2012/07/04
"ضيعة ضايعة"
عهـد صبيـحة
اتخذ مسلسل "ضيعة ضايعة"، تأليف ممدوح حمادة وإخراج الليث حجو، مكانة رفيعة له بين المسلسلات المعروضة في السنتين الأخيرتين بعد أن حظي بسلسلة عروض متتالية ودائمة على أهم الفضائيات العربية. هذا العمل، الذي أُخذت فكرته أصلاً من إحدى لوحات مسلسل كوميدي شهير آخر هو "بقعة ضوء"، يُعرض الجزء الثاني منه هذا العام، وفيه تستمر كاميرا الليث حجو بالغوص في تفاصيل الحياة اليومية لأبناء قرية أم الطنافس الفوقا، القرية النائية، وتصوّر كيفية تعامل أبناء هذه القرية مع أدوات الحضارة ضمن علاقات متشابكة تكشف بساطتهم وعجزهم عن اللحاق بركب حضارة ما زالت في المجتمع السوري مثار جدل واختلاف.
يتشابه الجزء الثاني من "ضيعة ضايعة" مع جزئه الأول من حيث التركيبة والشخصيات وبساطة الحكايات المطروحة، لكن بعداً سياسياً واضحاً، غلف الموضوعات اليومية للحكايات، لم يغير من بساطتها أو من تركيبة شخصيات أبناء القرية، هذا البعد السياسي بدا هارباً من الرقابة بأسلوب راق وغير فج، واستطاع هذا البعد، بإتقان وذكاء، تقديم أبناء قرية أم الطنافس كممثلين عن المجتمع السوري، كما تمكن الثنائي (جوده-أسعد) من إحياء الكوميديا الساخرة الناقدة التي كانت أضاعت طريقها منذ أيام الثنائي الأشهر (غوار-حسني).
في الجزء الثاني من ضيعة ضايعة، تتضح رغبة الكاتب والمخرج بتوجيه لكمات للحكومة عبر حكايات المسلسل اليومية، تمثلت بداية باتفاق جوده وأسعد الغريب، على الأقل في الحلقات العشر الأولى، فصراعهما الكوميدي اختفى وحل محله اتفاق مرحلي في مواجهة مندوب الحكومة، مثلاً، الذي يُفنّد مبررات فقرهما، أو في مواجهة أبناء القرية الذين يستهزئون من مكانة أسعد ولا يدعونه إلى العرس، وهذا الاتفاق خدم غايات القصة المرويّة، فكل صراع بينهما تافه، كما يبدو، عند الحاجة إلى ما يدفئ من برد الشتاء، وجاءت هذه اللوحة مباشرة وناقدة خدمتها تفاصيل البحث عن مبررات فقر ساخرة ومريرة لأبناء القرية. في الجهة الأخرى تقف شخصية "أبو شملة" المهرّب الخارج عن القانون و"الفراري"، يخرج "أبو شملة" من القرية أخيراً سالماً بحماية رجال الشرطة، وهو نفسه من يقدم الاقتراح الناجع لحل مشكلة هدم الأراضي من أجل بناء السد، بعد محاولات أبناء القرية الساخرة والفاشلة المتمثلة بالشكاوي الرسمية والمظاهرات، والتي لم يحلها أخيراً سوى تقديم رشوة (فكرة أبو شملة) كانت كافية لإنهاء هذه المشكلة. في لوحة أخرى مثلت العلاقة بين الحكومة والحرية، لم يتمكن أبناء القرية، بعد صدور قرار بمنع التملق، من فهم معنى التعبير عن الرأي بصراحة، وعجزوا بعد محاولات عديدة عن إدراك "منع التملق" واتضح لهم أنه يعني عدم التكلم ففضلوا السجن طواعية في نهاية الأمر لعدم قدرتهم على تنفيذه. في لوحة أخرى، افتعل غياب المخبر عن القرية أزمة جعلت من أبناء القرية جميعاً يطالبون بعودته كي تمضي حياتهم سعيدة هانئة!
ولربما أضاف هذا الحس النقدي اللاذع في تصوير حكايات القرية بعداً جديداً راقياً، على مستوى النص والصورة، واستثماراً سياسياً ناجحاً للمحلية، على مستوى النقد والتحليل، لكن هذه المباشرة في الطرح أثارت، على مستوى الرقيب الاجتماعي، تساؤلات عديدة، فالشارع المحلي وقف مدهوشاً أمام جرأة الطرح ومباشرته وتضاؤل مساحة الكوميديا (المقهقهة من الضحك) التي اعتادها في الجزء الأول، خصوصاً بعد ظهور "ضيعة ضايعة" كمنقذ للكوميديا بعد غيابها عن المشهد التلفزيوني وسط أعمال درامية اجتماعية مغرقة في الكآبة تميزت بها الدراما السورية في السنوات الأخيرة.