الدراما البدوية الغائب العائد إلى مضارب الشاشة

عباده تقلا

«يتخرج الطالب من المعهد العالي للفنون المسرحية، ليصبح نجماً في مسلسلات بدوية!» عبارة أطلقها الموسيقي الراحل صلحي الوادي مطلع تسعينيات القرن الماضي، يوم كان عميداً للمعهد العالي للفنون المسرحية. في ذلك الوقت كان المسلسل البدوي أحد العلامات المميزة لعطلة نهاية الأسبوع، مشكلاً مبعث ملل ونفور للبعض، و مادة دسمة للراغبين في استرجاع ذكريات الزمن الغابر، مع مفردات تتكرر في أغلبية تلك المسلسلات قوامها حسناء و فارس عاشق وخسيس " بواق"  وغزو يهدد القبيلة و أمنها الداخلي. بطيحان الذي أداه  ببراعة الممثل الأردني زهير النوباني، إحدى تلك الشخصيات  الباقية في الذاكرة حتى الآن، والتي يقابلها راكان بفروسيته ومغامرات عشقه، قبل أن يأتي زمن شيما التي إن ابتليت بهواها فلا أمل لك بالحياة الهانئة بعد ذلك اليوم، ألا تذكرون ما كانت تقوله العرافة العجوز في  المسلسل لكل من كان يضايقها: يبلاك بهوا شيما! و مع تلك  النوعية من الأعمال كان هناك ممثلون وجدوا فرصة طيبة  للعمل، إما لجهة إتقانهم اللهجة، أو لجهة حفاظ بعضهم على اللحية طوال الوقت، أحدهم أضاف إلى الميزتين السابقتين ميزة الصوت الأجش، وهو ما جعله مطلوباً بقوة إلى تلك الأعمال، وظل محافظاً على تلك اللحية عند مشاركته في بعض أعمال " المودرن"، ربما لأن بصيرته أعلمته أنه سيستفيد منها يوماً عندما تهب رياح الفانتازيا التاريخية، وهو ما كان. من طرائف تلك الأعمال أن أحداثها لم تكن تجري إلا في فصل واحد، أما الشتاء  فكان فصلاً غائباً أو مغيباً نتيجة تلك الميزانيات الضحلة التي كانت ترصد لتلك الأعمال التي كانت نادراً ما  تقع بين يدي مخرج جيد، وكأنها كانت متاعاً لا ينجح في التقاطه إلا مخرج محدود الموهبة ليزداد طين الفشل بلة. غابت تلك الأعمال عن شاشتنا طويلاً،  لتعود للظهور قبل موسمين رمضانيين عبر عملين أولهما "صراع على الرمال" من إخراج  حاتم علي، مع إنتاج إماراتي سخي جداً. وبعد عرض العمل قوبل بفتور نقدي و جماهيري، ورأى الكثيرون أنه لم  يحمل أكثر من صورة تجميلية باذخة، مع  تصوير سياحي للبدو دون أي اقتراب من حياتهم الحقيقية. أما العمل الثاني فهو فنجان الدم للمخرج الليث حجو و الكاتب عدنان عودة،  وهو العمل الذي قال صانعوه إنه يقدم مادة موثقة أخذت و قتاً طويلاً من البحث العلمي والتحليلي، وأسموه ملحمة بدوية تمتد على قرن كامل، وترصد علاقة القبائل مع السلطة العثمانية القائمة في ذلك الوقت. حافظ العمل على عناصر الدراما البدوية الأساسية  التي ذكرناها أعلاه، و لكن ما لفت النظر فيه   هو  كاميرا الليث حجو  التي وجدت فضاء رحباً لإطلاق العنان لتنوعها وغناها، وهو الأمر الذي ذكرني  بذلك الممثل الكبير الذي سأله البعض عن سبب قبوله المشاركة في عمل معاصر يعاني مشاكل كبيرة في نصه، فأجاب: لأنني أثق بكاميرا الليث حجو. مسلسل بدوي جديد قيد التصوير حالياً  وهو "أبواب الغيم"  مع المخرج حاتم علي و أشعار حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، و كوكبة من ممثلين عرب. أسئلة كثيرة  تطرحها عودة الدراما البدوية، أسئلة تتعلق بنوعية الجمهور الذي تقدم له تلك  الأعمال، و بمدى قدرتها على طرح أسئلة راهنة، وهل يحتاج الأمر إلى مسلسل ثلاثيني وجزء ثان و ثالث  أم أنه من الممكن الاقتراب من عوالم البدو و حكاياتهم ضمن عمل يضم بيئات كثيرة، و يشكلون أحد خطوطه الأساسية؟ [email protected]