2013/05/29
هنادي إبراهيم – الوطن السورية
الدراما السورية 2012... هل هي هوية للبؤس المجتمعي بامتياز.... ومرآة لقوى الشر بإتقان؟.. أم هي موجة تسونامي
بقالب كوميدي يكرر السخرية؟... ونقد للواقع مع حلم بالحلول؟... وهل باتت جزءاً من موجز أخبار يعرض على كافة المحطات الموالية والمعارضة؟... هل أصبحت النفق المظلم للمواطن حتى لو كان لها إضاءات على الكثير من التشوهات الحقوقية؟ أين هو التاريخ والسياسة والثقافة منها هذا العام ولماذا غابت عن درامانا في حين كانت واضحة في الدراما العربية المصرية (الصفعة) والخليجية- السورية- (عمر بن الخطاب)؟..
- اعتاد المشاهد السوري انتظار شهر رمضان المبارك ليتابع الكم الهائل من الإنتاج الدرامي السوري بشغف وحب... تلك الدراما التي كانت تعرض في رمضانات ليست ببعيدة.. اتصفت آنذاك بالتنوع والتوازن في الموضوعات كما تميزت بأن الحالة الإيجابية هي الأقوى فيها ولو كانت تعكس الواقع الذي يحكي كافة شرائح المجتمع وبكل مشاكلها... فقد كان المسلسل الواحد يحتوي في مضمونه عدة اتجاهات ومواقف ومشاكل إضافة لطرح الحلول (كالذي كتبه هاني السعدي مثلاً وغيره من كتاب)...
- دراما الفترة الرمضانية الحالية والسنوات القليلة السابقة باتت تخلو من التنوع في الاتجاهات والمواقف فهي تعتمد على قطبين سالب وموجب فقط دون التطرق لطرف قد يكون خيرهما وهو الطرف الوسط... فقد قامت على طرح الترف المفرط والسلوك الدخيل على مجتمعنا السوري مثل «جلسات نسائية» الذي عُرِض السنة الفائتة و«بنات العيلة» الذي يُعرَض هذا العام... وكانت الدراما في هذا الموسم قاسية جلادة بجهرها الواضح الذي عكس ثقوب الثقوب في مجتمعنا ابتداءً من الولادة من الخاصرة إلى جزئه الثاني «ساعات الجمر» لهذا العام... أما الكوميديا فقد باتت تجعل من مشاكل المواطن ركيزة أساسية للسخرية ظناً منها بأنها تضيء عليها وربما تجد حلولاً لها، ناسيةً بأنها قد توجع ذلك المواطن بمرارة واقعه... ففي سلسة بقعة ضوء المكررة سواءً بمواضيعها الناقدة للواقع، الضاحكة على العقول.. أخذت هذا العام طابع التعليق على غدٍ مشرق من خلال (غداَ نرتقي)، ولكن كيف نرتقي مع المشاهد الذي يعيش هذا العام تحديداً حالة سيكولوجية أقرب للاكتئاب.. للحزن.. للألم.. كيف نرتقي به إلى غدٍ أفضل وكيف نقيه من الدخول في عتمة الخيال إن لم تكن درامانا مملوءة بالأمل والتفاؤل والعمل...
هل كان من واجب صناع الدراما السورية لهذا العام أن يدرسوا سيكولوجية المجتمع السوري... وأين هم علماء النفس من كوادر صناعة الدراما... هل تحولت الدراما لأداة ضغط على المواطن أكثر من الواقع... هل بات المشاهد راضياً عمَّا يراه من قصص يائسة بائسة... هنا يحدثنا عماد العشي - كوافير: «الدراما السورية يجب أن تكون نقلاً ونقداً للواقع، ويجب على صناعها دراسة الحالة السيكولوجية للمجتمع ومراعاة إنقاذ المتلقي من الغرق بعتمة التشوه النفسي في بعض الأحيان».
وتقول حنان محمد - مدرّسة:
«إن مشاهد العنف التي تسكن بعض المسلسلات وعرضها تفصيلياً بكافة مؤثراتها البصرية والسمعية (كمشهد قطع الرجل للفنان فادي صبيح في مسلسل ساعات الجمر للمخرجة رشا شربتجي) قد تدفع المتلقي للتقليد كونه تعود على لون الدم من نشرة الأخبار ومواجيزها على القنوات الإخبارية كافة وكون المناخ السائد في الأزمة السورية مؤخراً أصبح أكثر دموية، وبذلك قد يصبح جوف المتلقى شديد القساوة خالياً من الإحساس والشعور... لذلك كان من المفروض على صانعي الدراما هذا العام أن يأخذوا بعين الاعتبار هذه الحالة النفسية السائدة في المجتمع السوري بشكل عام وكان يجب الاختصار من العنف والحزن والألم والظلم (لأنو مو ناقصنا هم والله اللي فينا مكفينا....)».
عبير قاموع- مذيعة في إذاعة صوت الشباب تقول:
للأسف الدراما السورية وقعت في فخ التكرار والانقسام والغرور ما أكسبها الحالة السلبية السيكولوجية.
مثلاً أنا تابعت بقعة ضوء لأن اسمه ارتبط بنجاح معين في السنوات الفائتة لكنني وجدته هذا العام مكرراً جداً للمواضيع السابقة بقالب إخراجي ممل إضافة للمتاجرة بشريحة معينة في المجتمع وهي الشريحة المتعبة جداً من دون تقديم الحلول وكأنها تحولت إلى كركوز مبتذل ونحن في عام يمر على سورية بحاجة إلى بث رسائل تنويرية وتوعوية للمجتمع ككل للحفاظ عليها... أيضاً كانت النظرة النقدية الساخرة في بقعة ضوء كانت محدودة وضيقة ولم تتناول كل فئات المجتمع ما جعلها متقشفة للإبداع الساخر.
أما دراما الحكاية الشامية المكررة أيضاً فتوهت المشاهد فلا هي تاريخ حقيقي وتراث نستلهم منه عبر ودروس ولا هي حاضر ممكن أن نطوره ونرقى به وإذا اعتبرناها حكايا فهي قصص ما قبل النوم تستدعي الكابوس يضيع بها الوقت....
الدراما دائماً هي مقاربة للواقع....
يقول سلطان عودة - ممثل: في ظل الظروف التي تمر بها بلدنا يجب أن تكون الدراما ناقلة للواقع... فعندما يُعرَض عمل كوميدي مضحك وراقص في ظل هذه الظروف فمن المؤكد بأن الناس لن تتابعه ولو حصل وشاهدته فلن تدرك أبعاده كما مطروح به.. كذلك الحال في مسلسل شامي ما زال يتحدث عن الأكل والشرب والزواج.. من المؤكد في هذه الحالة أن مشاهدة شريط أخباري أجدى وأهم... يجب على الدراما السورية حكما أن ترتقي للظرف العام وتتماشى معه ومن واجبات القائمين على هذه الصناعة تقديم هموم الناس وأوجاعهم وأحلامهم في هذه الظروف.
الدراما هي ترجمة حقيقية للواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي....
جمال دورموش- مترجم عن اللغتين الروسية والتركية- مدير ثقافي الروسي: بداية لا بد من الاعتراف أن الدرما هي ترجمة حقيقية للواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، أما ما يخص الدراما السورية التي لمع نجمها وذاع صيتها في كل أرجاء دنيا العرب.... ما دفع بالبعض إلى الاستسهال وحتى الغرور بالبعض الآخر... وهنا لا بد أن نشيد بكل من اجتهد وطور هذه الدراما... لكن الظروف السياسية التي نمر بها انعكست سلباً وأصبحت أداة ضغط على مواقفنا... وإلا بماذا تفسرين هروب الكثير من الفنانين إلى خارج القطر؟
لعبت الدراما دوراً تربوياً مهماً ودخلت بقوة في اللاوعي الإنساني وتركت بصماتها على حياتنا اليومية وآثارها على حياتنا الاجتماعية حتى بتنا أسيري هذه الدراما... لذلك أعيد وأكرر ضرورة عدم الاستسهال في إنتاج وتقديم الأعمال الدرامية ويجب أن تحمل هذه الأعمال الدرامية رسالة إنسانية عالية المستوى.
نحن في هذه المرحلة بأمس الحاجة إلى دراما تشد من أزرنا وتزيد من لحمتنا الوطنية لا العكس لكن حذار حذار من المباشرة.... فالمباشرة هنا ستقتل هذا الهدف كما سبق وقلت أن الدراما دخلت تفاصيل حياتنا وأثرت فيها سلباً أو إيجاباً فمن هنا يبرز دور الدراما كحاملة لرسالة تمتين أو تفتيت قيم مجتمعاتنا.. وهنا لن أقوم بتسمية الأعمال التي تعرض على شاشاتنا فمنها (الهزيلة للأسف معتمدة على الاستلاب لضحكة بشكل مباشر وفج وهناك الأعمال ذات المستوى العالي).
هل تحولت الدراما السورية من وسيلة نقد للواقع إلى أداة ضغط سياسي؟؟؟؟
سومر ابراهيم صحفي وناقد:
لا تعتبر كل الأعمال الدرامية السورية أعمالاً نقدية للواقع وإنما جزء منها وهو المتعلق بالكوميديا الساخرة على غرار الصحافة الصفراء....
أنا كمشاهد ومن خلال بعض الأعمال النقدية التي شاهدتها والتي كانت تحمل نقدا للواقع لم أجد أنها قد تحولت إلى أداة ضغط سياسي باعتبار بعضها يحمل وجهة نظر سياسية، فقد حملت عدة وجهات نظر سياسية ولم تقتصر على وجهة فقط، كما أن نقد الأمور الخدمية بشكل ساخر كان طاغياً على معظمها. وبالنهاية لا أعتقد أن هذه الأنواع الدرامية قادرة على تشكيل ضغط سياسي على أي طرف كان كونها لا تملك حلولا وتقتصر على التوصيف.
و الدراسة سيكولوجية للعمل الدرامي لا أظن أننا كسوريين أو كعرب قد وصلنا إلى هذه المرحلة من الاحترافية المهنية... والإنتاج الدرامي يحمل نوعين خاصا وحكوميا.. ولا أعتقد أننا في النوع الأول «الخاص» قادرون على تحميل هذه الأعمال مضامين هادفة بشكل كبير كونها مرتبطة بالفائدة المادية للمنتج والذي يكون مضطرا في الكثير من الأحيان لمسايرة احتياجات السوق الدرامية من مواضيع حتى ولو لم تكن على قدر كبير من الأهمية بالنسبة لتطور ورقي المجتمع المستهلك مثل مسلسل «صبايا»... ومن هنا تأتي أهمية الإنتاج الحكومي بإقامة إنتاج مواز ومنافس للإنتاج الخاص قادر على حمل مضامين جادة تلبي تنوع الذائقة الفنية عند الجمهور... وفي الحالتين تأتي ضرورة وجود رقابة من قبل الدولة على هذه الأعمال من باب أخلاقي وفكري.. فمهما كان السقف مفتوحا من ناحية المواضيع يجب أن تتوفر ضوابط وحدوداً أخلاقية ودينية وسياسية لأن الدولة كمؤسسات مسؤولة وملزمة بشكل أو بآخر بالحفاظ على المستوى الفني والأخلاقي للأعمال التي تحمل جنسيتها».
الدراما... رسالة إنسانية تنطوي على أساس اجتماعي ينحو نحو السلامة...
عمر جمعة- كاتب وصحفي: «أظن أن الدراما هي دعوة متجدّدة للتغيير بدءاً من الاجتماعي وصولاً إلى السياسي، لأن المشاهد لايمكن أن يفصل أبداً بين معاناته السياسية والاجتماعية التي ترتبط ارتباطاً عضوياً وتتأثر بكل القيم والتحولات المستجدة شاء أم أبى، غير أنها لا يمكن أن تكون أداة محاربة وضغط من نظام سياسي على نظام سياسي آخر، لأن الفن حرية، والحرية تعني ألا ترهن قرارك ورؤاك وفكرك للآخر، وإلا تحوّلت إلى واحد من تجار ومرتزقة المبادئ «الساقطين»، أما إن كان المقصود أن تتحول الدراما إلى أداة تحريض للثورة على الظلم والاضطهاد، فأعتقد أن هذا جزء حتمي من رسالتها إذا كانت في مجتمع يمارس هذا الظلم والاضطهاد.
ولا يمكن لأي مبدع، أكان كاتباً أم مخرجاً، أن يضع قائمة بالممنوع والمحظور أو المسموح به، قبل إنجاز العمل، سوى ما تستدعيه مراعاة بعض القيم والتقاليد الشرقية المحافظة، أي بالمعنى الصريح أنت أمام مجتمع لا يقبل أن يتضمّن أي عمل تلفزيوني «مسلسل» قُبلة أو مشهد عريّ، في الوقت الذي يمكن أن يقبله في السينما، وهذا عائد إلى تربية جرّمت هذه الأفعال حدّ الخطيئة، ثانياً وهذا الأهم أن الدراما السورية قد تخطّت الكثير من الخطوط الحمراء وقدمت نماذج لوزراء ومديرين لصوص ومرتشين، ومدمني مخدرات وحشاشين، وعاهرات، بل وتجرأت أكثر في مشهديتها كما حصل في مسلسل «تخت شرقي» الذي أثار ضجة كبيرة استهجنت المشهد (الصادم اجتماعياً) بين مكسيم خليل وسلافة معمار، فمجتمعنا كما قلت لا يقبل أن يجتمع الأب والأم والأولاد لمتابعة مثل هذا المشهد، فيما يمكن أن يشاهدوه منفردين.
وهنا أعتقد أن صنّاع الدراما مطلوب منهم أن يراعوا هذا الجانب، وأن يبتكروا حلولاً إخراجية مختلفة، إضافة إلى دراسة الحالة السيكولوجية للمجتمع، مشيراً إلى أن ليس من مهمتهم إنقاذ المتلقي من الغرق بعتمة التشوه النفسي، لأن هذا الأمر يفترض أن تقوم به المؤسسات مجتمعة بدءاً من الأسرة مروراً بالمنظومة التربوية والتعليمية وصولاً إلى الدولة المنوط بها توجيه وإرشاد أفراد المجتمع إلى السلوكيات التي لا تقود إلى هذا التشوه النفسي.
الدراما السورية في حالة نكوص... ربما تكون حالة التكرار هي السبب الأساسي للوقوع في مطب النكوص السيكولوجي لمحتواها من مواضيع اجتماعية وكوميدية ساخرة تزعم أنها ناقدة...
وهنا لعلم النفس رأي في الموضوع حيث يقول د. مجدي الفارس- علم نفس إعلامي:أنا أرى بأن الدراما السورية تعاني من حالة نكوص أي إنها بدأت تجتر بعض الأفكار القديمة التي ساهمت بنجاحها وهذا مؤشر سلبي في نموها وتطورها.. ويعود ذلك إلى اعتماد الدراما السورية على شخصيات واحدة ثابتة ومجموعات وشللية واحدة في كل الفنون التي تقوم عليها صناعة الدراما (الكتابية والإخراجية والتمثيلية) ما أدخلها في حالة من النمطية وهذا ينعكس سلباً على المشاهد فمثلاً أغلب ما تكون بطولة لفنان معين أكثر من عمل من الأعمال التي تعرض في رمضان لذلك يدخل المشاهد بحالة من الخلط يضيع من خلالها المتعة ويدخل في سراديب التشتت وتلقي الرسالة الصحيحة المتضمنة في الأعمال الدرامية...
وأنا برأيي أن الدراما الناجحة هي التي يشعر بها المشاهد بأنها حقيقية يتعايش معها وينتظر حلقاتها يوماً بيوم ولست أقصد بحقيقة هنا نقل الواقع مئة بالمئة لأن هذه الواقعية قد تؤذي الكثير من المشاهدين وخاصة في أمور الصدمة من خلال المشاهد القاسية وبالتالي تعمل عمل الإسقاطات السلبية لدى المتلقي...
إن ما ينقص درامانا السورية هو الحلول مما يجعل نهايتها فنتازيا.. لذلك ضروري جداً على الدراما لتكون ناجحة نجاحاً مطلقاً تقديم االحلول اللازمة للإشكالية التي تطرحها.. ولكي تقوم بهذا الدور جيداً لا بد من وجود تقييم سيكولوجي قبل العرض لأن هذا التقييم لا يقل أهمية عن أدوات المخرج ليخرج بعمله على أكمل وجه.. مثلاً دور عابد فهد (رؤوف) في دراما الولادة من الخاصرة كان بحاجة لمراقبة من خلال اختصاصي نفسي قبل التصوير وتفريغ الدور سيكولوجياً لإضافة اللمسات النفسية التي تجعله أكثر إقناعاً كون مضمون الشخصية هو عبارة عن تراكمات انفعالية نفسية سلبية منذ الطفولة لذلك قدمه لنا بمبالغة حيناً وبتقصير أحياناً أخرى... لذلك كان من الضروري مراقبة مثل هذه الأدوار نفسياً...
في النهاية أن أكثر ما يؤسفني هو ملاحظتي على أغلب الأعمال التي باتت تحكي مواضيع خاصة غير عامة فمثلاً نبقى في دراما الولادة من الخاصرة وعند دور رؤوف أيضاً هو نموذج قد يكون فردياً أو أكثر بقليل هناك موضوعات أشمل وإشكاليات أعم تستحق الإضاءة عليها... درامانا تتبع أسلوب تعميم الخاص عن طريق خلق إثارة غير معقلنة أو غير مدروسة لكسب الرأي العام...
لابد من الإشارة بأن رأي صناع الدراما قد غاب من هذا التقرير بسبب رفضهم للنقاش بالموضوع لعدة أسباب منها ما يتعلق بالوضع السياسي للبلد ومنها ما يتعلق برفض النقاش بصراحة في هذا الموضوع...
إذاً يبقى مفهوم الدراما الثقافي والتوعوي برهن المتاجرة الإنتاجية والكتابية والإخراجية بقيمتها المادية التي تبتعد فيها عن واجبها المجتمعي والإنساني...