2013/05/29
سهيل الذيب – تشرين
تشبه الثقافة الأميركية بأشكالها كلها, من سينما وتلفزيون وشابكة وغيرها, الجرافة العملاقة التي تجرف كل شيء عدا تلك الممتدة جذورها في الأعماق فعجزت أمامها إلا أنها استطاعت أن تدق إسفيناً في عقر تاريخها وثقافتها, وإن لم تستطع اقتلاعها إلا أنها,
ولأنها قوة جبارة تفلتت من إنسانيتها, فقد حيدتها على أقل تقدير مؤقتاً لتقتنص فرصة الانقضاض عليها ومحوها تماماً كما فعلت بحضارات كثيرة وأهمها حضارة الهنود الحمر الذين أبادت الملايين منهم تحت مقولة موغلة في الإجرام وهي: «الهندي الأحمر الجيد هو الهندي الميت» وهذه الثقافة نفسها استخدمت في بقاع شتى كاليابان وفييتنام وكمبوديا وكوريا وتجلت أكثر ما تجلت في التجمعات البشرية المسماة دولاً عربية بدءاً من فلسطين ولبنان والجزائر والعراق واليمن..الخ ولا أستثني تجمعاً واحداً, وأينما وصلت مخالب هذه الثقافة مزقت الشعوب والأرض والبنيان وسرقت الخيرات ولم تترك إلا الدم يسيل أنهاراً وتلك «الفوضى الخلاقة» التي جعلت من راية الحرية زيفاً ولؤماً شعاراً لها يشبه المصيدة تماماً يقع فيها كل من فقد بوصلته الثقافية والمعرفية واتجاهاتها الحضارية الملهمة والإنسانية في آن معاً... ويقينا أن هوليوود وكثيراً من أفلامها ذات الصبغة الإجرامية استطاعت أن تغزو بلداناً وتحطم نظماً وقيماً وتسقط بلداناً عظمى كالاتحاد السوفييتي وهذا ما نبه اليه الرئيس السوفييتي خروتشوف حين قال: أنا لا أخاف الصواريخ الأميركية العابرة للقارات قدر خوفي من هوليوود... ورغم كل ما فعلته السياسة الأميركية في تجمعاتنا العربية إلا أن هناك من مازال يرى في الكاوبوي ملاكاً لايحلوله العيش إلا بين جناحيه.
الوقائع!!
ضمن المسابقة الدولية لأفلام «حقوق الإنسان» في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الأخير عرض الفيلم الأميركي «بنيامين» لمخرجه جون أوثما.. وتدور حكاية الفيلم حول شاب عربي مسلم يعيش في أميركا وبسبب من لقبه وهو بنيامين جهاد يراقب من المخابرات الأميركية لاعتقادهم بأنه ينتمي إلى جماعة إرهابية!! ولم لا أفليس هو عربي!, وتخطط هذه الجماعة لعملية إرهابية وبسبب ذلك يقع في مشكلات عدة أهمها تدمير علاقته بحبيبته التي أعلمت أنه عربي.
محور متغير
مخرج الفيلم, وفي الندوة التي أعقبت الفيلم قال: «اخترت أن يكون الشاب عربياً مسلماً لان محور الشر يتغير تقريباً كل عشر سنوات, والموضة في الوقت الحالي هي العربي الإرهابي وهذا وفر عنصر الإثارة.. وتابع قائلاً: «لم أقصد اتهام لبنان والأردن والمغرب برعاية الإرهاب, فأميركا ترى أن أي دولة عربية هي إرهابية», ومن جانب آخر وصف الفيلم كلاً من أميركا وهوليوود بأنهما إمبراطوريتان قائمتان على الكذب والخداع لأن الأخيرة- وخدمة للسياسة الأميركية- تنتج أفلام مصاصي الدماء والخيال العلمي والخرافات وكلها كاذبة وهدفها إثارة الرعب والخوف والقلق ولاسيما للجهلة وأنصاف المتعلمين الذين كثيراً ما ينخدعون فينجرفون في مقولاتها الهدامة للنفس الإنسانية, وللعربية بشكل عام ليسهل قيادها وإخضاعها, وبعد دورها في القضاء على عدوها السوفييتي من خلال الكثير من الأفلام انتقلت إلى العربي والمسلم كعدو ثان يجب القضاء عليه علماً بأن أفلاماً عديدة تناولت هذا العربي قبل استقلال الدول العربية وأظهرته متخلفاً جاهلاً هدفه الأساس المرأة والجنس, وهو بطبيعته خائن لوطنه وغدار ولايمكن الوثوق به ولذلك وجب استعماره واحتلال بلاده كي يتعرف إلى الحضارة الغربية المطالبة بحقوق الإنسان..
900 فيلم
وهكذا صور الأمر الاستعماري... وفيما بعد الثمانينيات خاصة ازدادت كراهية واحتقار السينما الأميركية للعرب والمسلمين وقد أعد جاك شاهين أحد المهتمين بالثقافة والسينما دراسة في الأكاديمية الأميركية للسياسة والعلوم الاجتماعية ركزت على نحو 900 فيلم يُصور فيها العرب والمسلمون أنهم أشخاص بلا رحمة ومتعصبون دينياً ومتخلفون جهلة, ويورد أمثلة على ذلك قائلاً: في فيلم (يا الهي أيها الشيطان «1984») يفخر جورج بيرنز أحد أبطال الفيلم ويمثل دور الشيطان بأن ياسر عرفات هو أحد أعوانه, وفيلم «حريق سانت بالمو» يصور العرب على أنهم من ذوي الميول الجنسية الشاذة وممن يرجون المخدرات.. أما فيلم «مسألة ليست صغيرة» المنتج كسابقة عام 1985 فهو يعزز صورة الشيوخ العرب التقليدية لدى الغرب المتمثلة بمطاردتهم للفتيات العذارى ودفع كل شيء في سبيل ذلك.
عودة إلى المستقبل
وتظهر السخرية وازدراء العرب جلية في فيلم «عودة إلى المستقبل 1985» الذي يتحدث عن إرهابيين ليبيين يشترون قطع غيار للعبة الفليبرز معتقدين أنها ستساعدهم في صناعة قنبلة نووية لإبادة الكفار... وفي عام 1986 أنتجت هوليوود فيلم «سائق خاص» وفيه نرى اللص المحتال يوجه الاهانات والشتائم إلى أحد الشيوخ ويطلق التعليقات الساخرة نحوه كقوله: صاحب الرأس المغطاة بالمنشفة وراكب الجمال وكوم من الزبالة, والحقيقة أن السخرية من العرب والمسلمين والاستهزاء بهم لم يعد يحقق مآرب سينما التسعينيات وما بعدها فقدمتهم قتلة وسفاكي دماء ومجرمين وإرهابيين لاذمة ولا ذمام لهم ولذلك يسهل اقتناصهم فيما بعد وربما إبادتهم, أفلم ير الصهاينة أيضاً أن «العربي الجيد هو العربي الميت»! فلم إذاً لاتسهل السينما الهوليوودية هذه المقولة ولاسيما أنها مملوكة لليهود الصهاينة, فتظهرهم كأنهم القباحة بعينها وقتلهم ضرورة للعالم الحر والأسرة الدولية المتحابة, وهذا فعلاً ما حدث, فبدوا في هذه السينما سفاكي دماء ومجرمين ومدمري حضارات, بل حرضوهم في الخفاء على تدمير تماثيل بوذا في أفغانستان وفعلوها كي تتبلور هذه الصورة المنحطة للعربي والمسلم في آن معاً, وظهرت أفلام عديدة تنقل هذه الصورة منها «أكاذيب حقيقية» 1994 وفيلم «الحصار 1998» الذي يبدأ بالقبض على أحد العرب المشتبه في تورطه في بعض التفجيرات في أميركا.
لمصلحة أميركا
ويرى محمد حسنين في مقالة نشرتها مجلة العربي في آذار 1989 أن السينما الآسيوية ساهمت في ذلك التشويه أيضاً ولم تجد إلا العرب لتهزأ وتسخر منهم ففي فيلم «PENOY BALUT» يظهر العرب شاذين وساديين... وفي أحد مشاهد الفيلم تنزعج الفتاة لمنظر العربي الكريه عندما تراه وتحاول أن توهمه أنها صبي فيهجم عليها قائلاً: الآن أريدك أكثر!! أما الآن وفي خضم التغييرات الرهيبة التي تجري في المجتمعات العربية واستغلال الحراك لمصلحة أميركا والغرب فقد عرض في الصالات الأميركية مؤخراً الفيلم الحديث «الديكتاتور» لمخرجه لاري تشارلز وهو ضمن قالب كوميدي فانتازي وتدور قصته حول الجنرال علاء الدين حاكم إحدى دول شمال إفريقيا الغنية بالنفط وتدعى «واديا» والذي يخاطر بحياته من أجل منع الديمقراطية عن شعبه وتجنبا لضربة عسكرية من «العالم الحر» ويسافر الجنرال إلى أميركا لإزالة الهواجس حول برنامج دولته النووي, وفي زيارته تلك يزيحه مساعده من الحكم ويحتل مكانه تواطؤاً مع الصينيين الطامحين بالنفط, وذروة السخرية تتمثل في فقدانه للحيته الطويلة والكثة عند اختطافه من أحد رجال أمن الفندق ويفقد الديكتاتور منصبه وسلطته لمصلحة شبيه له تم تحضيره ليكون دمية... وفي نهاية الفيلم تجري انتخابات ديمقراطية تتوج بزعيم واحد, ويخرج المشاهد بمقولة أن هذا الديكتاتور هو معمر القذافي وربما صدام حسين والعرب ما هم إلا أغبياء رعاع ومحدثو نعمة ومهووسون بالسلطة والجنس.
ورغم هذا التنميط المهيمن والمذل للعربي والمسلم في السينما الهوليوودية خاصة في التلفزيونات والأفلام التسجيلية أيضاً, مازال الكثير من الأعراب يرون البيت الأبيض المحجة التي يحجون إليها.