2012/07/04
علي الحسن – الوطن السورية
متكاسلاً وبارداً بدأ مسلسل «الخربة» السوري للثنائي الليث حجو مخرجاً وممدوح حمادة كاتباً مصافحة الجمهور السوري والعربي وعلى خجل واستحياء كمن اقترف ذنباً ويتحاشى أن تتداوله الألسن.. وشيئاً فشيئاً بدأ العمل يؤسس لانطلاقة بدت في الحلقات الأولى متعثرة لتنشط فيما بعد وبدأ الاستقطاب يتسع تزامناً مع توضح الملامح الرئيسية للعمل الذي استقطب نجمين كبيرين يكفي وجود أحدهما في مسلسل حتى تهرع الأنظار إلى العمل
فما بالك بنجمين من وزن دريد لحام وما يملك من تاريخ وإبداع ورشيد عساف وما يتمتع بألق حضور طالما أسس لعلاقة حب حقيقية تجاه الفن والجمهور الذي بادله الإعجاب عبر عشرات الأعمال في مسيرة فنية كان لعساف فيها بصمة مختلفة وخيارات وإن لم تكن كلها على ذات المستوى والنجاح لكنه مجمل حضور جعل من عساف نجماً كبيراً توّجه بمشاركته المتميزة جداً في الخربة العمل الذي عجّ بنجوم لامعين أدوا بمهارة: باسم ياخور، محمد حداقي، أحمد الأحمد، محمد خير الجراح، ضحى الدبس، مهند قطيش وآخرون. العمل أراد مقاربة بيئة جبل العرب بعدما نجح فريق عمله المخرج والكاتب في عملهما السابق «ضيعة ضايعة» الذي انغمس بالبيئة الساحلية بطريقة كوميدية جعلت من العمل يحقق نجاحاً جماهيرياً غير مسبوق وربما أرادا تكرار التجربة بأدوات ليست بعيدة وإن بصورة متمايزة عبر «الخربة» العمل الكوميدي الناقد الذي نجح بإسقاط الحالة العربية الراهنة وتفاعلاتها السياسية وحراكها الشعبي بصورة «لطيفة» بصرف النظر أحياناً عن التوظيف السياسي ذلك أن مفردات «الشعب يريد..» و«انقلاب» و«ثورة» و«الفيسبوك» موظفة بقالب فني أقرب للحالة الشعبية ومفارقتها في التعاطي تبعاً لبيئة العمل الفنية وبناء الشخصيات و«كاركتراتها» «المهضومة» متكئاً على خط العمل الأساس المبني على تجاذبات بين عائلتي بو قعقور وبو نمر وحماسة كل منهما لأخذ قصب السبق عبر إيقاع العائلة الأخرى بمطبات على طريق التميز والإشارة بالبنان إلى هذه العائلة الناجحة والذكية وللأخرى على أنها عادية ولا تستحق الصدارة. في مقاربته لبيئة جبل العرب سيلقى العمل تحفظات وحملات «فيسبوكية» تطالب بإيقافه إذا لم ينجح بالملامسة الحقيقية لهذه البيئة ومخزونها التراكمي وموروثها ذي الخصوصية إضافة إلى الذهنية المجتمعية التي تعول على العادات والتقاليد كمحرك أساس وناقل لنبض البيئة لكن إذا تحدثنا من وجهة نظر فنية وخيارات صناع عمل فإن الأمر من المفترض أن يكون مختلفاً والتعاطي معه شعبياً على نحو مغاير فهو بالنتيجة ليس عملاً توثيقياً أو تسجيلاً وبالتالي فإن مقاربته نقدياً أو إطلاق أحكام عليه تستلزم النظر من زاوية أنه عمل فني كوميدي وإن استخدام أدوات البيئة من لهجة وأزياء ومكان ومن هنا فإن صناع العمل أنفسهم سيجدون إرباكاً وسيبدون حرصاً مضاعفاً تبعاً للذهنية المجتمعية وآليات تعاطيها مع العمل الذي كان حريصاً وربما مسكون بالخوف ألا يذكر صناعه ما يدلل تسجيلاً على المكان خشية من ردات فعل توقعهم بمطبات إذ لم يشكروا في شارة العمل مثلاً أهالي المنطقة القرية التي تم فيها التصوير علماً أن فريق العمل وحسب مصادر أهلية مقربة لاقى حفاوة كبيرة أثناء عمليات التصوير إذ كانوا بمثابة ضيوف قدمت لهم «المناسف» وعُمرت له الولائم على نحو احتفائي لدرجة- كما يروى- أن بعضاً من كادر العمل تمنى مازحاً وممتناً أن يستمر التصوير طويلاً ما دامت المعاملة على هذا النحو الاحتفائي وعلى غير صعيد لاسيما في جانبه الشعبي.
«الخربة» حمل أيضاً متناقضات بدت مقحمة كالعزف على «الوتر البوليتاري» أو الأجواء «الشيوعية» و«البعثية» بطريقة لم تلق قبولاً تبعاً لحوامل العمل وأجوائه لكن ذلك لم يقلل من قيمة العمل الفكرية الناقدة والتهكمية الساخرة وخاصة في حلقات ظهر فيها التمايز والاختلاف عن حلقات أخرى وهذا ثمن يدفعه العمل المتصل المنفصل. العمل الذي سيبدو لافتاً على صعيد الأداء التمثيلي عالي المستوى من الممثلين جميعهم إلى جانب دريد لحام ورشيد عساف وإن بدرجات لكن دور محمد حداقي سيحصد نجاحاً مميزاً إضافة إلى الشخصية التي جسدها أحمد الأحمد أما باسم ياخور وهو وإن لا يبتعد كثيراً عن شخصية «جودة» في ضيعة ضايعة، لكن بفتحه أقواساً ووضعه فواصل كثيرة وإشارات تعجب واستفهام سيظهر على نحو مميز وسيذكر الجمهور هذا الدور أو هذه الشخصية كثيراً وطويلاً إذ سيفتح أقواساً في أحاديثه وجلسات سمره وحتى في أجواء عمله من باب المفارقات والهزل الذي حمل جدية بين السطور..!
«الخربة» العمل الناقد في إسقاطاته ومواكبته الموفقة للأحداث «والثورات» العربية هنا وهناك تناول أيضاً صراع الأجيال وتفتح الأجيال الطالعة على الحياة ومشاركتها فيما يجري بل وصنعها للواقع سبيلاً إلى مستقبل له مفرداته من الحرية والحقوق وحرية التعبير في مقابل جيل قديم له عقلية تراهن على ذهنيتها وعاداتها وتقاليدها ومفهومها للحياة فالخربة القرية المنسية على الخريطة ينجح شبابها في الانتصار لأنفسهم ولقريتهم ودائماً ضمن قوالب كوميدية ساخرة وناقدة.