2012/07/04
عمر محمد جمعة - البعث
مع اكتمال إعداد وتصوير مسلسل "الانفجار" للمخرج أسامة الحمد، والكاتب أسامة كوكش، والذي يتناول موضوع الإرهاب من خلال تصوير حادثة انفجار حافلة، كتلك الحوادث التي عانت منها سورية في فترة الثمانينيات، ومعالجتها من وجهة نظر اجتماعية، وانعكاسها على الأسر الفقيرة، ومسلسل "سوق الورق" تأليف آراء الجرماني، وإخراج أحمد إبراهيم الأحمد، الذي يتحدّث عن الفساد الإداري الذي ينخر جسد بعض مؤسّساتنا وإداراتنا، وسلوكيات أبناء المسؤولين وذوي النفوذ وكيفية تعاطيهم مع الأمور الحياتيّة، ومسلسل "العشق الحرام" للمخرج تامر إسحق الذي يسلّط الضوء على مجموعة من العلاقات العاطفيّة المحرّمة أخلاقياً وشرعياً، وغيرها من الأعمال القادمة، تتابع الدراما السورية اجتياح واختراق الخطوط الحمراء التي حكمت إنتاجنا الدرامي ردحاً من الزمن، وحدّت من جموحه باتجاه القضايا الشائكة والمسكوت عنها، وأبقته أسير حكايات مكرورة ومقولات مقولبة جاهزة، حيث كان مقصّ الرقابة دوماً – كما يرى بعض الدراميين- يتربّص بأي مشهد أو مقولة تناوش المحظورات الثلاثة "السياسة، الدين، الجنس".
أما وقد اتّسع هامش الحرية باطراد خلال السنوات الأخيرة، فإننا سنلاحظ أن أعمالاً من مثل "غزلان في غابة الذئاب، ما ملكت أيمانكم، الخبز الحرام، شتاء ساخن، لعنة الطين، تخت شرقي، سحابة صيف، عن الخوف والعزلة" رفعت سقف المنافسة والمغامرة في اختراق هذا التابو، حتى بات السباق محموماً في تسليط الضوء على الكثير من الزوايا المعتمة، وتعرية بعض الظواهر والأمراض الاجتماعية المزمنة التي فتكت أو تكاد بمنظومتنا الأخلاقية والسلوكية والتربوية، ما يستوجب أن تكون "دراما القضايا الحسّاسة" حاضرة بقوة، وضمن معايير مدروسة بعناية فائقة، للتحذير منها والتنبّه إلى ما تخلفه من آثار سلبيّة مقلقة على بنياننا الاجتماعي.
ففي "شتاء ساخن" للكاتب فؤاد حميرة والمخرج فراس دهني، تعرّض المسلسل لعلاقة جنسيّة صادمة ومستنكرة بين بطل العمل وزوجة أخيه، فيما تحدّث "سحابة صيف" للكاتبة إيمان السعيد، والمخرج مروان بركات بإسهاب عن صورة أبشع من الأولى حين رأينا كيف تحرّش الأب بابنته. كما كشف مسلسل "ما ملكت أيمانكم" الفساد الأخلاقي والتستّر بالدين لبعض الشرائح الدينيّة المتطرّفة، فيما دخل "تخت شرقي" مناطق محظورة من خلال الإيحاءات الجنسيّة والتعرّض لعلاقات ما قبل الزواج، كذلك فعل "عن الخوف والعزلة" الذي برّر العلاقة الجنسيّة خارج إطار الحياة الزوجية وعدّها شكلاً من أشكال التحرّر من قيود المؤسّسة الزوجية. بينما كانت "الجرأة السياسية" عالية في "لعنة الطين" الذي عاين فترة قريبة جداً، مشرّحاً العلاقة بين الفقر والسلطة، وآلية صناعة الفساد والمفسدين، حتى يكاد يكون هذا العمل في بعض أبعاده محاكمة لفترة سياسيّة بعينها.
على أن العلاقة الملتبسة بين الجرأة في الهامش المتاح ومقص الرقابة، اللعبة التي وسمت بعض الأعمال الدرامية المذكورة، تستدعي بحثاً يوازي أو يقارب الخلاف الذي أفضت إليه هذه الجرأة، ومدى حق وسلطة مقص الرقابة في التدخّل، سواء إزاء مستوى وآلية الطرح أو في مستوى التلقّي. إذ وإلى حين من الزمن، كما نعلم جميعاً، كان ثمّة تخوّف وحذر من الاقتراب من الكثير من القضايا التي انطوت تحت يافطة المحرّم أو التابو المغلق، بل نَأى الكثير من فنون الدراما بنفسه عن إثارة هذا الجانب، ماعدا السينما التي استطاعت في بعض إنجازاتها وتجلياتها اختراق هذا التابو العصيّ بشيء من الحنكة والمواربة، فيما بقي التلفزيون –كضيف يومي في البيت- محكوماً بمنظومة القيم الأخلاقية التي يتحصّن بها مجتمعنا العربي.
لكن، ما نراه اليوم من تمدّد عشوائي لمفهوم الجرأة وحرية الطرح وموقف الرقابة منه قد يثير، اجتماعياً بل وسياسياً، زوبعة كبرى من الاستفهامات، ويسوقنا عنوة إلى التساؤل: كيف كانت الجرأة في الأعمال السورية، وكيف فهمها بعض صنّاع الدراما؟.. وإلى أي حدّ كان مقصّ الرقابة محقاً فيما ذهب إليه، وهل الجدل الذي أحدثه مشهد "مكسيم خليل وسلافة معمار" مثلاً في مسلسل "تخت شرقي" وقبله مقولات بعض لوحات "بقعة ضوء" أو ردّة فعل بعض رجال الدين على "ما ملكت أيمانكم" أو القراءات المتباينة المختلفة لـ"لعنة الطين، وشتاء ساخن" ستعيدنا إلى نقطة البداية لنقيّم ما قدّمناه، وما الذي كان مرفوضاً أو مقبولاً بين السواد الأعظم من مشاهدينا، ومتى يمشي مقص الرقابة وأين يتوقف؟.
نزعم أن بعض المنتجين أدرك أهمية هامش الحرية المتاح وخطورته، فانبروا إلى استغلاله، كلّ كما يرى وبعيداً عن أي معايير، متجنبين فقط وإلى أبعد حدّ ما يمكن أن يوقعهم تحت سطوة مقص الرقابة، أو الرضا والخضوع للنمط السائد والمألوف.. غير أن بعضهم انصرف إلى المجانية والابتذال والسطحية والتوظيف اللامنطقي، وفق ردود الأفعال التي أعقبت "تخت شرقي" أو إلى التحايل على الرقابة بإسقاطات معدّة بحرفية متقنة كما في "لعنة الطين".. ولعل من تابع المسلسلين على غير تلفزيوننا سيدرك بالقرينة الدالة ما الفارق، وما فعله مقص الرقابة الذي نجهل ضوابطه ومنظوماته التي يحتكم إليها.
إن لعبة شد الحبل التي نلمسها اليوم في العلاقة ما بين هامش الحرية ومقص الرقابة، تستدعي – حتى نكون موضوعيين- استبياناً جماهيرياً وشعبياً يحدّد المقبول والمرفوض فيما يُقدّم درامياً، كي لا يبقى مقص الرقابة هو المتهم الوحيد.