنا بسماجة الحوار والأشكال والمضامين التي انعكست بوضوح على " نجوم" آخر أجزاء "بقعة ضوء" وبعض حلقات "مــــرايا" ولاحظنــــا خفـــــة ظــــل مســـــلسل كوميدي جديد يحمل عنوان "شاميات" الذي يبشر بالاستفادة من تجاربنا السابقة ويستحق الشكر والتشجيع ..