2013/05/29

الـــــــدرامــــا الســــوريـــــة.. والســـــؤال الاجـتمــــاعـــي الكبيـــــر؟
الـــــــدرامــــا الســــوريـــــة.. والســـــؤال الاجـتمــــاعـــي الكبيـــــر؟


عمر محمد جمعة – البعث


>  إذا سلّمنا جدلاً أن الدراما، كفنٍ وصناعة حقيقيّة، تهدف إلى عكس المشكلات الإنسانية وتصويرها وتشريحها وتحليلها، ومحاكاة التحوّلات التي تطرأ على سلوك أفراد المجتمع بمجموعهم أو فرديتهم، ظاهرهم أو مضمرهم، فإن الغاية إذاً ستقود بالتأكيد إلى هدف أسمى وأعمّ هو تخليص هذا المجتمع من مظاهر التردي والتراجع والركود التي يعيشها والانتقال به إلى مكانة تستفزّ فيه أسباب ونوايا وفعل الرغبة في التغيير والعطاء والغيرة والغيرية وتغليب القيم السامية والنبيلة التي ستكون عاملاً مرجحاً في تنقية هذا المجتمع من أمراضه الآنية أو المزمنة، لا من أجل خلق مدينة فاضلة، بل على الأقل ليفهم كل إنسان دوره من خلال هذا الفن الذي بات طاغياً في عالم متسارع تتسابق فيه الميديا والإعلام وتتزاحم لتدخل كل بيت، حتى أصبح ذلك كلّه عرفاً يتخفى بلبوس ما سمّاه الباحثون والنقاد "الدراما الاجتماعية".

لقد سبق أرسطو الفلاسفة كلّهم حين قال عن الدراما بأنها "محاكاة لفعل إنساني" وهو ما فسّره بعض المؤرخين بأن الحكاية التي تُقدّم إلى الجمهور بقالب حدث منظور يتصدّى له ممثلون فعلاً وكلاماً ينبغي أن يكون له غاية سامية تتمثّل بمعالجة "مشكلة مهمّة علاجاً مفعماً بالعواطف على ألا يؤدي إلى خلق إحساس فجيعي مأساوي". فيما رأى آخرون أن الدراما تستلزم مجموعة أهداف تخاطب في الإنسان جوانبه الذهنية والعقلية والوجدانية وتجمع بين الفائدة والمتعة، وبين التعليم والتسلية، وبين الإقناع والترفيه.

إزاء هذه المعطيات، لابد من أن نطرح سؤالاً كبيراً طالما طرحته الدراسات والمقالات والأبحاث النقدية والاجتماعية في سورية، وهو: كيف فهم كتّاب ومخرجو ومنتجو الدراما الاجتماعية في سورية هذا المصطلح أو هذه الدراما التي يُفترض أن تنبش مشكلات المجتمع السوري وتسلّط الضوء عليها مع محاولة اجتراح الحلول إن أمكن، بمشورة الكثير من الباحثين النفسيين والمختصين الاجتماعيين الذين نجزم سلفاً أنهم عبر مراحل درامانا المختلفة كانوا الأبعد عن كواليس واستوديوهات صناعة الدراما.

ندرك أن البعض قد يفهم ما ذهبنا إليه على أنه طعن في المنجز الدرامي السوري، أو استدارة إلى الوراء لتهشيم ما قدّمه كتّابنا ومخرجونا من أعمال قاربت الهمّ الاجتماعي، وعرضت للكثير من السلوكيات الشاذة والمنحرفة وصور الفساد التي هتكت القيم الاجتماعية بمستواها الأخلاقي والإنساني، غير أن حقيقة ما نودّ قوله وبصريح العبارة أن هذا المنجز الذي نباهي به الآخرين لم يحقّق الغاية المرجوة منه في السمو والارتقاء بالضمائر والعقول وتحفيز المنظومة الأخلاقية، وإلا كيف نفسّر هذا الخواء الروحي والضحالة المعرفية والهزال الأخلاقي عند عدد لا يُستهان به من شبابنا المتلقف الأول لما تنتجه الدراما السورية الضيف اليومي الأغزر متابعة في كل بيت؟!.. وأين الدراما السورية وتأثيرها العميق على هؤلاء الشباب، وهل ساهمت في حل مشكلاتهم أم فاقمتها؟!.

حتى لا نُتهم بأننا نسبح في الهواء أو نرمي الكلام على عواهنه، لا بد من أن نسوق قرائن ودلائل من واقعنا، تؤكد ما آثرنا الإشارة إليه من باب وجوب المراجعة والبحث والدراسة والتقييم بغية تقديم الأفضل الذي يمكن أن يكون أكثر فعالية وأثراً ويؤدي الدور المنوط بالدراما كفن وصناعة وطنية.

ففي استطلاع إعلامي أجرته إحدى الصحف المحلية العام الماضي، مثلاً، لدراسة تأثير الدراما على شريحة الشباب، أكدت إحدى السيدات أن هناك أعمالاً تلفزيونية ساهمت في إفساد سلوكيات الأبناء ونشر ثقافة الانحراف والتعرّف على الجرائم المختلفة وطريقه تنفيذها بدقة مثل السرقة والقتل، فيما رأت مرشدة نفسية أن بعض الأعمال التلفزيونية تعتمد على لغة عامية وتشيع فيها الألفاظ السيئة والسطحية.. مضيفة: إن الكتّاب والمخرجون يقتبسون أحياناً بعض الأفكار الغربية ويقومون بتقديمها للجمهور من المراهقين والشباب فنراها تنتشر بسرعة بين المراهقين والصبية ويستخدمونها في تعاملاتهم اليومية!!. وفي ردّه على سؤال لصحيفة عربية حول ما تقدّمه الدراما السورية من موضوعات والمعايير التي تحكمها، وخاصة في السنتين الأخيرتين، قال الفنان سليم صبري: "النجاح لا يمنع وجود الأخطاء لأن كل عمل فيه من الشهرة ما يجعل الناس بأن يرتكبوا بعض أخطاء في سبيل شهرة جديدة، حيث يدخلون مواضيع غير متزنة أو موجّهة بشكل صحيح.. وهذا الذي حدث خلال السنتين الأخيرتين، حيث صار التوجّه نحو الوقوع في أخطاء جنسية عند الفتيات والشبان، لدرجة أنها أصبحت تشذّ عن الإصلاح إلى وجه آخر هو جزء من الإغراء".

سنكتفي بما سلف، ولن نذكر أمثلة مما قدّمته الدراما السورية وينطبق عليه ما قاله الفنان صبري ومعه الاستطلاع المذكور، حتى لا نقع في مطب التعميم، بل سنترك باب التوقع والإجابة مفتوحاً لكل من يهمّه أمر تقديم دراما اجتماعية راقية وحقيقية تعبّر عن مجتمعنا وتلبي احتياجات شرائحه الأكبر، وتستهدف ما نعانيه من مشكلات دون سطحية أو ابتذال أو مواربة.. وبذا نكون قد خطونا الخطوة الأولى في وضع منجزنا الدرامي تحت محرق البحث والتقصي للنأي به عن أي تأويل أو تفسير مغلوط وصولاً إلى سؤالنا الاجتماعي الكبير.