2013/05/29
علاء الدين العالم – تشرين
عرفت الصحافة الصفراء بأنها الصحافة التي تثير الفضائح من خلال نهج صحفي معتمد على ملاحقة فضائح مشاهير المجتمع وذوي السلطة، ونشر أخبارهم بشكل موثق أو اعتباطي،
إضافة إلى أنها تعتمد وبشكل أساس على المعلومات المسربة عن الشخص أو المؤسسة التي تثير هذه الصحافة فضائحها وأخبارها المستورة، ولطالما كان هذا النوع من الصحافة مثار جدل واهتمام منذ نشوئه في النصف الأول من القرن الفائت على يد الصحفي الأميركي «وليم هيرست»، لما يحتويه من أدوات تشويق تضرب على وتر الفضول الإنساني، إضافة إلى قدرة هذا النوع من الصحافة على اختراق خصوصيات الناس وفضح أخبارهم من دون رادع. اليوم تمكنت الصحافة الصفراء عبر أكثر من نصف قرن من تكريس ذاتها وتوطيد أسسها في مجتمع الصحافة، حتى أنه غدت كلمة «صفراء» دالاً يدل على إثارة الفضائح وكشف المستور منها، بمعنى أنه صارت إضافة كلمة «صفراء» إلى أي نوع من أنواع الفن تدل على أن هذا النوع يهدف إلى كشف الفضائح وإثارتها، ومن هنا، وباعتبارها غدت أحد الفنون البصرية، بالرغم من عدم استقلاليتها عن السينما، اتهمت بعض أعمال الدراما التلفزيونية بأنها أعمال تهدف إلى كشف المستور وإثارة الفضائح واختراق خصوصيات الآخرين من خلال تصوير هذه الأعمال لشخصيات مأخوذة بعينها من الواقع وتمرير فضائحها وتصرفاتها المستورة عن طريق أحداث تُفتَعل لهذه الشخصيات، وهذا ما دفع البعض إلى إطلاق مصطلح «الدراما الصفراء» على نوع كهذا من الأعمال.
لعل مسلسل «الولادة من الخاصرة، ساعات الجمر» تأليف سامر فهد رضوان وإخراج رشا هشام شربتجي هو أحد هذه المسلسلات التي وصفت بأنها «دراما صفراء»، ولو حاولنا التماس قراءة الشارع لهذا العمل لوجدنا أن الشارع قُسم إلى قسمين، الأول من عدّ أن مسلسل «الولادة من الخاصرة, ساعات الجمر»، هو عمل يعكس الواقع السوري اليوم انطلاقا من حالة تصويره للعنف المستشري في المجتمع السوري الآن، مروراً بالفساد الإداري والفاسدين، وصولاً إلى تصوير الفئات المسحوقة في المجتمع والمغيبة، أما الطرف الثاني من المشاهدين فقد عدّ أن «الولادة من الخاصرة» ما هو إلا عمل يشوه الواقع السوري، ولا يقترب من المجتمع السوري قيد أنملة إضافة إلى كونه عملاً يصور حالة العنف في المجتمع السوري على أنها حالة أساسية في هذا المجتمع ومستشرية فيه، وأصحاب هذا الرأي هم من يعدون أن «الولادة من الخاصرة» هو خير مثال على «الدراما الصفراء»، بعيداً عن تقييم الرأيين الذي يتطلب قراءة متأنية للعمل لا مجال للخوض فيها الآن، سأخوض في صحة وسم «الولادة من الخاصرة» بأنه دراما صفراء.
بما أن مصطلح «الدراما الصفراء» مستقى من الصحافة الصفراء، فهذا يؤكد على أن المصطلحين يصبان في المصب ذاته، وهو مصب كشف الفضائح وإثارتها، لكن في حين كانت الصحافة الصفراء هي مثيرة الفتن وداعية إلى الفضيحة من خلال مقالاتها، فإن الدراما الصفراء ليست كذلك، وهذا ما نستنبطه من خلال من استخدموا هذا المصطلح وطبقوه على أعمال بعينها، وذلك لأن هذه الدراما ومن خلال كشفها للفضائح متسترة بالشخصيات الافتراضية التي تطرحها، تكون في الوقت ذاته دراما واقعية بامتياز، وتستقي منابعها من الواقع كما هو لا كما يجب أن يكون، فعلى سبيل المثال إن اتهام البعض للولادة من الخاصرة بأنه «دراما صفراء» هو في الوقت ذاته شهادة على أن هذا العمل لا يقارب الواقع وحسب، بل يصوره تصويراً فوتوغرافياً، فكيف تكون الدراما الصفراء صفراء إذا لم تفضح وتكشف من هو في الواقع لا من الخيال؟! وكيف ينفي أصحاب الرأي الثاني الواقعية عن العمل ويتهمونه بأنه يصور واقعاً لا علاقة له بالواقع السوري... وفي الوقت ذاته يعودون ليصفوا العمل ككل بأنه دراما صفراء؟! وكيف للولادة من الخاصرة أن يثير الفضائح لشخصيات خيالية لا يضيرها هذا الكشف؟! كل هذه الأسئلة وغيرها تدل على أن الولادة من الخاصرة لا يمكن أن يكون في الوقت ذاته دراما صفراء ولا يمثل الواقع.
انطلاقا من المقاربة السابقة نجد أن مصطلح «الدراما الصفراء» هو مصطلح ليس أصيلاً، ولا يتعدى كونه مصطلحاً ذكر اعتباطاً تيمناً بمصطلح الصحافة الصفراء، من قبل من عدّ أن هذا العمل يشوه الواقع السوري، فإن كانت الصحافة الصفراء هي صحافة سلبية تهدف إلى إثارة المشكلات من خلال كشف الفضائح، فإن الدراما حينما تعكس الواقع وتفضح بعض الشخصيات التي ساهمت في الإفساد والفساد وتكشف المستور عنها، فإنها لا تكون دراما صفراء سلبية تهدف الى إفشال المجتمع، بل تصبح هذه الدراما وسيلة لتصويب المسار والإشارة الى الفساد والمشكلات المستشرية في مجتمعنا والتي يود الجميع استئصالها وفضح القائمين عليها.