2012/07/04
أحمد الخليل – تشرين دراما
تأخرت الدراما العربية عموما والسورية خصوصا في تناول الموضوع العراقي والمشكلات الناجمة عن الاحتلال الأمريكي للعراق، وهذا ناتج أساسا من طبيعة الفن ودوره حيث لا يستطيع الفن استلهام الحدث الجديد وإعادة صياغته فقوة حضور الحدث الإعلامية حينما يكون طازجا تكون أقوى من أي تناول فني له إن كان عبر السينما أو التلفزيون أو المسرح أو التشكيل.. وان حاول فن ما تناول قضية احتلال أو حدث سياسي كبير بشكل مباشر ومترافق مع حدوثه سيقع العمل في مطب المباشرة والخطابية والسطحية أو قل في المطب الإعلامي أي النقل شبه الحيادي لحدث إنساني كبير..
فالفن بحاجة للتأمل وهضم الأحداث والغوص في أعماق الظاهرات السياسية والاجتماعية لاستلهام التفاصيل الإنسانية الحميمية التي تغيب في سخونة الأحداث وأزيز الرصاص والانفجارات وصراخ التصريحات ومعارك النفاق..
لذلك لم نر إلا في السنتين الأخيرتين أعمالا تتناول الوضع العراقي بعضها ركز على الاحتلال بشكل مباشر وآخر تناول الوضع الإنساني للاجئين وقسم ناقش أسباب وتبعات الاحتلال..
من الأعمال التي تحاول الغوص في المجتمع العراقي مع إيحاءات سياسية تدلل على طبيعة السياسة العراقية قبيل الاحتلال والويلات التي جرتها على المنطقة مسلسل (أبو طبر) للمخرج السوري سامي جنادي الذي يدور حول شخصية السفاح القاتل (أبو طبر البلطجي)، الذي وُجد في السبعينيات وتفاقمت جرائمه في الفترة الواقعة ما بين «73- 74» وهو شخصية غريبة مأخوذة من المجتمع العراقي تمثل حالة نادرة إلا أنها حقيقية، أُعدم في النهاية، العمل يحاول طرح تساؤلات هامة تطول هذه الشخصية الغريبة كيف وجدت أو كيف أوجدت، هل يعود هذا إلى المصادفة أم إلى مجمل الأوضاع السياسية كما أنه يحاول الإجابة على هذه التساؤلات ولو بصورة غير مباشرة، والعمل عراقي بحت كل الممثلين فيه من العراق، وتم التصوير الداخلي في دمشق أما التصوير الخارجي فكان في دير الزور والرقة.. ويقوم العمل بصورة عامة على مفهوم الرعب والأكشن، كتبه السيناريست العراقي (حامد المالكي)..
ويتطرق مسلسل (ثلج في زمن النار) لحكاية حدثت في إحدى القرى العراقية القريبة من بغداد، والتي تأثرت تأثراً مباشراً بظروف الاحتلال وغياب السلطة والقانون، ما جعل بعض النفوس الضعيفة وبعض قناصي الفرص يقومون باستغلال الوضع الأمني المنفلت المتمثل بغياب القانون وسلطات الردع الذي رافقه حرق وتدمير كل المؤسسات الخدمية وكل مؤسسات الدولة ودوائر الملكية والعقارات وحرق كل السندات القديمة والحديثة فيها، ما حدا هؤلاء الذين لا يملكون أي وازع أخلاقي أو ضمير على احتلال مساكن ليست مساكنهم وسلب ممتلكات الناس بحجة غياب السندات وأوراق إثبات الملكية.. و(ثلج في زمن النار) دراما عراقية تصور الواقع الاجتماعي بعد احتلال العراق حيث تتعدد الشخصيات فيه لتجسد ملحمة الثلج والنار واقعاً إنسانياً وصراعاً مريراً.
(عجرش) الشخصية الرئيسة في العمل تجسد الانتهازية وانعدام الضمير حيث استغل وضع الحرب ليعيث في الأرض فساداً.. يدعي عجرش بأنه مالك لأرض تعود ملكيتها لناجي الداوود الذي هاجر من العراق قبل ثلاثين عاماً وانقطعت أخباره وبقيت الأرض كأمانة عند أحد أصدقائه ورفيق دربه في النضال السياسي الدكتور رشيد الأستاذ الجامعي الذي أصلح الأرض وزرعها لتصبح بساتين وارفة لكن عجرش يحيك المؤامرات ضد أهالي القرية وضد الدكتور رشيد للاستيلاء على أملاك وأموال الناس.
كتب العمل الكاتب العراقي باسل الشبيب وأخرجه المخرج السوري طلال محمود وجسد الدور الرئيس الفنان كريم محسن وهو أحد نجوم العراق الذي يؤدي شخصية عجرش أما الشيخ فياض فيقوم بدوره سامي قفطان وهو أيضاً من الفنانين العراقيين..
ومن الأعمال التي هي قيد الانجاز مسلسل (أنا وصدام) يخرجه المخرج الليث حجو وتأليف الكاتب عدنان عودة.. يتناول العمل تأثير سياسات الرئيس صدام حسين على المواطن العربي بدءاً من عام 1980 وحتى احتلال العراق في عام 2003، والعمل نوع من دراما السيرة الذاتية، إلاّ أن الشخصية المحورية، ليست شخصية الرئيس العراقي صدام حسين، ولا العراق بحد ذاته، وإن كان صدام سيكون جزءاً من حكايته. فالشخصية المحورية هي شخصية سورية متخيلة بالمطلق، من مدينة البوكمال السورية الحدودية، ويدعى صاحبها ناصر العاني. ويقوم المسلسل على فكرة نشوء علاقة بينها وبين الرئيس العراقي إثر هروبه إلى سورية في العام 1959 بعد مشاركته في محاولة الاغتيال الفاشلة للزعيم عبد الكريم قاسم. والعمل بحسب مخرجه الليث حجو: (..يقارب الرواية التلفزيونية، ويبحث في علاقة إنسانية صنعتها الظروف التاريخية والسياسية لبلدين جارين، هما سورية والعراق، بين رجل عادي هو ناصر العاني السوري (شخصية متخيلة)، وصدام حسين، الذي شاءت له الأقدار أن يحكم العراق.. في يوم ما).
كما يقوم الفنان نضال سيجري بتحضير عمل يتناول فيه بعض جوانب حياة اللاجئين العراقيين من خلال فيلم تلفزيوني بعنوان (طعم الليمون) مستلهماً فكرة العمل من زيارة النجمَيْن الأمريكيين الشهيرين أنجيلنا جولي وبراد بيت حيث سيظهران في الفيلم من خلال لقطاتٍ أرشيفيةٍ مأخوذةٍ عن زيارتهما إلى مخيمات اللاجئين في سورية والفيلم يروي قصة حقيقية تتناول مخيمات اللاجئين العراقيين في سورية وقدوم النجمين إلى سورية كان باعتبار أن جولي سفيرة النوايا الحسنة..
وأهم عمل تلفزيوني عرض حتى الآن على الشاشة متعلق بالوضع في العراق هو مسلسل (هدوء نسبي)، للكاتب والروائي خالد خليفة، والمخرج شوقي الماجري، وبطولة عدد من النجوم العرب ومنهم: نيللي كريم، وعابد فهد، وقمر خلف، ونادين سلامة، وبيير داغر..
العمل عالج الحرب في العراق، والمهمة الصعبة للصحفيين الذين تركوا منازلهم وعائلاتهم ليخوضوا غمار هذه الحرب، غير آبهين بالقصف، والدمار والقتل، بل هدفهم هو عرض الحقيقة، وهي جملة لطالما تكررت على لسان الأبطال، لدرجة أنها أصبحت شعارا له.
وأهمية العمل تكمن في قصة حب رومانسية وحميمة تجمع بين صحفيين في خضم حرب طاحنة لا تبقي ولا تذر أي العمل يحتفي بعظمة الإنسان وقدرته على العيش والحب رغم كل المآسي..
والممثلة المصرية نيللي كريم، تألقت في أداء دور الصحفية الصلبة، التي تواجه عائلتها ومجتمعها، وتقرر الذهاب إلى العراق، والبقاء مع شعبه لمواجهة آلة الحرب هناك، في حين أدى الفنان السوري عابد فهد شخصية ناجي، المراسل الشاب الذي ربطته علاقة حب طويلة بناهد (نيللي كريم)، لينفصلا ويعودا ثانية ليعيشا قصة حب جديدة في تخوم الحرب، وتحت وابل الرصاص، ليلاً ونهاراً.
ورغم هذه الأعمال وغيرها إلا أن الحدث الكبير (احتلال العراق) لم يأخذ حقه في الأعمال الفنية فهناك آلاف القصص التي تستطيع الدراما تحويلها إلى مسلسلات تغني المشهد الفني وتتقصى أبعاد المأساة بعمقها الإنساني بعيداً عن الغطاء السياسي المزيف والخاضع لمتطلبات المصالح والقوى المتصارعة.