2012/07/04
علي وجيه
لماذا يجب أن تكون الأفلام الروائية السورية مروّجةً لفكر أيديولوجي معين، أو مرتبطة بإحالة تاريخية أو فلسفية ما، أو معبّرة عن فكر ذاتي خاص بالمخرج؟ لماذا تغيب عناصر التشويق والإثارة عن هذه الأفلام ؟ هل يعني حضور «توابل شبّاك التذاكر»، بالضرورة، أنّ الفيلم خفيف وسطحي وخال من الروح الثقافية التي تحرص عليها الأفلام السورية دائماً؟ باختصار، لماذا لا نرى تفاصيل حياتنا اليومية على شاشة سينمانا؟
مع تراجع موجة الأفلام التجارية التي ازدهرت بجهود القطاع الخاص في السبعينيات خصوصاً، انطلقت سينما المؤلف التي يُعدّ محمد ملص أحد عرّابيها الأساسيين. شريطه «أحلام المدينة» 1983 فتح الباب أمام سلسلة من الأفلام عبّر خلالها المخرجون السوريون عن فلسفتهم الخاصة في السينما. جرّبوا في إنتاجات قليلة للمؤسسة العامة للسينما على مدى سنوات، وخرجوا بأفلام نخبوية لم يفهمها المتفرّج العادي، أو وجدها غريبةً في أحسن الأحوال، فآثر الابتعاد عنها. حتى القطاع الخاص، بإنتاجاته القليلة، لم يشذ كثيراً عن القاعدة، فتابع في موجة سينما المؤلف وقدّم أفلاماً متفاوتة الأهمية في هذا المجال.
مؤخراً، قررت المؤسسة العامة للسينما تغيير البوصلة، فاتجهت إلى الرواية السورية. شاهدنا «حسيبة» 2008 لريمون بطرس عن رواية لخيري الذهبي، و«دمشق يا بسمة الحزن» 2008 لماهر كدو عن رواية لإلفة الإدلبي. وفي هذا العام «حرّاس الصمت» لسمير ذكرى عن رواية لغادة السمان، وهو الفيلم الهزيل الذي نال تنويهاً من مهرجان دمشق السينمائي الأخير «لتشجيع التوجّه نحو استفادة السينما من الرواية التي تحمل مضامين سامية». الاستعادة النوستالجيّة الفقيرة لدمشق منتصف القرن العشرين (تقريباً)، والتركيز على المرأة كعنصر تمرّد اجتماعي في تلك الفترة، من أبرز القواسم المشتركة بين هذه الأفلام. وقريباً تستعد المؤسسة لتقديم «الشراع والعاصفة» لحنّا مينة بتوقيع غسان شميط، و«هوى» هيفاء بيطار بإخراج لواحة الراهب، و«إلى الأبد.. ويوم» لعادل محمود بإمضاء ريمون بطرس.
هكذا، تبتعد السينما عن سورية القرن الحادي والعشرين. تتجنّب خلخلة البنية الاجتماعية القائمة بغية مناقشتها وتحليلها، ولا تقترب من سيكولوجية الفرد السوري الذي يواكب التحوّلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الجديدة. كيف يتأقلم كمواطن مع الانتقال من الاشتراكية الصرفة إلى ما يُسمّى بـ «اقتصاد السوق الاجتماعي»؟ هل يمكن أن نرى تجمّعات الحصول على دعم المازوت، مثلاً، بعين سينمائية خبيرة؟ الأجوبة السلبية على هذه الأسئلة، أفضت إلى نتيجة مثيرة للاهتمام. الدراما التلفزيونية باتت تتصدّى لمواضيع حسّاسة أهملتها السينما، بعد أن تجاوزتها في الجرأة ومناقشة الراهن اليومي، وهو عكس المنطق الطبيعي في كل أنحاء العالم.
لا بدّ من تكرار المطالبة إذاً. نريد أفلاماً عن طوابير الشباب عند مكاتب التشغيل وعلى أبواب السفارات وفي «زواريب» وسط المدينة. عن العشوائيات والمخالفات الآيلة للسقوط. عن جرائم الشرف المسكوت عنها وعمالة الأطفال في المدابغ والورشات. عن البنية السياسية والاقتصادية القائمة. باختصار، نريد أن نرى أنفسنا على الشاشة الكبيرة، بعيداً عن التلميع وأساليب الإخراج المستهلكة في الاتحاد السوفيتي والكليشيهات الجامدة المنفّرة للجمهور.
أحد الخبثاء تنفّس الصعداء بعد مشاهدة «مرة أخرى» لجود سعيد، والسبب: «أخيراً شفت لابتوب بفيلم سوري».