2013/05/29
ماهر منصور- السفير تمزج الدراما التلفزيونية بين الافتراض والواقعية والخيال. واقتراب المسلسل التلفزيوني من الواقع ليس بالضرورة امتيازاً له، كما أن ابتعاده عن الواقع ليس عيباً فيه. ولكن يمكن فهم الدور الريادي للعمل الدرامي بتوعية المجتمع وطرح مشكلاته وكشف المستور فيه، من دون تجميل أو مواربة. وهو الدور الذي لعبته الدراما السورية خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً في العام الحالي، حيث تطرقت الى مختلف القضايا الاجتماعية الإشكالية، ونجحت في اختراق حاجز بعض المحرمات والتابوهات؟ إلا أن اضطلاع العمل الدرامي بهذه المسؤولية لا يعفيه من الإيفاء بشروطه الفنية، ومن دون قالب فني محكم لا أهمية برأينا لأي مقولة سامية. فالمقولات السامية بعيداً عن الشكل الدرامي الفني، مكانها الأنسب ربما في المطبوعات أو في الندوات. غير أن ما اصطلح على تسميته «بالجرأة في الطرح» هو أبرز ما اتكأ عليها صناع الدراما السورية والنقاد في وصف كثير من القضايا التي تناولتها الدراما السورية لعام 2010. وقد تبدت في عدد من المسلسلات، منها «ما ملكت إيمانكم» و«الخبز الحرام»، و«تخت شرقي»، و«لعنة الطين». وإن كنا نسلم بأن كثيراً من هذه المسلسلات قدمت قضاياها في قالب فني جيد، إلا أن مضمون ما طرحته يثير سؤالاً ملحاً حول معنى الجرأة في الدراما. فهل هي في تناول موضوعات لم يسبق وإن عولجت، ولم يحدث أن سمحت الرقابات الرسمية بها؟ وهل هي من الموضوعات المسكوت عنها، والتي تتجاوز «الخطوط الحمراء» في الدين والسياسة والجنس (كما في «ما ملكت ايمانكم»)؟ أم أنها جرأة الصورة، كمشهد السرير في «تخت شرقي» ومشاهد الإيحاءات الجنسية في مسلسلات أخرى؟ أم أنها الجرأة اللفظية، وقد سمعنا في بعض مسلسلات هذا العام لغة «أولاد الشوارع»، من خلال الشتائم الذي تلفظ بها بعض الممثلين؟ ندرك أن الأجوبة عن هذه الأسئلة تتعلق اولاً بالضرورات الدرامية، وما تتطلبه فنية الحكاية وبناؤها المنطقي. ولكن علينا ألا نغفل أيضاً طبيعة الجمهور المتلقي، وهو متفاوت الثقافة والقدرة على التلقي والتحليل، ومتفاوت في ردود الفعل. ولا يمكن القول «إن من لم يعجبه ما نطرحه يستطيع بكبسة زر تغيير المحطة»، لأن المطلوب هو ألا يدير المتلقي ظهره لما يعرض، بل أن يستمع. والسؤال عن معنى الجرأة تفرضه أيضاً طريقة المعالجة. فقد أظهر عدد من النصوص وجهاً واحداً للقضايا، مع التناسي بأن جوهر الدراما هو صراع بين متناقضين، بشكل يحرك الأحداث ويصعد من حرارتها. فلا تذهب بعيدا في تقديم شخصياتها المثالية، ولا تبالغ في طرح ما هو سلبي ومنحرف ومستفز في مجتمعنا، بحجة انها تجسد الواقع. ولعل الخط الدرامي للمتطرف توفيق في «ما ملكت إيمانكم» اكتسب قوته، من خلال تقديم صورة مقابلة له عبر الشيخ عمار ومحمود زوج ليلى، والحاج أبو توفيق. ومن خلالها استطاع المسلسل محاججة أهواء توفيق المتطرفة ومواجهتها. الأمر ذاته تكرر في الصراع الدائر في العائلة العراقية في المسلسل المذكور، بين الأم وابنتها حول كيفية مواجهة الغربة وافتقاد لقمة العيش. ولكن في المسلسل، كما في مسلسلات أخرى، كان ثمة خيوط درامية أحادية، تجعل صراعات الممثل الداخلية هي الوحيدة التي تصارع أفعاله الخارجية. وهذا وحده لا يكفي، ما دمنا نتحدث عن مجتمع لا عن شخص بعينه. في مسلسلات أخرى، كنا أمام وجهات نظر احادية. ولا تعكس الحقيقة كاملة. وبغياب حوارات حولها، أو غياب شخصيات نقيضة، فإنها تصبح حقيقة «شخصانية» لا تصلح للدراما. لا ندعو هنا للحد من الإبداع، أو لتقديم وصفات جاهزة له. نريد للدراما السورية أن تخترق قضايا «التابو»، وأن تبقى فناً، وأن تتلازم عبره الحكاية المحبوكة (تتضمن قضايا مفيدة) مع القالب الفني الجميل. بحيث تشكل مبضعاً لطبيب جراح في المجتمع، لا سكيناً في أيدي أولاد الشوارع!