2012/07/04
عبد الرحمن سلام – الكفاح العربي
بداية، قرر منتجو الدراما السورية مقاطعة أي محطة تلفزيونية فضائية "تسيء الى سوريا". وقد نقلت صحيفة "الوطن" السورية (شبه الرسمية) عن رئيس لجنة صناعة السينما والتلفزيون عماد الرفاعي، تأكيده أن "اي محطة عربية تسيء، ستتم مقاطعتها، وان الجهة الوحيدة المخوّلة حق قراءة النصوص الدرامية، واقرارها، هي لجنة القراءة في التلفزيون العربي السوري، وليس أي لجنة أخرى، وان من حق هذه اللجنة، متى شاءت او ارتأت، أن تستشير اي جهة رسمية اخرى".
هذا التأكيد يأتي في ظل التحدي الكبير الذي تواجهه المسلسلات الدرامية التلفزيونية العربية، وفي مقدمها السورية (الأكثر انفتاحاً على الجوار وما يحدث فيه من تغييرات)، ويتمثل هذا التحدي في قدرة هذه الاعمال الدرامية على نقل الواقع، خصوصاً في الاعمال الاجتماعية، بعد "الثورات" التي حدثت في المنطقة العربية، ومن المؤكد ان هذه الاعمال ستواجه بأكثر من سؤال، في المصداقية، وفي استعدادها لأن تعكس الواقع.
المخرج السوري سامر البرقاوي، الذي ينفّذ في هذا العام النسخة الجديدة من المسلسل الشعبي الناجح "مرايا" من بطولة النجم الكوميدي ياسر العظمة، بعد غياب سنوات عن الشاشة التلفزيونية ("مرايا" مسلسل انتقادي ساخر يطاول في معظم حلقاته واقعاً سياسياً او اجتماعياً او اقتصادياً او حتى فنياً)... هذا المخرج اعلن انه لا يمكن ان يتم تمرير هذا العمل من دون ان تترك الاحداث ظلها عليه، مستدركاً "لكن من دون ان تختص لوحة ما، بتناول ثورة بعينها"، مضيفاً ان "مرايا" ليس مسلسلاً سياسياً، وإنما فيه تنويع وتعويم، وبحيث يصل الى اوسع شريحة من الجمهور العربي المتابع.
ويشير المخرج سامر البرقاوي الى ثلاث لوحات من "حكايا 2011" باتت منجزة، معلناً انه يشعر انها "تتكئ" أو تنهل" من مجريات الاحداث الاخيرة، وان واحدة من هذه اللوحات تحكي عن "مهنة مستحدثة"، إذ يقوم مكتب بتقديم الخدمات لأحزاب معارضة وليدة، بعدما اصبح لدى الأنظمة العربية، "ديمقراطية" (!) مشيراً الى انه يفترض باللوحة المذكورة، الاضاءة على "الجديد"، وهو انه اصبح هناك مكاتب يدخل اليها الزبائن، ويطالبون بما يشبه "الدليفري"، الخدمات السياسية! وحيث اصبح هناك "مهنة جديدة لكل من ركبوا موجة الاحداث، بهدف الانتفاع الشخصي، والتربح"!
المخرج تحدث أيضاً عن لوحة اخرى، تحكي "عن وصية حاكم لشعبه، بأن من سيخلفه في الحكم، عليه أن يحمل مقاس حذائه، فيبدأ كل الطامحين بتجريب الحذاء، وسط خناقات ونزاعات وتسابق، للفوز بكرسي السلطة"! أما اللوحة الثالثة، وأيضاً بحسب ما ذكر المخرج سامر البرقاوي، فهي تتحدث عن "مركز انتخابي لمنصب عربي مهم، عادة ما تأتي النتائج عبره بنسبة 99.99%"!
الجدير بالذكر هنا ان الدراما السورية ستنتج لموسم 2011، ما يقارب 30 عملاً درامياً موزعاً ما بين "معاصر" و"تاريخي" و"كوميدي"، إضافة الى مسلسلات أخرى تتطرق الى الارهاب، وهذه النتاجات، ستضاف الى بقية نتاجات المؤسسة العامة للانتاج الدرامي (القطاع العام) التي لم تتضح معالمها بعد.
بعد هذا التوضيح، وبالعودة الى مضامين اللوحات الثلاث من مسلسل "حكايا 2011"، يتبين ان الانتقاد، وان ساخراً ولاذعاً، يبقى ضمن اطار "رضا الرقيب والرقابة"، طالما ان ما يقدم لا يتوجه لجهة معينة، بل يعرض رؤية تشمل كل الانظمة العربية. وتقول الكاتبة السورية ريم مشهدي، انها كانت قد بدأت بالفعل الاعداد لعمل درامي يواكب الثورة التونسية، إلا أن ثورة مصر (25 يناير) فاجأتها، ما اضطرها الى التوقف، من اجل اعادة تكوين وصياغة رؤية جديدة. تضيف: الآن اتابع المشهد السياسي ككل، علماً انني أكتب عملاً اجتماعياً وليس سياسياً، لكن لا يمكن للكاتب إلا أن يلتفت الى الانطباعات التي ولدتها هذه الثورات عند الناس، وأيضاً الى التأثيرات التي احدثتها بداخل النفوس.
أما زميلتها المخرجة ايناس حقي، فقد اعلنت عن فكرها في النقاش الدائر حول "معوقات الدراما السورية"، بالقول: اذا كان من الممكن انتاج دراما تلفزيونية رمضانية بالمعنى التقليدي، في هذا العام (باعتبار ان شهر رمضان يستأثر عادة بغالبية الانتاج الدرامي، والعروض). وإذا كان عند المشاهد العربي بشكل عام، والسوري خصوصاً، الرغبة في متابعة أعمالنا الاجتماعية المعتادة، وإذا كان يهم هذا المشاهد حقاً أن يحب اي ثنائي درامي، وأن يتزوجا ويعيشا بسعادة وهناء في آخر المسلسل، فهذا أمر سهل للغاية، لأنه يبعد من طريقنا كل العقبات او المعوقات، لكن تسارع الاحداث، والحديث دائماً للمخرجة ايناس حقي، سيجعل من اي موضوع، عملاً متأخراً بمجرد عرضه، في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه الدراما السورية حالياً، ومن بينها، وربما من ابرزها، دور "الرقابات"، والعملية المشهدية للأحداث المهيبة التي تابعناها على الشاشات.وتطرح المخرجة "حلاً حيادياً"، حيث تعلن "ان الاعمال التاريخية ربما تكون الدراما الوحيدة التي ترضي المشاهد، ويرغب بوجودها ـ في هذه الظروف ـ على الشاشات في 2011، باعتبارها "مشهدية صالحة لكل زمان ومكان"!
السيناريست حسن سامي يوسف، كان له رأي مختلف، وهو اعلن ان الانشغال بمتابعة الاحداث وأحوال العباد طوال اليوم، أكبر ـ وربما اهم ـ من الانشغال بشؤون الدراما، في الوقت الراهن، لأنه من المبكر جداً التفكير بالامر درامياً، لا سيما وان الامر سيحتاج حتماً الى بعض التروي، مختتماً بالاعلان ان المرء، في الاساس، لا يستطيع الالتفات الى شأن آخر، وأنه شخصياً، ومنذ بدء الاحداث في تونس، ثم في مصر، عاجز عن كتابة اي شيء... لا دراما ولا سواها!
هل تتوقف مشاكل الدراما السورية عند نقاط المضامين وأساليب الطرح والمعالجة؟
بالطبع لا. فقد اعلن المنتجون (القطاع الخاص) ضرورة أن يتولى الممثل تسديد ما يترتب عليه من رسوم، مقابل اشتراكه في اي عمل درامي، ومباشرة، لأن "المنتجين ليسوا جباة"، وحيث تقوم الشركات الانتاجية في الوقت الراهن بتولي مهمة تسديد الرسوم للنقابة، من خلال "تسوية" تشمل العمل برمته. ويطالب المنتجون بأن تقوم الشركات بارسال العقود المبرمة مع الفنانين الى الجهة المختصة التي عليها ارسالها بدورها الى نقابة الفنانين، حتى تتعامل هذه الاخيرة مع كل المنتسبين اليها، من حيث الرسوم والضرائب.
في السياق إياه فإن نقابة الفنانين طالبت شركات الانتاج بتشغيل نحو 850 فناناً منتسباً إليها، ولا يحظون بفرص عمل، الأمر الذي اعترض عليه المنتجون، ودعوا نقابة الفنانين الى دخول ميدان الانتاج، عبر مسلسلات يموّلها صندوق النقابة، لتشغيل هؤلاء. وفي رأي رئيس لجنة صناعة السينما والتلفزيون في سوريا، فقد تم استثمار اكثر من 50 مليون دولار اميركي في الاعمال الدرامية السورية في العام 2010، وان نسبة المال الخليجي في هذه الاعمال واضحة، فيما دورة الانتاج السنوية وفرت للعاملين في هذه الدراما، وبكل مقوماتها الفنية والتقنية، اكثر من 25 الف فرصة عمل مباشرة او غير مباشرة.
ويبقى السؤال مطروحاً: كيف ستخرج الدراما السورية من هذه الدوامة؟ وهل ستنجح في تخطي كل العقبات التي تعترض طريقها؟
هذا ما يتمناه الجميع، سيما وان على الدراما السورية، في الفترة الحالية، والمقبلة، مسؤوليات جساماً، في ظل التوقف شبه المؤكد للدراما المصرية عن الحركة، جراء الاحداث الامنية غير المستقرة. والاهم، في ظل حاجات الشاشات العربية الى دراما رمضانية يقبل بها الجمهور العربي، وهو لن يجدها ـ في المرحلة الراهنة والمقبلة ـ سوى في الدراما السورية التي قفزت خلال الاعوام الماضية، خطوات كبيرة نحو مختلف الشاشات العربية، وربما ايضاً في الدراما اللبنانية التي اصبح لديها تراكم مقبول بعدما بدأت أخيراً بتقديم نوعيات متطورة ومتقدمة في المجال المذكور، وبالتالي، بات على الجهتين معاً، وكل حسب امكاناته، اعداد ما يكفي من المسلسلات، منعاً للفراغ الذي قد يحدثه ابتعاد الانتاج المصري بفعل الظروف، وتحسباً لفراغ قد تشكو منه الشاشات العربية، كي لا تجد هذه الشاشات نفسها "مجبرة" على فتح فضائها للدرامات المدبلجة المستوردة، تركية كانت أم برازيلية ام مكسيكية أم خلافها