2012/07/04
علاء محمد – دار الخليج
الأغلبية من المتابعين والمراقبين للشأن السوري وما يواجهه المجتمع حالياً، يرون أن الأحداث التي تعصف بالبلاد لأول مرة منذ ثلاثين عاماً، انطلقت من درعا، كفكرة وشرارة، وحتى كضربة بداية، ومعظمهم، إن لم يكن كلهم، ينظّرون عن قرب وليس عن بعد، فيقولون: لو لم يسجن 14 طفلاً من أبناء درعا في فرع الأمن السياسي بالمدينة لما حصل ما حصل .
هناك أقلية من هؤلاء المتابعين والمراقبين لهذا الشأن وللأحداث التي يشاهدها العالم اليوم، يعدون أن الأحداث الحالية ما هي إلا امتداد طبيعي لما حصل في تونس ومصر، وبالتالي فإن المشكلة السورية برأي الأكثرية والأقلية هي من مواليد العام 2011 دون أن يكون لها أدنى مقدمات في العام الفائت .
في المقابل يذهب البعض إلى تحميل الدراما جزءاً من مسؤوليات حث الناس على التحرك، فمن يعود إلى شهر رمضان الفائت ويرجع إلى المماحكات والسجالات، الجانبية والموسعة، بين النقاد والمراقبين، وبعض الإشارات التي كان يغمز بها بعض حملة الأقلام في توصيفهم لبعض المسلسلات السورية التي تم إنتاجها، سيتبين أن عدداً من الأعمال، ربما كانت بوابة لما يحصل اليوم في الشارع السوري .
من هنا نتوقف عند أربعة مسلسلات عرضت العام الماضي لنتكلم عن بعض تفاصيلها وكيف صادف توقيت عرضها قبل عام، وما مدى تأثيرها في الجمهور، وهل حقيقة الدراما محرّض قوي للشعوب، في هذا التحقيق .
بداية جاء مسلسل “ما ملكت أيمانكم” للمخرج نجدة أنزور الذي ناقش قضية السلفية والإرهاب الفكري الآتي من تشريعات دينية متطرفة، ليشهد أول حالة إهدار دم من قبل علامة إسلامي هو الشيخ “محمد سعيد رمضان البوطي” وذلك عندما أصدر فتوى بتحليل دم المخرج أنزور، متهماً إياه بالإساءة للإسلام والدين من خلال “تبنيه” الأفكار التي طرحها عن التطرف، كما اتهمه صراحة باستخدامه آيات قرآنية وأحاديث نبوية في غير مكانها . . كانت تلك أول فتوى بإهدار دم مسلم في تاريخ الدراما السورية .
عندما حدث ذلك قال كثيرون “نقاداً ومتابعين” إن البلاد مقبلة على بلبلة، ودعم البوطي هذا الموقف عندما أعلن جهاراً، أن وقوفه في وجه العمل والمخرج جاء بعد “رؤية” له لأحد الأولياء يحذره من مغبة ذلك العمل الدرامي الذي سيكون له تداعيات خطرة على مستقبل البلاد في القريب العاجل .
وعندما اندلعت الأحداث في سوريا، وقف البوطي بثقة ليذكر الناس في خطبة متلفزة قائلاً: “لقد حذرت من ذلك قبل أشهر” .
مسلسل آخر مهم وكبير طرح فكرة غير مسبوقة في تاريخ الدراما السورية، وهو مسلسل “لعنة الطين” الذي اتجه نحو طائفة معينة في سوريا . بشكل مباشر، وعرض لإحدى أهم معتقداتها الدفينة، وهي قضية التقمص .
لقد تناول المسلسل عبر مخرجه “أحمد إبراهيم الأحمد” قضية التقمص، ليس بشكل يسير بل بطريقة إشكالية تؤدي إلى مشكلات في المجتمع وتذهب بحياة فلان وتدمر حياة علان .
كان لافتاً تصريح “غير معلن” أثناء عرض المسلسل لكاتبه سامر رضوان إذ قال لأحد الممثلين البارزين في سوريا ما معناه إن النص الذي كتبه لم يعرض على الرقابة، وإن مسؤولاً بارزاً هو من أعطى الموافقة بتصويره .
يومذاك وقف أحد النقاد والمراقبين ممن لا يفضلون ذكر اسمهم اليوم “ليتنبأ” بأن الأشهر المقبلة ستشهد مالا تحمد عقباه في سوريا . . لقد اعتبر ذلك الناقد الشهير أن هناك في الأجهزة الأمنية من يحاول إثارة بلبلة ما تؤدي إلى استعادة بعض ممن فقدوا سطوتهم، لدورهم، وذلك عندما تندلع الأحداث ويكونون هم الحكم .
ومسلسل ثالث لا يمكن التغاضي عنه وقد مس جميع المسلمين دون استثناء، وهو مسلسل “القعقاع بن عمرو التميمي”، ففيه تم تجسيد للصحابة وأهل البيت بأجساد ورؤوس وحركة وصوت، ولم يبق خافياً منهم سوى الوجه الذي سيظهر قريباً من خلال مسلسل “الفاروق” الذي سيروي حياة الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب للمخرج حاتم علي .
في ذلك المسلسل لم يستسغ أحد من الناس، بل أغلبيتهم، أن يروا السيدة عائشة رضي الله عنها “زوجة النبي” عليه السلام بجسد ممثلة وحركتها ورأسها وصوتها، أو رؤية أبي بكر وعمر وعثمان بأجساد رجال، كما لم يقبل آخرون برؤية علي بن أبي طالب وأولاده مجسدين بأشخاص من هذا العصر . . كذلك تناولت الأحاديث آنذاك بين المراقبين أن هذه أمور لا تبشر بالخير، لاسيما أن الدولة وجهاز الرقابة، وحتى إعلامها، لم يحضّروا الناس، حتى الآن، على مواجهة مواقف كهذه يرون فيها رموزهم الدينية تتحرك عبر شاشة تلفزيونية .
المسلسل الرابع وهو واحد من عشرات المسلسلات الاجتماعية التي تتناول قضايا المجتمع، أحياناً بإسفاف، وهو مسلسل “تخت شرقي” الذي لم يمنع فيه سوى رؤية رجل وامرأة في سرير واحد، وعدا ذلك، فإن العمل تناول قضايا الجنس بإسهاب وكأنه يتحدث عن قضية تكنولوجية، متناسياً عبر فريق عمله أنه يتوجه إلى مجتمع 60 % من أبنائه ما زالوا محافظين .
إضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل مسلسل “باب الحارة” الذي بث كثيراً، الحماسة في قلوب الشباب السوري من خلال استعراض بطولات “أبي شهاب” و”معتز”، ومغامراتهم ضد الفرنسيين في بساتين الغوطة وحارات دمشق القديمة، والذي امتد لخمس سنوات كانت كفيلة بإيقاظ روح التحرك لدى شبان آمنوا بما يشاهدونه وأرادوا تطبيقه على العدو، فلما رأوا الجبهة مغلقة ولا يمكن اقتحام حدودها اتجهوا إلى من اعتبروه خصماً وهو الدولة، مستفيدين في لحظة ما من نجاح تحركين شعبيين واضحي المعالم في كل من مصر وتونس .
ترى ألم تكن تلك مقدمات أيقظت نواميس نائمة في عقلية المجتمع السوري؟