2012/07/04
أسامة عسل - البيان
منذ سنوات قليلة كانت المهرجانات السينمائية في عالمنا العربي مثل الفاكهة النادرة التي ننتظر موسمها من عام إلى آخر، أما اليوم ونتيجة سوء التخطيط لا نجد بلدا عربيا إلا وأعلن عن مهرجان سينمائي يحدد فعالياته في الشهور الثلاثة الأخيرة من السنة.
وبمرور الوقت تداخلت المواعيد وأصبحت المساحة الزمنية لا تسمح بهضم كل مهرجان على حدة، فلا وقت للتأمل وأخذ النفس، فمن مهرجان بيروت إلى الإسماعيلية إلى أبوظبي والدوحة دخولا بقرطاج وبعده دمشق ثم القاهرة ومراكش ودبي، متواليات سريعة ما إن يختتم مهرجان حتى يفتتح آخر بل أحيانا تتداخل في الوقت نفسه حفلات الافتتاح والختام. وقريبا يدخل مهرجان الكويت السينمائي على الخط وقد يغير مهرجان مسقط مواعيده أيضا، تماما كعادة ثقافة السوق العربي عندما يفتتح شخصا محلا لصناعة وبيع المأكولات وينجح، يسرع الآخرون بافتتاح محلات أخرى في الشارع نفسه. وربما بجواره في تقليد متكرر لنوعيات وأسلوب وثمن الوجبات، إن لم يقلل أو يزيد أسعارها حسب إمكاناته المادية أو يقدم (أوفر) يغري ويجذب الزبون من دون النظر إلى الجودة والمضمون، وللأسف لا يعطي أصحاب الدكاكين أنفسهم برهة التوقف ليعرفوا أين هم وما الذي أخفقوا فيه؟.
مقدمة ضرورية تفتح صورة المهرجانات السينمائية العربية بشكل عام ونخصصها تدريجيا لتسليط الضوء على (الدوحة ترايبكا) الذي اختتم فعالياته أخيرا وتواصلت على مدار خمسة أيام ، وهو يحتاج إلى وقفة لإصلاح عثراته رغم اعتراف منظميه بصغر حجمه مقارنة بالمهرجانات الأخرى.
جلب الأفلام
يرى البعض أن أهم ما يبقى من المهرجانات ليس حضور النجوم ولا الجوائز وإنما الأفلام خصوصا إذا استطاعت أن تجلب المهم والمتميز منها، وبنظرة سريعة على عناوين الأعمال التالية (نسخة مصدقة، ميرال، شتي يادني، حرائق، سكريتريا، دموع غزة، الجامع، أحبك يا شانزيليزية، دعني أدخل، رسائل البحر، كان ياما كان، تيتا ألف مرة)، نجدها قاسم مشترك في مهرجانات أبوظبي والدوحة وقرطاج.
منها ما شارك في مسابقة الدوحة وقرطاج فجمع بين حظ الفوز بمهرجان إن فلتت جوائز الآخر، مثل فيلم (الجامع) الذي حصد فضية قرطاج و(تيتا ألف مرة) الذي حصل على 100 ألف دولار جائزة جمهور الدوحة للأفلام الوثائقية، ومنها كذلك (رسائل البحر) للمخرج داود عبد السيد الذي أثيرت حوله علامات استفهام كثيرة في أبوظبي وقرطاج وعاد أبطاله إلى القاهرة من دون أن يحصلوا حتى على (التمثيل المشرف)!.
الدوحة ترايبكا
إذا كانت المهرجانات السينمائية قد تزايدت بشكل مقلق للبعض، فإن هذا لا يعني بالضرورة وجود ثغرات أو عيوب بهذه المهرجانات، ذلك لأن البعض يرى أيضا أن زيادتها دليل عافية فنية، بل ينبغي تشجيعها ودعمها وحضورها.
وقد يكون الوضع مختلفا بشكل كبير بالنسبة لمهرجان (الدوحة ترايبكا)، الذي أثبت حضورا ملفتا على الساحة السينمائية بإمكاناته المادية ومقدرته على جلب الأفلام للعاصمة القطرية التي تسعى إلى منافسة المدن الكبرى في كل المجالات وتحاول أن تضع لها قدما لتوجه لها أنظار العالم.
لكن يجب أن يستوعب من يقومون على تنظيمه بضرورة وجود الجمهور، ذلك أن السمة الأبرز لهذا المهرجان الطموح هي غياب الجمهور، فالصالات لم تشهد إقبالا، والحضور اقتصر على الضيوف، باستثناء قلة من عشاق الفن السابع، لا يتعدى عددهم أصابع اليد الواحدة، وصالات سينما (سيتي سنتر) و(فيلاجيو) شاهدة على ذلك.
أسباب الإخفاق
وفي هذا الإطار نضع عناصر ومفردات الدورة الثانية أمام اللجان المسؤولة لتتبين حقيقية ما حدث، في محاولة لتجنب تلك الإخفاقات خلال الدورات المقبلة ومنها: ـ تكاثر الشكاوى بين أوساط الإعلاميين من سوء توافر المعلومات للإعلام، لدرجة أن هناك تضاربا فيها، وعندما يتم توجيه أي سؤال للمشرفين يطلبون الوقت للاستفسار من آخرين لمعرفة الإجابة، بخلاف تباعد أماكن إقامة وسائل الإعلام (فندق دبليو)، عن أماكن النجوم (فندق فورسيزون)، وصناع السينما (فندق جراند حياة).
واختيار المركز الرئيسي للمهرجان في (مجمع كتارا) البعيد أيضا على الجميع، صنع هناك حلقة مفقودة يستنزفها يوميا اللجوء إلى سيارات أو باصات يقتل سائقها الوقت في الذهاب إلى أكثر من مكان، فيضعف طاقة أي إعلامي على مواصلة العمل، أو يضيع منه فرصة حوار مع نجم أو حضور مؤتمر صحافي.
عدم وجود النشرة اليومية التي تُعد دليلاً للإعلام والضيوف ونبض راصد للفعاليات المختلفة، وبدونها أصبح الاعتماد الرئيسي على رسالة البريد الإلكتروني التي تحدد نشاط المهرجان يوما بيوم على إيميلات الإعلاميين، حيث كانت الملاذ لمعرفة كيف يرتب الإعلامي متطلباته، وكثيرا ما تأتي متأخرة أو تكون خارج فروق التوقيت.
وما يدعو إلى الاستغراب فعلا، رفض النجوم لإجراء مقابلات إعلامية من دون تدخل المنظمين لإنهاء تلك المسألة الخطيرة في حق المهرجان والنجوم مثل (سلمى حايك، روبرت دي نيرو، عادل إمام، رشيد بوشارب)، والأكثر استغرابا أن تكون هناك جلسات حوارية معلن عنها تحت شرط لا يسمح بالتصوير الفوتوغرافي أو بالفيديو.
استفزازات أخرى في معرض بريجيت لا كومب المصورة العالمية التي تمنع التصوير الفوتوغرافي أو التسجيل بالفيديو وترفض إعطاء أي صور قامت بعرضها في المهرجان، والأدهى أن كتيب المهرجان تحت مسمى (أنا فيلم) شوه تصويرها بفرد صورة النجم على صفحتين ما جعل كثيرا من الصور الشخصية مقسومة إلى جزأين.
جوانب فنيةومن الأمور الفنية والأيدلوجية التي يجب أن توضع في الاعتبار ما يلي:
اللقاءات مع بعض النجوم والمخرجين والتي تنتهي دائما بعد سؤالين، ما يثير غيظ الإعلامي ويجبر النجوم على (بلع) الموقف باعتبار أن هناك آخرين في الانتظار، لنكتشف أن الأمر لا يخرج عن كون اثنين فقط على اللائحة.
ما حدث في فيلم الممثل والمخرج أحمد أحمد (زينا بالضبط) وترويجه لفكرة أن اليهود هم من شيدوا الأهرامات، وللأسف هو أميركي من أصل مصري ولد في حلوان وسافر مع والده إلى لوس انجلوس قبل وفاة جمال عبد الناصر، مغازلة فيها من الفجاجة والقبح مثلما حاول في حفل الختام أن يعتمد على الكوميديا الارتجالية لاستدرار ضحك الجمهور والضيوف فسيطر على فقرات التقديم.
فقرة تكريم عادل إمام في حفل الختام جاءت مثيرة لعلامات الاستفهام، بدءا من قوله: لن أتحدث الإنجليزية (بعد أن لاحظ أن الحفل بكامله اختفت منه اللغة العربية) لأنني لو تحدثت بها لن يفهم العرب شيئا وكذلك الأجانب، ومرورا بخبر تلقيه نبأ وصول الحفيد الخامس له.
ووصولا إلى مراسم تكريمه من قبل يسرا ولبلبة ورجاء الجداوي ومنحه جائزة »إنجاز العمر« التي تقدم للمرة الأولى من دون ظهور أي مسؤول في المهرجان أو مؤسسة الدوحة للأفلام، وكان من الأفضل والأبرز إعلاميا للمهرجان أن يقوم نجم كبير مثل روبرت دي نيرو بتسليم تلك الجائزة له، كما اختفى إصدار كتاب تذكاري عن النجم المكرم وهو تقليد متبع في كافة المهرجانات السينمائية.
من التساؤلات الخبيثة حول جوائز المهرجان حصول فيلم (طالب الصف الأول) الذي عرض في حفل الختام على جائزة الجمهور للفيلم الروائي، ولم يعرض ضمن الفعاليات سوى مرة واحدة في العروض الخاصة للصحافيين، فكيف حصل على تلك الجائزة؟!.
شملت مسابقة الأفلام العربية تنافسا للأفلام الروائية والوثائقية معا، وشكلت هذه المسألة لغطا كبيرا حول ضرورة التفريق بين النوعين، وشهدت لجنة التحكيم نقاشا واسعا استدلل البعض فيها بما فعله مهرجان كان السينمائي سابقا عندما عرض الفيلم الوثائقي (فهرنهايت 11/9) للمخرج مايكل مور والذي حصد به السعفة الذهبية عن الفئة نفسها.
انتهت الدورة الثانية ل(الدوحة ترايبكا السينمائي)، وهي تحتاج إلى إعادة نظر لترتيب البيت من الداخل، كي يتخلص المهرجان في دوراته المقبلة من أسباب قد تتأخر بترتيبه في قائمة المهرجانات السينمائية، التي لا تجد حرجا في اقتفاء أثر بعضها والمزايدة أحيانا في قيمة جوائزها المالية لإشعال لهيب المنافسة بينها.