2012/07/04
ماهر منصور- البيان سبع وثلاثون عاماً مرت على إنتاج أول دراما بدوية هي (فارس ونجود) للمخرج إيلي سعادة، وقد جاءت بتوقيع الأردنيون في العام 1973، الذين قدموا بعد عامين المزيد من المسلسلات البدوية أشهرها، وفق تاريخ إنتاجها. مسلسلات (وضحا وابن عجلان) و(رأس غليص) و(نمر بن عدوان)، ومع تتالي الإنتاج الدرامي البدوي ودخول السوريين على خط الإنتاج أرسى المنجز منها ملامح للدراما البدوية، قدم خلالها المجتمع البدوي بصورة افتراضية.بدا فيها البدوي مجرد ساكن خيمة يرعى الغنم، ويدخل قصص حب مستحيلة، وعلى هامش هذا الحب تنشأ قصص الشجاعة والشهامة والحكمة مقابل الغدر والخيانة.والصورة على هذا النحو بدت مثيرة للاهتمام في بدايتها، ولاسيما أننا كشعب نميل للحكايات التي كانت توفرها المسلسلات البدوية في ذلك الوقت بكثير من التشويق والجاذبية، فذاع صيت الأعمال البدوية، وانتشرت تعرض على تلفزيونات عربية عدة. إلا أنها سرعان ما سقطت في هوة التكرار ونمطية الشكل والحكاية، ففقد العمل البدوي قيمته الفنية، وبات ينتج بمستويات إنتاجية ضعيفة. حتى وصل الأمر من السوء حد التوقف تقريباً عن الإنتاج كلياً، كما فعل السوريون على الرغم من أن دراماهم في ذلك الوقت كانت تغزو الفضائيات العربية، وكان تنوع الإنتاج مطلوباً بحكم الطلب المتزايد على المسلسلات السورية. خلال السنوات الأخيرة، شهد إنتاج الدراما البدوية صحوة، على يد صانعيها الرواد، فقام المركز العربي في الأردن بإعادة إنتاج المسلسلات التي سبق وقدمت في السبعينات، مستعيناً، بحدود بسيطة، بتقنيات التصوير الحديثة. ومن تجارب السوريين في الأعمال التاريخية لجهة تقديم مجاميع ضخمة وإخراج المعارك، إلا أن ذلك كله ظل دون القدرة على الخروج بما يرد اعتبار الدراما البدوية القديمة. على الرغم مما حققته هذه الأعمال القديمة- الجديدة من متابعة جماهيرية كبيرة بجاذبية حكايتها، فقد ظلت أسيرة صورة نمطية افتراضية للمجتمع البدوي، معها ظل استثمار ما وصلت إليه العملية الفنية من تقنيات قاصراً على نحو ما. التجديد المطلوب لم يكن بالضرورة الخروج من دائرة الصراع الأزلي بين الخير والشر، فذلك الصراع من شأنه أن يخلق الدراما المنشودة، ولكن المشكلة كانت في عدم زج هذا الصراع في مضامين متطورة. ضمن زمان ومكان محددين، ورؤية واقعية للمجتمع البدوي، وهو الأمر الذي انتبه إليه المنتجون أخيرا، فانطلقوا صوب تقديم أعمال بدوية جديدة تتلافى عيوب الدراما البدوية التقليدية ولاسيما لجهة التحديد الزماني والمكاني للأحداث مع تسخير التقنيات الجديدة في العملية الفنية. فدارت أحداث مسلسل (صراع على الرمال) مع مطلع القرن الثامن عشر في الجزيرة العربية حول صراع بين قبيلتين يقوم على خلفية ثأر قديم بينها، تنمو وسط حمى المعارك فيه حكاية حب تنشأ بين شاب وفتاة ينتميان كل منهما إلى قبيلة. وذلك في سياق أحداث درامية تنشد، وفق ما ورد في تعريف العمل، لطرح أسئلة أكثر شمولاً حول الحب والفروسية والوفاء والثأر والخيانة. ودارت حكاية مسلسل (فنجان الدم)، في بداية القرن التاسع عشر، حين كان العثمانيون يبسطون سيطرتهم على معظم البلاد العربية، فيما كانت الصراعات دائرةً على جبهتين: الجبهة الأولى تجمع القبائل العربية من جهة، والعثمانيين من جهة أخرى. والثانية تجمع بعض القبائل العربية في مواجهة بعضها، ويتم اليوم تصوير أحداث مسلسل (أبواب الغيم) الذي يلقي الضوء على تطور الحياة في شبه الجزيرة العربية في ظل وجود قوى مختلفة مثل الانجليز والأتراك. وذلك من خلال رصد مصائر مجموعة من الناس في تلك المرحلة المضطربة من تاريخ شبه الجزيرة العربية وملاحقة صراع الشخصيات مع طبيعة الحياة القاسية، إلى جانب طموحاتها وتطلعاتها وشبكة العلاقات الإنسانية في القبائل. المضامين الجديدة ترافقت واقتراحات بصرية متعددة، استفادت بالمجمل من الإمكانيات الإنتاجية الكبيرة التي رصدت لتنفيذ تلك الأعمال، فقدرت على سبيل المثال ميزانية مسلسل صراع على الرمال الذي أنتجته مؤسسة دبي للإعلام بستة ملايين دولار، وهو ما يفوق كلفة إنتاج ثلاثة أعمال ضخمة. ومع المستوى الإنتاجي الضخم للمسلسلات الجديدة كان من الطبيعي أن تأتي المعالجات البصرية الفنية على مستوى ما بلغته الصناعة الفنية من تقدم تقني، وبدأنا للمرة الأولى نسمع عن مشاركة خبرات أجنبية في تصميم المعارك في المسلسلات البدوية. وعموما بدأ المسلسل البدوي في هذه الفترة ينحو صوب المسار الذي اتبعه السوريون في إنتاج الأعمال التاريخية من حيث استخدام المجاميع الكبيرة، وإخراج معارك كبيرة، فضلاً عن تقديم إبهار بصري متميز مدعوماً بالمضمون المتطور المختلف. وبالتسليم بريادة السوريين في إنتاج الأعمال التاريخية عربياً، بحكم أسلوبهم السابق، يمنحنا سحب السوريين الأسلوب ذاته في تنفيذ الأعمال البدوية حق انتظار ريادة جديدة على صعيد الدراما البدوية، ترسي أركانها اليوم شراكة فنية سورية-إماراتية. من شأنها أن تعيد أمجاد المسلسل البدوي، وتصحح الصورة المغلوطة فيه. الخيارات الجديدة المطروحة للمسلسل البدوي تتقاطع مع وجهات نظر عدة للفنانين حول أي شكل للعمل البدوي نريد، فضلاً عن انتقاداتهم للصورة النمطية التي كرستها الأعمال البدوية السابقة، فيرسم الفنان عبد الرحمن أبو القاسم ملامح الصورة الهزيلة التي كانت تلك الأعمال تقدم بها . فيقول: أغلب هذه الأعمال كانت بخيول نأسف لقولنا لها (بغالاً) ويقولون لنا هذه هي الفرس العربية، فبالتالي هم أساؤوا إلى الخيول العربية الأصيلة، وإلى الحياة البدوية. كونهم كانوا يجلبون الخيام المهترءة الممزقة، ويقدمونها على أساس أن الحياة البدوية هكذا تكون، وغالباً كانت الأعمال البدوية تقدم صيفاً؛ فنحن لم نرَ إلى الآن عملاً بدوياً كان في الشتاء.. ويستذكر الفنان أبو القاسم من الأعمال البدوية المهمة التي قدمت مسلسل (جواهر) الذي قدم الحياة البدوية الحقيقية والخيمة البدوية والفرس الأصيلة فكان عملاً متميزاً على مختلف الأصعدة. وبدوره ألمح الفنان زيناتي قدسية إلى أن المستوى الإنتاجي الضخم المرصود لتنفيذ الأعمال البدوية من شأنه أن يسمح لشركات الإنتاج بتكلف كتاب مهمين ومثقفين على سوية عالية ودارسين للمجتمع البدوي، الذي يشكل نسبة مهمة من العالم العربي، ليضعوا نصوصاً مهمة بين أيدي مخرجين مثقفين، ليقدموا أعمالاً بدوية عالية الجودة والمستوى. ولا يميل الفنان قدسية إلى الاكتفاء باسم بدوي لتلك الأعمال، كما لو أنها من غير هدف، مفضلاً النظر إليها على أنها أعمال اجتماعية لها مغزى وغاية، ولكنها ناطقة باللهجة البدوية. وعن المضامين يقول الفنان قدسية: نحن نريد من خلال هذه الأعمال أن نتحدث عن أخلاق المجتمع البدوي العالية وتقاليده وحضاراته وقيمه النبيلة، وعلينا أن نناقشها بدقة. لذلك فنحن بالتأكيد نستطيع أن نقدم أعمالا مهمة في هذا الإطار، وهذا ما حصل في السنوات الأربع السابقة. ويشجع قدسية إحياء الأعمال البدوية، ولكن بطريقة تحترم عقل المشاهد وتحترم العمل البدوي ككل. الممثلة والمخرجة واحة الراهب قالت إن هنالك أعمالا عدة تقدم باسم العمل البدوي، ولكنها تكون مسترخصة بعض الشيء، وأنا أعتذر دوماً عن الأعمال البدوية التي تتكلم فقط عن الحب والغرام والثأر؛ فأنا لست مع هذا النمط نهائياً. وأوضحت الفنانة الراهب أنها ضد منع أي شكل من أشكال الفن وضد مصادرة حق الآخرين بتقديم أي جزء من أجزاء الفن الراقي والمثالي لأن كل هذه الفنون تطور بعضها البعض. وترى الفنانة الراهب التي قدمت واحدا من أهم الأدوار البدوية في مسلسل جواهر أن الأعمال السورية جميعها نهضت بشتى الموضوعات وفتحت الهوامش أمام كل الأجناس فكل ما قدم بها شكل منافسة على أصعدة عدة حتى الأعمال البدوية التي قدمت كان لبعضها تأثير مهم جداً في المجتمع وتركت بصمة جميلة في بعض أعمالها. الفنانة القديرة منى واصف قالت إنها تحبذ المشاركة ومشاهدة الأعمال البدوية بشتى موضوعاتها، مشيرة إلى أهمية ما يقدم اليوم من مسلسلات بدوية بوصفة خروجاً عن التكرار. واستذكرت واصف في هذا السياق عمل (صراع على الرمال) في العام 2008 وهو عمل ضخم ومهم جداً قدم مستوى عاليا ورفيعا. كذلك لا ننسى (فنجان الدم) للمخرج الليث حجو، الذي قدم الصورة الواقعية للمجتمع البدوي، إضافة إلى العمل المتميز جداً (جواهر)، والذي تذكره الناس إلى يومنا هذا؛ فهو طرح وبكل جرأة موضوع الزوجة الثانية الذي يعد من الموضوعات المهمة. اليوم يجمع الكثيرون على ضرورة تقديم تصورات فنية متجددة للحياة البدوية، كمدخل لعودة المسلسلات البدوية إلى الواجهة المرغوبة جماهيرياً وفنياً، ولعل كما يقدم اليوم يندرج ضمن إطار المحاولات الطموحة لتحقيق ذلك من خلال تأمين ما تتطلبه الأحداث من إمكانيات إنتاجية كبيرة، ومضامين متطورة ومعالجات بصرية فنية مبتكرة. وعلى الرغم من أن بعض الأعمال التي قدمت أخيراً لم تصل بعد إلى المستوى الفني المنشود للمسلسل البدوي، إلا أنها بالتأكيد تؤسس للوصول إلى ذلك المستوى.