2013/05/29
جوان جان – تشرين
لوحة فنية مذهلة في سورياليتها أين منها لوحات رائد الفن التشكيلي السوريالي الفانتازي في العالم سلفادور دالي تلك التي رسمتها فضائية «الجزيرة» حسنة الذكر والسيرة والسلوك في تغطيتها للأحداث الأخيرة التي شهدها الشارع المصري
الذي أدرك أخيراً مدى الخديعة التاريخية التي وقع فيها بعد أن جلب بنفسه إلى السلطة أكثر الجماعات قدرة على المراوغة وأجرأهم على الكذب وأنجحهم في إيجاد المسوغات الشرعية لكل التجاوزات التي يقومون بها ولكل الانتهاكات التي يقدمون عليها بحق الشعب المصري، وفي مقدمتها انتهاك الفكر والعقل المصري المبدع دائماً، والتاريخ يشهد.
ولا شكّ في أن ما جرى في مصر مؤخراً شكَّل ضربة كبيرة لفضائية «الجزيرة» التي روَّجت ولا تزال لهذه الفئة التي دفع بها الزمن العربي الرديء إلى سدّة الحكم في بلد كاد أن يشكّل في خمسينيات وستينيات القرن الماضي عقدة تلتقي عندها المصالح الدولية المختلفة بفضل انتهاجه سياسة رفعت رأس المواطن المصري والعربي في أي مكان حلّ فيه، فمن راقب أداء «الجزيرة» الإعلامي في تغطيتها للأحداث المصرية لمس ارتباكاً واضحاً في طرحها إزاء شعب سبق أن صوّرته قبل عامين بأنه الشعب البطل الذي ثار على ظلاّمه وأطاح بهم، وإذا به اليوم يتحوّل -حسب وجهة نظر الجزيرة- إلى مجموعة من الرعاع الهمج المنفلتين من عقالهم والمفتقدين لأي رادع أخلاقي يمكن أن يمنعهم من انتقاد الخليفة المنتَظر، حسبما تصوره «الجزيرة» وبعض الإعلام الفضائي المصري كقناة «الحافظ»، التي لا تتردد في تكفير والدعوة إلى تصفية ليس كل من يحاول أن يعترض بل حتى كل من يحاول أن يفكر.
الحراك الشعبي المصري وما دار من مواجهات مع الشرطة المصرية صوّرته «الجزيرة» على أنه محاولات من مجموعة من (البلطجية) الذين يحاولون الاعتداء على ملائكة الأمن المصري الذين لم يكونوا أكثر من حمائم للسلام تحاول أن تدافع عن القيم السامية والأخلاق الرفيعة عن طريق سحل المواطنين المصريين في الشوارع كما وثّقته إحدى الفضائيات المصرية.
عشرات الآلاف الذين انطلقوا في الشوارع المصرية في مختلف المحافظات لم ترَهم «الجزيرة» بل حوّلت بصرها في الوقت نفسه الذي يتم فيه استهداف المواطن المصري بكل أشكال القمع نحو معرض خيري للجماعة إياها تمكّنت «الجزيرة» من رصد سبعة روّاد يرتادون مكان إقامة المعرض في سلوك إعلامي أقل ما يقال عنه بأنه مُشين ووضيع، لا يعادله في وضاعته سوى تصوير الإعلام الغربي والإسرائيلي المقاومين العرب والفلسطينيين على أنهم مجموعة من الإرهابيين المتخلفين الذين يريدون القضاء على دولة (إسرائيل) الحضارية؟!
في الوقت الذي كانت فيه شوارع القاهرة تغلي بعشرات إن لم نقل مئات الآلاف من الغاضبين على سياسة التجويع والتهميش كانت كاميرات «الجزيرة- مباشر» تبحث عن تجمّعات هنا وهناك من الأرض العربية، ولاسيما في العراق وسورية، كما كانت تكرِّس إمكانات ذراعها الإعلامية الضاربة في مصر «الجزيرة- مباشر- مصر» للإمعان في تفتيت المجتمع المصري وخنق صوت الشعب فيه والترويج لمجموعة من مرتزقة الإعلام الذين آلوا على أنفسهم إلا أن يزوّروا الحقائق، وهو الأمر الذي دفع الشعب المصري قبل أكثر من شهر لاختراق مكاتب هذه القناة في القاهرة وإحراقها، كما لن يكون إحراق العلم القطري وسط شوارع القاهرة قبل أيام قليلة خارج إطار وعي الشعب المصري لما يحاك ضدّه من قِبل دولة أصبحت خطراً على السلم والأمن لا في منطقتنا فحسب بل في العالم أجمع، حسبما أجمعت عليه الصحافة الفرنسية قبل أيام.
عظام رائد السوريالية سلفادور دالي تهتز اليوم في قبرها، وهي تراقب الإنجازات غير المسبوقة لفضائية «الجزيرة»، وهي تعمل على أن تقدم أكثر اللوحات الإعلامية غرابة وبعداً عن الواقع وتشويهاً له خدمةً لسياسات هدفها الهيمنة على شعوب المنطقة ومحو ذاكرتها وتشكيلها من جديد على أسس من التخلّف الفكري والجمود العاطفي، ولينطح دالي رأسه بالجدار الذي يشاء.