2013/05/29
جوان جان – تشرين
كثيرة هي الدراسات والمقالات ووجهات النظر والآراء التي تناولت العلاقة الناشئة في السنوات العشرين الأخيرة بين الشارع العربي والفضائيات العربية التي ظهرت في فترة بداية تسعينيات القرن الماضي في ذروة توق المواطن العربي لنوافذ تواصل جديدة مع العالم
غير النوافذ الضيقة التي كانت تتيحها له حكوماته في مختلف بلدانه، فمع بدء عصر البث الفضائي وجد المشاهد العربي نفسه أمام عوالم جديدة لم يألفها وأساليب عرض لم يعتدها، الأمر الذي ولَّد منافسة شديدة بين الفضائيات العربية لكسب ودِّ هذا المشاهد.
ومما لا شكّ فيه أن الكثير من الفضائيات العربية قد تمكّن من التقرّب من المشاهد العربي ونيل رضاه، ولاسيما تلك القنوات التي اهتمت بشؤونه الاقتصادية والاجتماعية وباهتماماته الثقافية والفنية والرياضية، فازدهرت قنوات الأفلام العربية والمترجمة أيما ازدهار حتى فاق عددها اليوم الثلاثين قناة كما ازدهرت الفضائيات المهتمة بالشؤون الرياضية، وهو المجال الرحب الذي يشد انتباه الشباب إليه في كل مكان وزمان.
وبناء على طول عهد المتلقين العرب بالبثِّ الفضائي، أصبح جزء كبير منهم قادراً على التمييز بين الفضائيات التي تحترم عقله ومشاعره وتلك التي تحتقره وتستخف بقدراته الإدراكية، وهذا الأمر لم يأتِ بمحض المصادفة أو بين ليلة وضحاها بل نتيجة التجارب المتعددة للمشاهد العربي مع بعض القنوات العربية التي تتعامل معه بفوقية متناهية... والواقع أن العلاقة بين الشارع العربي وهذه الفضائيات أخذت بالتوتر في السنوات الأخيرة إلى درجة أن أصبح العاملون في هذه المحطات هدفاً دائماً لاعتداءات المواطنين في مختلف البلاد العربية. وبالتأكيد سيتبادر إلى ذهن كل من يقرأ هذه السطور المثال الأبرز على هذا الكلام ألا وهو فضائية الجزيرة التي أضحى مراسلوها والعاملون فيها اليوم ضحايا سياسة قناتهم المستعدة للتضحية بهم وبسلامتهم في سبيل تنفيذ توجهاتها.
ولكن ما الذي جعل العلاقة تسوء بين الشارع العربي من جهة وفضائية الجزيرة من جهة أخرى إلى درجة دفعت مجموعة كبيرة من المواطنين المصريين قبل أيام إلى اقتحام استوديوهات الجزيرة ـ مباشرـ مصر في القاهرة وإحراقها وإتلاف محتوياتها، بعد أن كانت للجزيرة اليد الطولى في أحداث الأيام الثمانية عشر الأخيرة من حكم حسني مبارك؟ وبعد أن كانت الجزيرة رأس حربة المتظاهرين في عملية الإطاحة بمبارك؟
الإجابة عن هذه التساؤلات ليست بتلك البساطة، إذ إن الأمر بحاجة إلى دراسة معمّقة للمكوّنات النفسية التي تنظم طبيعة عمل هذه الفضائية التي لا يتعب المشاهد الذي يمتلك قدراً محدوداً من الذكاء ليكتشف أن سعيها الأساس هو نشر الفوضى وتجذير روح الخلاف في الأرض العربية... هذه الحقيقة الغائبة اليوم عن أذهان الكثير من المشاهدين العرب لم تعد كذلك عند بعضهم الآخر ولاسيما عند شعوب دول ما يسمى بالربيع العربي وتحديداً في مصر وتونس، وكلنا يذكر كيف تم طرد مراسلي الجزيرة من تجمّع جماهيري ضخم ضمّ آلاف الأشخاص أقيم في تونس قبل عدة أشهر، فإذا كانت الجزيرة مكروهة من قبل الحكومات العربية لأسباب واضحة، فلماذا أصبحت اليوم ليست مكروهة فقط بل ومطالب برأسها من قبل الشعب العربي؟ هل أضحى هذا الشعب أكثر حساسية من حكامه تجاه هذه القناة التي لم يبقَ شعار من الشعارات الإعلامية البراقة إلا واتخذته لنفسها للإبقاء على ما تبقّى من سمعتها، ولكن من دون جدوى؟
لقد أدرك الشعبان المصري والتونسي أن مهمة الجزيرة لم تكتمل بعد، إذ إن المجتمعَين المصري والتونسي لم يصلا بعد إلى مستوى الشرذمة والانقسام اللذين تبتغيهما الجزيرة لذلك كان لا بدّ لها من أن تكمل المشوار عن طريق الإمعان في بث البرامج وتقديم التقارير الإخبارية بأسلوب يؤلّب فئات الشعب في البلدين على بعضها، وقد وصل بها الأمر في سبيل تحقيق هذا المطمح إلى إنشاء قناة خاصة بمصر سمتها الجزيرة ـ مباشرـ مصر مهمتها الأساسية هي صبّ الزيت على النار، ووسيلتها في ذلك توجيه الإهانات المتكررة للشعب المصري ووصفه بأقذع الأوصاف والتي ليس أقلها وصفه بالبلطجة والتركيز على هذه النقطة تحديداً وهو الأمر الذي رفضه الشعب المصري الذي لم يتردد في اقتحام استوديوهات القناة وتحطيمها.
واليوم إما أن تدرك الجزيرة مدى حجم الجريمة التي ترتكبها بحق الشعوب العربية وتتوقف عن اتباع أساليب التحريض والتزوير والاستهانة بكرامة العرب وإما عليها أن تتحمل نتائج هذا السلوك الذي ينعكس في الطبيعة العنيفة التي أصبح يواجهها بها المواطن العربي كمحاولة مشروعة للدفاع عن نفسه وكرامته.